استحقاقات أيلول والفشل الأمريكي المتراكم

م. زياد صيدم

[email protected]

والآن وقد ترسمت الأمور وظهرت حقيقة التوجه الفلسطيني في 20/9 إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن  لتقديم طلب اعتراف بفلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية ..تكون القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الأخ الرئيس أبو مازن قد حسمت الأمر بعد تكهنات عديد من المحللين وكثير من الأقلام الشامتة أو المنساقة مع  الرافضين للتوجه الفلسطيني !! حيث تم الإعلان رسميا أمس من خلال خطاب الأخ الرئيس والموجه للشعب الفلسطيني وللعالم كله حيث أوضح بأن  الذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما قال : ( هدفه إعادة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف وعلى حدود الرابع من حزيران 1967، إلى خارطة الجغرافيا من خلال المفاوضات ذات المرجعية الدولية المحددة ) وقد ألحت القيادة والرئيس أبو مازن بضرورة وأهمية أن تواكب هذا التحرك الفلسطيني لانتزاع الحقوق الثابتة لشعبنا بالطرق الدبلوماسية والسلمية تحركات شعبية حاشدة في كافة تجمعات شعبنا في الداخل والشتات وكذلك مطالبتها لجميع الشعوب العربية للخروج في مظاهرات سلمية داعمة ومساندة للتحرك الفلسطيني لأنها تتويج لمرحلة من مراحل الكفاح الفلسطيني المشروع و طويل الأمد سواء كان بالبندقية أو بالتحرك الدبلوماسي أو المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود حيث لا يخفى على أحد بان الكيان الصهيوني وحكومة " نتن ياهو " اليمينية المتطرفة تقف وراء فشل المفاوضات بسياستها الاستيطانية المستمرة ..ورفضها الاعتراف بدولة فلسطين على الأراضي المحتلة التي أقرتها جميع قرارات الأمم المتحدة والتي بالأساس تمت عليها جميع التفاهمات الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان المحتل طيلة العقد الأخير حتى أن " تسيفى ليفنى" زعيمة المعارضة ووزيرة الخارجية السابقة  في آخر تصريح لها نشرته صحيفة " يدعيوت احرنوت " العبرية قبل يومين قالت : (أن قادة "إسرائيل" ينبغي أن يتخذوا قرارات صارمة وقاسية لتصحيح الأوضاع، موضحة أن الفلسطينيين كان من الممكن أن يلجئوا إلى الأمم المتحدة من سنين لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم كانوا يشعرون أن "إسرائيل" ترغب في الوصول إلى اتفاق سلام معهم.. وشددت على أنه مع غياب الحوار لجأ الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة ويعتزمون تقديم خطط بمختلف اللغات ، كل ذلك فقط بسبب مواصلة الحكومة السير في طريق تفادي صنع أية قرارات (.

وبالنظر إلى الفترة الزمنية التي أعطيت للمفاوضات والحلول السلمية.. نجدها قد طالت دون الوصول إلى إحقاق السلام لجميع الأطراف بل وتملصت دولة الاحتلال لكل الاتفاقيات و المبادرات العربية للحل السلمي للقضية الفلسطينية لأسباب يعلمها الجميع وتتلخص في: انعدام الرديف العربي الفاعل بمعنى غياب ضغط جماعي اقتصادي ملموس على الأقل.. و كذلك نتيجة لإنهاء حالة الحرب لدول الطوق الفلسطيني بتوقيع اتفاقيات سلام مع الكيان..وكذلك  نتيجة لاختلال التوازنان العسكرية مع انتهاء الحروب الباردة بين الكتلة الشرقية والغربية (سياسات الأحلاف والنفوذ للدول الكبرى ) وبالتالي هيمنة القطب الأمريكي  وتفرده .. بل ونرى تدخلا غربيا أمريكيا  صارخا ومدمرا في أقطارنا العربية  والإسلامية بدعوات  رسمية  عربية !! أو بحجج واهية مخادعة ظاهرها براق وباطنها استعماري متجدد مما يزيد من فترة الجزر العربي وتراجعه وسلبيته على القضية المركزية العربية والإسلامية ( فلسطين المحتلة والقدس الشريف ) وتشتيت شعوبها  بفتح قضايا داخلية لكل بلد عربي أو إسلامي على حده .

أما الفشل الأمريكي المتراكم فيتمثل في أنها تمارس حق النقض الفيتو فقط على فلسطين وحقوق  شعبها في نيل استقلاله وإعلان دولته دون أن تتحرك بالإيفاء بوعود متكررة بل والتراجع عنها لاحقا ؟ فما استحقاق أيلول إلا نتيجة لتلك الوعود من الرئيس " كلنتن " إلى " اوباما" تحديدا.. كذلك الإصرار على عدم الاكتراث بالانتفاضات والثورات الشعبية العربية أو ما يعرف بالربيع العربي والمد الجماهيري الذي يقلب الحكام والأنظمة الدكتاتورية والقمعية الموالية لها واحدة تلو الأخرى وهنا لابد من التفكر جيدا والتساؤل: لماذا لا تخشى أمريكا هذا الزحف  الجماهيري العربي بان ينقلب سلبا وعكسيا على مصالحها كنتاج حتمي لهمجية وإجحاف سياساتها المستمرة في معاداة  الشعب العربي والإسلامي ؟؟ وإنكار للحقوق الفلسطينية خاصة وهنا يجب أن تتغير المعادلة والحسابات الأمريكية بالذات فان كانت تعتقد بأنها تحوط وتجير الجماهير العربية الثائرة على أنظمة الرجعية والفساد إلى صالحها ؟! بل وتجعلها تستغيث بها لإزاحة حكام وأنظمة  لطالما خدموا مصالحها على مر العقود وذلك كي تحظى بتجديد البيعة من القادمين الجدد لعقود أخرى قادمة بالولاء الكامل لها وبالتالي تحييدها لصالح الكيان الصهيوني كمحصلة مؤكدة .. وهذا يؤكد من جديد بان السياسات الأمريكية هي سياسات صهيونية واحدة تخدم قوى الاستعمار والهيمنة الغربية عامة وضد حقوق شعوبنا العربية  التي ما أن تتنفس الصعداء وتتحين الخلاص حتى تجد نفسها في الشباك الأمريكية الصهيونية من جديد.

 لهذا فالفشل الأمريكي قد يأتي محملا بعداء كاسح وغير مسبوق في المنطقة العربية الثائرة  مع استمرار الإدارة الأمريكية من الاستخفاف والإذلال لشعوب المنطقة وعدم تقدير دورها المتصاعد والرافض للهيمنة بكل أشكالها كما رفض القمع والفساد  وذل الأنظمة وانبطاحها حتى افقد الشعوب كرامتها وإنسانيتها بين الأمم. فمما لاشك فيه أن تطورات المد الجماهيري العربي وثوراته وانتفاضاته سيكون لصالح القضية الفلسطينية وداعما لها وبالتالي جاءت المطالب الفلسطينية الرسمية بمساندة الشعوب العربية للتحرك الفلسطيني القادم ..

فهل تعي أمريكا مدى الفشل المتراكم لسياساتها ومدى الخطورة واللعب بالنار وأعنى هنا نار الشعوب العربية  الثائرة والمنتفضة في أن تبرهن عمليا على قوميتها ووطنيتها وعروبتها وأصالتها فتنهار كل حسابات الصهاينة كمخططين فاعلين في سياسات أمريكا الحمقى.