سيد أردوغان: الشعب يريد إسقاط النظام

م. عبد الله زيزان

[email protected]

بعد مرور قرابة الخمسة أشهر على الانتفاضة السورية، وبعد أن أريقت دماء الآلاف وأهدرت كرامة عشرات الألوف في السجون والمعتقلات، باتت فكرة بقاء النظام السوري في الحكم كابوساً لا يمكن لأي سوري أن يعيشه أو أن يتقبله، فلا يمكن لأي سوري حر أن يتخيل مستقبله بوجود آل الأسد على سدة الحكم... وعليه فإن أي محاولة من أي طرف داخلي كان أو خارجي يسعى للمصالحة أو الإصلاح في ظل النظام السوري الحالي سيقابل بردود فعل غير محمودة، والأتراك ليسوا بمنأى عن ذلك...

حظيت الإدارة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان خلال فترة الثورة السورية بشعبية وتعاطف عارمين من جانب الشعب السوري الثائر بفضل التصريحات التركية المنادية بمشروعية المطالب الشعبية، فكان لهذه التصريحات أثر معنوي واضح في نفوس الشباب الذين لمسوا تجاهلاً عربياً ودولياً مطبقاً تجاه قضيتهم... تجاهل وصل لدرجة التواطؤ مع النظام السوري من دول اعتاد النظام الترويج لعدائها على مدى عقود من الزمن، في الوقت الذي عكف فيه النظام للترويج لعلاقته المميزة مع تركيا ما قبل الثورة...

شعبية أردوغان العارمة والثقة الكبيرة التي بدأ السوريون يمنحونها لشخصه ولحكومته يوماً بعد الآخر جعلت من البعض يعول على الأتراك في حسم الثورة السورية لصالح الشعب، ومن ذلك المنطلق كانت خيبة الأمل كبيرة بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركية داوود أوغلو، والتي كان من مخرجاتها مهلة الأسبوعين التي منحها السيد أردوغان للنظام السوري لوقف إراقة الدماء والبدء في إصلاحات جذرية وحقيقية...

ويبدو للوهلة الأولى من خلال هذا التصريح الأخير أن الأتراك لم يفهموا بالضبط إرادة الشعب السوري، فالشعب الآن لم يعد يقبل بإصلاحات شكلية تُبقي المجرمين (من أعلى رأس الدولة إلى آخر قاتل فيها) دون عقاب... لذا فإن الإصلاح أو المصالحة قد نسيها الشعب منذ فترة طويلة وجعلها خلف ظهره...

لكن إذا ما أردنا الدقة في التعبير، فإن موقف تركيا لا يأتي من باب عدم قدرتهم على معرفة مطلب الشعب الرئيسي في إسقاط النظام، ولكن من منطلق المصالح الخاصة لهذه الدولة والتي تتلخص بضمان الاستقرار في حدودها الجنوبية والتي يعني اضطرابها تشكيل بيئة مناسبة لتحرك حزب العمال الكردستاني وربما عودة قواعده فيها بعد أن طرد حافظ الأسد هذا الحزب من سورية وسلم زعيمه عبد الله أوجلان بطريقة غير مباشرة بعد أن حشد الأتراك حينها جيوشهم على حدود سورية...

وحين نطالب تركيا بموقف حازم تجاه سورية علينا أن نعلم أن قراراً تصعيدياً يصل لدرجة التدخل العسكري أو إنشاء منطقة عازلة عند الحدود لحماية المدنيين يحتاج من الأتراك تفكيراً عميقاً، لأن قراراً بهذا الحجم له تبعات اقتصادية وسياسية كبيرة... فكيف ستبرر الحكومة التركية أمام شعبها، النفقات التي ستدفعها، والتبعات السياسية التي ستواجهها مع بعض القوى الإقليمية إن لم يكن لمثل هذا القرار عائد ملموس على الدولة التركية...

فعلاقات الدول والأنظمة لا تقوم أبداً على العاطفة وإنما على المصالح فقط، ومن هنا علينا أن نصيغ رسائلنا تجاه تركيا والعالم بناء على هذه القاعدة... فرسالتنا للأتراك أن مصلحتهم في استقرار الحدود الجنوبية لن تكون مطلقاً من خلال استمرار النظام الحالي في الحكم... كما أن التطلعات التركية في المنطقة ستتضرر بشكل كبير إذا ما استعاد النظام قوته (وهو مستبعد) وستميل الكفة لصالح النظام الإيراني والذي سيزيد من تغوله وسيطرته على كثير من مفاصل الدولة السورية حال نجاح النظام السوري في قمع الثورة بمساعدة الإيرانيين... وحتى من الناحية الاقتصادية فإن تركيا ستتضرر في حال توسع واستمرار الوضع الحالي في سورية...

ومن هنا نؤكد على أن الثورة التي بدأت بأيد سورية خالصة لن تنتصر إلا بشبابها، فنحن لن ننتظر النصر من أي دولة في العالم، فالعالم القائم على المصالح لن ينتصر لثورتنا إلا إذا شعر أن مصلحته مع هذا النظام قد انتهت، فالحراك الدولي القوي الذي شهدناه مؤخراً ما كنا لنشهده لولا عزيمة الثوار وإصرارهم على تحقيق أهدافهم، رغم ارتفاع كلفة الثورة من الدماء الثمينة التي تراق في شوارع سورية...

فثباتنا على أهدافنا وصمودنا على الأرض وإصرارنا على مطلبنا الأساسي في الثورة المتمثل بإسقاط النظام والذي سيرافقه بكل تأكيد توسع جغرافي وبشري للثورة سيجبر تركيا والغرب على إعادة حساباته والدفع نحو التصعيد، حينها فقط سيفهم العالم مطلبنا وسيفهمنا السيد أردوغان حين نقول: الشعب يريد إسقاط النظام...