أين الحقيقة بانقلاب قطار حمص

أتخريب متعمد أم إهمال مريب؟

الطاهر إبراهيم *

ليس موقفا عدائيا أن نشك بما يقوله النظام السوري، بل لأننا تعودنا أن أي بلاغ يصدر عن السلطات السورية، خصوصا منذ انطلاق ثورة 15آذار، أن علينا أن نتعامل بكثير من الشك والريبة والتدقيق والتمحيص مع أي خبر تبثه وكالة سانا السورية، لأن هذه الأخبار الأصل فيها أنها صيغت لتخدم مواقف أجهزة الأمن السورية. ومن هذا القبيل ما نشر حول انقلاب قطار في منطقة "السودة" قرب مدينة حمص عندما أعلنت السلطات السورية أن قطارا كان متوجها من حلب إلى دمشق فجر يوم 23 تموز الجاري، خرج عن السكة الحديدية بفعل عمل تخريبي، وانقلب في منطقة "السودة" قرب حمص، وكان يحمل أكثر من 400 راكب. وأسفر الحادث عن تحطم أجزاء من القطار وعن مقتل سائق القطار فقط.

استطرادا فإن أحياء المدن السورية التي ينتفض فيها الثوار، تداعى فيها المواطنون لتشكيل اتحادات تضامنية فيما بين الأحياء للمسارعة لدعم الشباب الثائر. وفور إعلان السلطات عن حادثة انقلاب القطار، تداعى اتحاد أحياء مدينة حمص وشكلوا لجنة منهم لمعرفة حقائق انقلاب القطار قرب السودة، وخرجت اللجنة ببيان عما وصلت إليه. اسمحوا لي أن أنقل لكم صورة كاملة عما خلص إليه أعضاء اللجنة من خلال البيان الذي أصدروه:

(صورة عن بيان خاص بخصوص حادثة تحطم القطار صادر عن اتحاد أحياء حمص اليوم الإثنين 25/7/2011).
 "إتحاد أحياء مدينة حمص":
بيان رقم ( 6 ) الإثنين 25/7/2011 الساعة الثانية عشر ظهرا بتوقيت دمشق، حول حادثة القطار في منطقة "السودة" في حمص وموقفنا منها:
((بعد الإعلان عن حادثة القطار سارعنا في إتحاد إحياء مدينة حمص إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقيقة ومتابعة الموضوع
وقامت اللجنة بمعاينة الموقع بصحبة بعض الفنيين ومهندس مختص، واجتمعت مع الأهالي الذين تطل أراضيهم على سكة القطار في  منطقة الحادث وفي مناطق أخرى كثيرة، وسألت اللجنة بعض الموظفين في السكك الحديدية الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم.
وإليكم بعض الحقائق حول هذا الموضوع :
أولا : أكد الفنيون أن الحادث كان متوقعا منذ فترة لا بأس بها وقد حذر بعض العاملين الشرفاء من وقوع هكذا أمر ولم يجدوا آذانا صاغية وذلك لأن القطارات ومنذ بدء الإحتجاجات في سوريا عملت بشكل مكثف على نقل المدرعات والدبابات الثقيلة إلى مناطق الإحتجاجات  بحمولات لا تتناسب مع القطارات ولا مع السكة التي كغيرها مهملة وبحاجة إلى صيانة أصلا.
ولاحظ الأهالي أن القطارات –بعد انطلاق الثورة المباركة- تمر في غير أوقاتها المعتادة وبشكل مكثف حاملة للدبابات والجنود.
ثانيا : أكد المهندس المختص أن السكة الحديدية في منطقة الحادث لم تفكك , بل تعرضت للتلف وإن لم تسارع الشركة العامة للسكك الحديدية لصيانة السكة فيمكن أن تقع حوادث مماثلة كثيرة لا سمح الله
ثالثا : أعلنت الشركة العامة للخطوط الحديدية منذ أكثر من شهرين عبر القناة السورية الرسمية وقناة "شام إف إم" عن توقف رحلاتها وقامت بإعادة ثمن التذاكر للمواطنين بحجة أن السكة الحديد بحاجة إلى صيانة بينما في الواقع وبحسب شهادات سكان القرى المجاورة للسكك أن حركة القطارات لم تتوقف على مدار الساعة لنقل الجنود والمدرعات لمناطق قمع الاحتجاجات
رابعا : الرواية الرسمية التي سمعناها عبر القنوات السورية غير واقعية ولا تحتوي على حدث منطقي:
حيث أن حادثة يتعرض لها قطار يحمل أكثر من أربع مئة راكب وتؤدي إلى تحطمه وخروجه عن السكة بشكل كامل يتوقع أن يكون عدد الخسائر في الأرواح أكبر بحسب اطلاعنا على نتائج حوادث مماثلة حصلت في بلدان العالم مما يدل على إخفاء الحقائق من قبل الرواية الرسمية. وإن تصريح السيد محافظ حمص بخصوص الأداة التي استخدمها المخربون لتفكيك السكة " مفتاح انكليزي " لا يقبله عقل ولا علم:
لأنه من المستحيل فنيا تحريك أي جزء من السكة من دون آليات خاصة لهذا الموضوع
وإنه من العجيب أن أمثال هذا الحادث قد تكرر في بلدنا وقامت وسائل الإعلام السوري بالتكتم على الخبر. ولكنها في ظل الثورة أرادت أن تسلط الأضواء عليه لتشويه مسار الثورة السلمي)).

وقد خلص "إتحاد أحياء مدينة حمص" إلى نتيجة مفادها أن سبب انقلاب القطار هو إهمال يصل إلى مرتبة الخيانة: "ولا نستبعد أن يكون تدخلا من قبل عناصر الأمن بحسب روايات عن شهود عيان، لخلق مسوغ للنظام لما يجري الآن في حمص من محاصرة الأحياء".

التقرير الذي أوردناه أعلاه نقلا عن اتحاد أحياء مدينة حمص حول حادثة انقلاب القطار، لا يحتاج منا إلى كثير تعليق، فقد جاء واضحا، وقد وضع النقاط على الحروف. لكن لا بد من تعقيبات تلقي أضواء على بعض ما يحصل في سورية الآن.

ثورة 15 آذار في سورية ولدت ناضجة بفعل تكاتف أهالي المناطق الثائرة فيما بينهم. فهم يقدمون كل عون للشباب الثائر، ابتداء من التشجيع، والدعم المالي، والإسعافات الطبية، حتى على مستوى العمليات الجراحية، وإيواء الملاحقين من الشباب. ولعل ما قام به إتحاد أحياء مدينة حمص، يشكل قمة المساهمة في الثورة بكشف زيف ادعاءات النظام.

ولا حاجة بنا إلى تعداد ما يقوم به شباب اتحادات اللجان التنسيقية، وملاحقة وتفنيد ما يصدر عن النظام السوري من أضاليل وادعاءات تنبو عن الحقيقة، فقد لمس ذلك المواطن العربي الذي يتابع عبر الفضائيات أحداث الثورة السورية يوما بيوم وساعة بساعة.

مزاعم النظام حول انقلاب قطار حمص، لم يكن أول زعم يختلقه النظام ولن يكون الأخير عن حقيقة ما يحصل من أحداث مشبوهة، ابتداء باتهام السلفيين والمندسين في قتل عناصر من الجيش والشرطة، وقد عرف القاصي والداني أن هؤلاء قتلوا على أيدي ضباط الفرقة الرابعة التي يقودها "ماهر أسد" لأنهم رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين.

فجر هذا اليوم الجمعة 29 تموز أعلن النظام عن تفجير أنابيب نقل النفط قرب مدينة حمص، وبطبيعة الحال سيتهم النظام تخريبيين يعملون ضد سورية بهذا التفجير. وسننتظر ما سيقوله اتحاد أحياء حمص وغيرها من اتحادات الأحياء في المدن السورية عن حقيقة تفجير أنابيب النفط، لأنه لا يمكن الركون إلى ما يقوله النظام السوري.

ونخلص إلى نتيجة هامة وهي أن الشعب السوري -خصوصا تنسيقيات الثوار- تأكد لديه أن الإصلاحات التي تعلن تباعا، إنما يريد النظام أن يبيعها إلى المجتمع الدولي، وخصوصا واشنطن، وأن النظام غير معني بأي إصلاح، لأن هذه الإصلاحات، على ضآلتها، فيما لو نفذت بأمانة، فستعجّل في نهاية نظام.

المعركة محتدمة بين شباب مصرين على إسقاط النظام، ليس لديهم ما يخسرونه، فقد نهب النظام كل شيء فلم يترك لهم يخسرونه، وبين نظام متمسك في البقاء في السلطة إذا خسرها فقد خسر كل شيء. لذا فهو قلق يقوم من حفرة ليسقط في حفرة أخرى أوسع وأعمق. وشتان بين من يعمل وهو لا يخاف أن يخسر، وبين من إذا خسر فقد خسر كل شيء!.

                

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.