كيد إسرائيل هل يرتد عليها

جميل السلحوت

[email protected]

لا يخفى على من يعرف ألف باء السياسة ومتابع للصراع العربي الاسرائيلي أن قادة اسرائيل غير معنيين بالوصول الى سلام عادل ودائم في المنطقة، وهذا لا ينطبق على حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة فقط، بل يتعداها الى الحكومات التي سبقتها، لكن نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان أكثر وضوحا وصدقا ومصداقية من قادة الأحزاب الصهيونية الأخرى، وما حديثهم عن السلام إلا من باب العلاقات العامة ليس أكثر، ففكرهم ومعتقداتهم تقوم على سياسة الاحتلال والتوسع، وهم ليسوا على عجلة من أمرهم في تحقيق ذلك، وإن كانوا على عجلة في تهويد الضفة الغربية وجوهرتها القدس لفرض حقائق على الأرض تمنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة على مساحة تقل عن 22% من مساحة فلسطين التاريخية التي يسمونها ارض اسرائيل، وان كانوا يؤمنون بأن ارض اسرائيل تتجاوز حدود فلسطين التاريخية لتطل على الصحراء العربية، والمقصود الجزيرة العربية.

فحكام اسرائيل يتحدثون بأن حل الصراع لن يتحقق الا من خلال المفاوضات المباشرة، دون تحديد مرجعية لهذه المفاوضات، وهذا هروب من قرارات الشرعية الدولية، فخلال عشرين عاما من المفاوضات منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن لم يقدم الاسرائيليون شيئا يدلل على نيتهم في انهاء الاحتلال، بل بالعكس فقد  قاموا بتكثيف الاستيطان بحيث اصبح عدد المستوطنين وعدد الوحدات الاستيطانية مئات اضعاف ما كان عليه قبل المفاوضات، وكلما استجاب العرب لمطلب اسرائيلي كلما رفعت اسرائيل سقف مطالبها...حتى وصل بها الأمر درجة المطالبة بالاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، مما يعني الموافقة المسبقة على التخلص من الفلسطينيين العرب الذين بقوا في ديارهم بعد اقامة دولة اسرائيل في أيار-مايو-1948...وما كانت اسرائيل ومن ورائها أمريكا تفعل ذلك لولا التخاذل العربي الرسمي.

واسرائيل التي تسابق الزمن في البناء الاستيطاني المكثف لفرض سياسة الأمر الواقع وحقائق ديموغرافية لا يمكن تجاهلها، تعارض لجوء السلطة الفلسطينية لطلب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، ويقف الفيتو الأمريكي خلفها لمنع مجلس الأمن الدولي من الموافقة على ذلك، مع ما يحمل ذلك في طياته من وقوف اسرائيل ضد شرعيتها التي استمدت وجودها منه، وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم-181- الصادر في 29 اكتوبر 1947 والمعروف باسم قرار التقسيم، والذي ينص على اقامة دولتين هما اسرائيل وفلسطين، وقد قبل القادة الصهاينة بذلك في حينه، بينما رفضه العرب لعدم ادراكهم حجم المخطط الدولي الذي كان يستهدفهم، ويعطي ذلك القرار أرضا للدولة الفلسطينية تعادل 250% مما يوافقون عليه الآن.

واسرائيل التي تتذرع بالأمن دائما هي التي تملك أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وتملك أسلحة غير تقليدية ومن ضمنها الأسلحة النووية، ويعتبر بعض المراقبين العسكريين أن  جيشها وأسلحتها تحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد أمريكا وروسيا، وهي تحتل الأراضي العربية منذ حزيران 1967،وتهدد أمن شعوب ودول المنطقة، تقف ضد اعتراف الشرعية الدولية بدولة فلسطين، لأن ذلك يعني الوقوف ضد أطماعها التوسعية، وسيضعها في موقف حرج أمام دول العالم وشعوبها، هي وحليفتها أمريكا التي تؤكد من جديد أنها تكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر باسرائيل، خصوصا وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستعترف بالحق الفلسطيني، فلماذا تعارض اسرائيل ذلك؟...وللجواب علينا العودة الى مطلب اسرائيل بالاعتراف بها كدولة يهودية، مما يعني أمورا كثيرة أهمها التخلص من مواطنيها العرب، والاعتراف بالدولة الفلسطينية سيحمل في طياته عدم شرعية الاستيطان الاسرائيلي في أراضي هذه الدولة، وهذا يتناقض مع المشروع الصهيوني طويل الأمد، والذي اذا ما تحقق، وفرض واقعا ديموغرافيا جديدا في الضفة الغربية وجوهرتها القدس، سيتبعه سياسة الطرد الجماعي-الترانسفير- لفلسطينيي هذه المناطق.

وواضح أن أمريكا واسرائيل لا تريان العرب، ولا تحسبان لهم حسابا، ووتصرفان كأنهم –شعوب ودول- غير موجودين، وواضح ايضا أنهما لم تستوعبا بعد التغيرات الجارية في العالم العربي، وما ستتمخض عنه ثورات الشعوب العربية من نتائج لن ترضي اسرائيل وأمريكا، لكنها ستغير موازين القوى في المنطقة.