موعظة الأسد للمشايخ والعلماء

على مائدة فطور رمضاني

في ليلة السابع والعشرين من رمضان

محمد العلي

سمعت الأسد أمس الجمعة ، وهي ( جمعة الصبر والثبات ) عند السوريين ، وهو يعظ شيوخ الدين وأئمة المساجد الذين جُمِعوا له على مائدة الفطور في ليلة السابع والعشرين من رمضان ، إحياء لسنة أبيه المقبور ، اغتنمها في إلقاء موعظة بليغة ، ذرفت منها عيون الحسون والبوطي وعيد بشير الباري ومن لفَّ لفَّهم ، ولما سمعتها ذكرت آنذاك شوقي ، إذ يقول :

برز الثعلبُ يوماً

في شعار الواعِظينا

وتذكرت حكمة الديك التي ختم بها – لا فض فوه - قصيدته الرائعة :

" مخطئٌٌ من ظنّ يوماً

أَنّ للثعلبِ دِيناً "

ومن قبل ، والشيء بالشيء يذكر ، التقى الأسدَ وفدٌ من العلماء ، ونقلوا عنه قوله بالحرف الواحد : " لو تعثر أحدهم بدراجته في الحسكة لخشيت أن يسألني الله عنه !!!!! " ، كأنه يريد أن يقول لنا أنه فاروق العصر لا هولاكو ولا نيرون . قلت : ألم ير الطفل من أيام معدودات في حمص ، وهو على دراجته ، كيف قنصه شبيحته فأردوه قتيلاً !؟. أليس هو قاتله ؟. ألم يأمر بقتله ؟. ألم يأذن به ؟. أليسوا جنده وأزلامه هم الذين قتلوه ؟.

وفي موعظة الأسد للمشايخ ، نوَّه الرئيس بما تتمتع به سوريا من الحرية الدينية ، وسرد منجزاته الدينية ومنجزات أبيه ، (7000 ) مسجد تنتشر في ربوع سوريا ، وعشرات بل مئات المعاهد والمدرس الشرعية ، قناة نور الشام الدينية ..... إلخ .

ألم تتباهى – أيها الأسد - من شهور معدودات قبل ثورة 15 آذار ، بعلمانية دولتك ، وأن سوريا أكثر دولة علمانية في المنطقة ، وعلمانية دولة الأسد محاربة الدين لا مجرد فصل الدين عن الدولة !؟.

ألم تفتخر بأن دولتك أول دولة تحارب « الإرهاب والتطرف» ، وما ذاك إلا محاربة الدين الحنيف ؟.

فأين حرية الأديان وأنت تحارب الإخوان المسلمين والسلفيين بل سائر الملتزمين بدينهم الذي رضيه الله لنا ديناً ، وسجونك تكتظ بهم ؟.

أي حرية دينية هذه التي تتكلم عنها وتتباهى بها ، تخادع بها أولئكم الشيوخ ، لتستغلهم في الدفاع عن دولتك المضطربة ونظامك الذي يترنح ؟.

رجعت بي كلمتك إلى ثلاثين سنة من قبل ، عندما اختطب أبوك المقبور بطلاب الجامعة ، ممتقعاً لونه مضطرباً جسده ، وقال يومذاك بالحرف وقد تملكه الرعب : أنا مسلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله !!. نعم ذكرتني ذلك الموقف وتلك الخطبة التي تشابه إلى حد كبير عظتك للمشايخ !.

أي حرية دينية أو احترام للدين ومبادئه وأنت تحارب العفيفات الطاهرات وتبغي لهن مالا ينبغي لهن ، وتحارب الحجاب والنقاب وتقف ضد العفة والطهر وتأمر بالفحشاء والمنكر وتنشر العري والإباحية في المجتمع ؟. ألم يصدر أبوك المقبور قراراً بمنع الحجاب في المدارس ، وما يزال القرار سارياً حتى تاريخه ، وحُرِم بسببه آلاف البنات من التعليم ؟. ألم يرسل قطعان الشبيحة في الطرقات والشوارع والأسواق لنزع الحجاب عن وجوه النساء ورؤوسهن ، وكان يوماً أسود في تاريخ آل الأسد الأسود القبيح الشائه ، لن يغفره لكم الشعب السوري ولن تنساه الأجيال !؟.

كيف تزعم احترام الدين والشعائر وناس كثر يجهرون بالفطر في نهار رمضان ، وما وقع ذلك إلا في عهدكم ، وجلهم من أنفسنا وليسوا يهوداً ولا نصارى فأولئكم القوم عهدنا بهم احترام المشاعر والشعائر رعاية جق الجوار !.

كيف تزعم احترام الدين ثم لا تحتسب درجة مادة التربية الدينية في الشهادة الثانوية ، وليس لها أي قدر أو سعر مما انعكس على طلابنا وأبنائنا ، استهانة بالمادة وازدراءً لها ؟. 

كيف تزعم أن دولتك تتيح الحرية الدينية ، ثم تمنع الصلاة في ثكنات الجيش ، وتبطش عصاباتك بمن تقبض عليه متلبساً بصلاة ، وتنكل به ، وتضيِّق عليه ، وهذا مشهور متواتر ، فأي حرية هذه ؟.

الصلاة عمود الدين وأنت تحاربها وتلاحق المصلين الراكعين الساجدين ، فما حرية التدين التي تزعم وجودها ؟.

سل ضباط الجيش وعساكره : هل يجرؤون على الصلاة أثناء الخدمة جهاراً نهاراً ؟. وهل في ثكناتهم ومعسكراتهم مساجد للصلاة فيها ؟.

ثم أي احترام للدين أو تقدير لرجاله هذا الذي تزعمه ثم لا يجرؤون على تبليغ شرعة ربهم وأحكام دينهم كما أمروا ويكتمون كثيراً من البينات والهدى ، خشية السجن والاعتقال والاضطهاد الديني ؟. ألم يعتقل النظام السوري الشيخ عبد الرحمن الكوكي إثر حلقة في الاتجاه المعاكس ذب فيها عن الحجاب !؟.

نعم ، هناك حرية دينية للإيرانيين فقط ولذوي العمائم السوداء والقلوب السوداء والأفكار السوداء التي تجوب سوريا طولاً وعرضاً ، لتفتن الناس عن دينهم ،  وتشتريهم بالمال والمتاع وتبتزهم بالمساعدات والإغراءات ، وتستغل فقرهم وحاجتهم الشديدة بعد أن ترك آل الأسد ديارهم وأرضهم قاعاً صفصفاً ؟.

تقول : نور الشام ، قناة دينية ، متى أنشأتها ؟. ألم تطلقها إبان الثورة ؟. ولماذا ؟. أليست رِشوة تشتري بها ضمائر الشيوخ وتخادع الشعب وتريد إسكاتهم ؟.  ألم يكن تلفزيونك ووسائل إعلامك محرمة أربعين سنة على شيوخ وأئمة المساجد الرسميين بالظهور والحضور ثم تغير الحال فجأة وأضحى ظهور هؤلاء الشّيوخ على وسائل الإعلام السورية مسلسلاً يومياً ، خوفاً على كرسيك ؟.

أي حرية أو احترام للدين ومبادئه وأنت تصادر الحريات وتضيع الحقوق وتسرق الثروات وتنتهك الحرمات فأي احترام للدين ومبادئه ، وهذه مبادئه ، وهل تظن الدين مجرد صلاة وصوم حتى الصلاة والصوم لم تحترمهما !؟.

ثم أي احترام للدين وشبيحتك تقتحم المساجد وتدنس المصحف الشريف ، وتكتب على جدران المساجد العبارات المهينة المشينة ، وتعتقل المصلين ولا تراعي حرمتها ولا مكانتها ولا قدسيتها ، وترتكب من الأفعال ما يقف له شعر الرأس مما لم تفعله فرنسا بل نقل لنا التاريخ احترامهم لبيوت الله ومراعاة مشاعر الناس واحترام شعائرهم التعبدية !. 

أي احترام للدين وقطعان الشبيحة يقصفون  المساجد ويهدمون المآذن ، ألم تر مئذنة جامع عثمان بن عفان في دير الزور كيف دمروها تدميرها ؟.

أي حرية دينية أو احترام للدين ومبادئه وقطعان الشبيحة تسجِّد الجباه لصورتك وصور أخيك وأبيك المقبور لا رحمه الله ؟. وهذا هو الشرك المذل المهين للإنسان الذي كرمه خالقه وأسجد له ملائكته وأمره بألا يركع لغيره وألا يحني هامته لأحد ، ولذلك جاءت جمعة ( لن نركع إلا لله !.) رداً على عبادة فرعون المهينة للكرامة الإنسانية .  

كيف تريدنا أن نصدقك أنك تكن للدين احتراماً وشعارات وعبارات الشرك الصريح : ' لا اله إلا بشار ' و " لا اله إلا ماهر' تكتب هنا وهناك يعلن بها على الملأ وأنت ساكت راض بما يحصل !؟. أليس هذا يشابه فرعون إذ نادى في قومه : { أنا ربكم الأعلى } ؟.

هذا وقد تواترت الأنباء وتكاثرت الروايات التي تخبرنا عن تعبيد الناس لصورة بشار الأسد وإرغامهم على السجود المذل لها وإذا أبى وأصر على التوحيد واختار العزة والكرامة فإنه سيلقى حتفه على أيدي سدنة الطاغية وزبانية سجونه الشداد الغلاظ بل رأينا تلك الصور التي تناقلتها الفيديوهات رأي العين ، وهذا ما حمل الشيخ أسامة الرفاعي خطيب جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي على إنكار المنكر وإنذار السلطات بالويل والثبور وتحذيرهم مغبته ، فبرأ ذمته ، وكُتِبَ له مقام مشهود محمود ، وهلك شيطان أخرس ساكت عن الحق وما أكثر الصم البكم من شيوخنا الأفاضل اليوم ، وأشد منه جرماً شيخ سوء يؤيده ويشاركه في مائدة إفطار امتزجت بالدماء التي يسفحها كل ساعة !.

الأسد يعظ الشيوخ ويعلمهم فن الخطابة والوعظ ، ويطالبهم بالقيام بدورهم أي تخذيل الناس وتخديرهم وتبيط هممهم وعزائمهم ، ويحرِّم التظاهر !. نعم تحول بشار الأسد بالأمس إلى شيخ ، كما تحول من قبله رامي مخلوف إلى فاعل خير !.

التظاهر حرام أما قتل الناس عمداً بالرصاص الحي فحلال بل واجب لإطفاء الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا !.

التظاهر السلمي حرام بحسب فتوى الشيخ الرئيس أما القتل الذي يجري يومياً وبلا حساب ، خاصة في شهر الرحمة والمواساة ، فهذا مستحب !!!. في كل يوم تشيع سوريا عشرين وثلاثين وأربعين وأحياناً يتجاوز الرقم المئة من خيرة أبنائها وفلذات أكبادها الصُوَّم الركَّع لكن ليس لبشار الأسد .

أليس في شيوخ الدين شيخ رشيد يقوم له فيرده عن غيه ويزجره عن تماديه وإيغاله في الدماء الزكية ؟. أليس فيهم رجل يقول كلمة حق ؟. ألم يذكره أحد بحمزة الخطيب الذي كسروا رقباه وقطعوا ذكره ورفيقه تامر الشرعي الذي ثقَّبوه بـ ( الدريل ) ، وما أدراك ما الدريل ؟.

وبينما كان الأسد يعظ شيوخ الدين ويعلمهم دينهم كان والد تامر الشرعي وأمه على شاشة العربية يدين الأسد بقتله ، ويقول : اثنان قتلا ابني ؛ الرئيس الذي أذن وأمر ، والقاتل الذي باشر ونفذ !.

وبينما كان الأسد يعظ شيوخ الدين ويعلمهم دينهم كان رسام الكاركتير العالمي الشهير علي فرزت على العربية أيضاً يروي مأساته ، وكيف اختطفه قطعان الشبيحة ، من ساحة الأمويين في قلب دمشق على مقربة من بيت الشبيح الأكبر ، وعذبوه تعذيباً سادياً وحشياً ، وخصوا أصابع يديه المرهفة الحساسة المبدعة ، بمزيد من الضرب مع تعمد تكسيرها جزاءاً وفاقاً ، وهم يقولون له : " سنكِّسر أصابعك التي ترسم بها ! !" أحلال هذا يا سيادة الشيخ الشبيح ؟.

وبينما كان الأسد يعظ شيوخ الدين ويعلمهم أمر دينهم أو بعد موعظته وفي الليلة ذاتها اقتحم جامع الرفاعي شبيحته وعصاباته ، وقاموا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي ، وكسروا المكيفات والثريات ، وخربوا أثاث المسجد ، ومزقوا المصاحف ، واعتدوا على المصلين بالضرب المبرح ، وضرب الشيخ أسامة الرفاعي ضرباً شديداً وفقد الوعي ونقل لمشفى الأندلس ، واعتقلوا كثيراُ من المصلين ومنهم الشيخ معتز الرفاعي بن الشيخ أسامة الرفاعي والشيخ عبدالرحمن مكية إمام المسجد !. فهذه هي الحرية الدينية التي امتن الشيخ الرئيس بها على السوريين !.

ألم ير شيوخنا الأكارم حسين الزعبي وقد عذلوه ثم سلخوا جلده حياً كما تسلخ الشاة لكن بعد الذبح !.

أوما سمعوا بما فعلوه مع المغني إبراهيم قاشوش الذي اقتلعوا حَنجرته ؟.

أما رأوا وسمعوا قهقهة الجنود ورقصهم على جثث وأشلاء ضحاياهم ؟.

أليس لهم آذان يسمعون بها !؟.

أليس لهم أعين يبصرون بها !؟.

أليس لهم قلوب يعقلون بها !؟.

أليس في القوم رجل رشيد ؟.

ألا يزال في الأمة رجال ؟. فأين حماة الدين وحراس العقيدة ؟. أم بلغنا تلك الحال التي قال فيها علي الكرار لجماعته التي خذلته حين البأس : ( يا أشباه الرجال ولا رجال! ) ؟!.

أيها الشيوخ ( صمتكم يقتلنا !!)

مشاركتكم الأسد مائدته مشاركة له قتله وجريمته !!. ألا تسمعون أنَّات الثكالى وآلام المفجوعين بأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وآبائهم الذين ضرجوا أرض حوران واللاذقية بدمائهم الزكية !. أتآكلونه وتخالطونه  ودموع الأمهات لم ترقأ ودماء الشهداء لم تجف ؟! ألا يعلمون أنه ما من قرية من قرى سوريا ولا حي من أحياء مدنها إلا وفيها خيمة بل خيام عزاء للذين قضوا نحبهم على أيدي جلاوزة مضيفهم السخي الكريم وجنوده البواسل وتحت قيادة أخيه البطل ماهر الأسد الذي أضاف إلى مجزرة صيدنايا في سجله المشرف مجزرة درعا وحمص وحماة والمعضمية وكناكر والقورية واللاذقية و....!. شهودكم - يا خطباء المساجد - مأدبته شهادة زور وقول زور وموقف زور ومجلس زور !!. إلى متى تصفون إلى جانب الطاغية في وجه الشعب المظلوم المقهور المقموع ، وتصدقون رواية الظالم عن عصابات ومؤامرات لا وجود لها اللهم إلا عصابات الأسد وقطعان الشبيحة التي سلطوها على المواطنين لتفعل ما تشاء ؟. وكيف تدعون إلى مبايعته وطاعته وإن سجن وعذب، ومنع الإسلام من الحياة العامة بكل الأشكال ؟. كيف ؟. هل ترجون صلاحه وإصلاحه ، كيف ، وفاقد الشيء لا يعطيه ؟. كيف وهو سبب الفساد ومصدره وأس البلاء وعلته ، والشاعر يقول :

لَن تُصلِحَ الناسَ وَأَنتَ فاسِدُ  ***  هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِدُ

يا أئمة المساجد ويا شيوخ الإسلام !. والرسالة أوجهها أيضاً إلى كل خطيب جمعة وإمام جماعة ؛ إنكم ميتون ، وإنكم لموقوفون ومحاسبون ، عن الدماء الزكية وعن دموع الأطفال وأنات الثكالى وزفرات الأرامل ، ولسوف تسألون !. اللهم قد بلغت . اللهم فاشهد !.

لن نسامحهم ، لن نسامح مشايخنا ، ولن نغفر لهم والتاريخ سيكتب ذلك ، وسيظل سبة ومعرة في جبينهم ، والخلود للشهداء والأبطال والشرفاء .