بيان الكتلة الوطنية عن فتوى البوطي

بيان الكتلة الوطنية يؤكد أن فتوى البوطي

في استباحة أموال ودماء السوريين

للرئيس بشار الأسد مخالفة لخطبة حجة الوداع

محمود حسين صارم

أيها السوريون:

وصلني الحديث التلفزيوني المسجل للشيخ الإمام محمد سعيد رمضان البوطي حول حكم الشريعة الإسلامية في الخروج على ولي الأمر.. فالرجاء الاستماع بصوت وصورة الإمام البوطي عبر هذا الرابط أدناه للمقارنة مع ما سأقدمه من خطبة حجة الوداع للرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وآراء أخرى.

أيها السوريون:

إن الإمام البوطي في حديثه الذي سمعتموه للتو، أباح أموال السوريين ودماءهم لولي الأمر الرئيس بشار الأسد وفق الشريعة الإسلامية.

وأنا هتا لن أتحدث عن الكفر الصراح في سجود شبيبة حزب البعث وكشافة الحزب السوري القومي من الطائفة العلوية للرئيس بشار الأسد وأبيه من قبله وتأليههما، إلا أن أتعوذ بالله مما يقولون ويفعلون، ومما يسمونه صوفية كما علل المذيع في التلفزيون السوري الأستاذ علاء الدين الأيوبي وسمعته في تسجيل آخر في حينه.

وأما ما قاله الرئيس بشار الأسد للإمام البوطي حول تأليهه من فتية ضالة، وقوله: (أنا أقل بكثير مما يقولون وأكبر مما في نفوسهم).. فهذه المقولة ليست للرئيس بشار الأسد، بل هي من كلام منسوب للإمام علي بن أبي طالب في مناسبة كهذه، ادعى فيها عبد الله بن سبأ بإلوهية الإمام علي.

أيها السوريون

إن الذي يهم هنا، هو أن الشيخ الإمام محمد سعيد رمضان البوطي، قد أباح للرئيس بشار حافظ الأسد: أموالكم ودماءكم باسم الشريعة الإسلامية.

وأنا كمسلم علماني يحق لي أن أقول للإمام البوطي: إن فتواكم جاءت مخالفة لما أوصى به نبينا الأعظم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، حين قال: [(أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)]

 والإمام البوطي حتى يستبيح أموال ودماء شباب ثورة الحرية والكرامة فقد افترض، رغم سلمية ثورتهم، أنهم "مسلحون"؛ وحتى لو سلمنا بفرضيته هذه، فإنه يكون قد خالف الإمام علي في شرعنته لحروبه الثلاث التي خاضها مع أهل القِبلة (الجمل وصفين والنهروان)، محرما على أتباعه أخذ الغنائم أو ملاحقة المهزومين أو اعتبارهم كفارا أو مرتدين ومعتبرا القتلى من الطائفتين المسلمتين المؤمنتين المتحاربتين شهداء.

ولأن شباب الثورة مسالمون حقا، ويطالبون بالحرية والكرامة للشعب السوري المستعبد؛ فإن الإمام البوطي يكون، أيضا، قد خالف الفاروق عمر في قوله: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

ومن ناحية ثالثة يكون الإمام البوطي قد وضع ولي أمر السوريين الرئيس  بشار الأسد في موضع خليفة المسلمين يزيد بن معاوية، ووضع نفسه في صف مسلم بن عقبة المري الذي أرسله خليفة المسلمين يزيد على رأس جيش لقتال الخارجين عن طاعته من أهل مدينة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم؛ فكانت معركة الحرة عام 63هـ، وكان مقتل الكثيرين من أهل المدينة وأشرافها وقرائها وكانت استباحتها لجيش خليفة المسلمين يزيد ثلاثة أيام، كما يروى ابن كثير في كتابه البداية والنهاية.

ولكن هل الشريعة الإسلامية هي كما شرعن الإمام البوطي؟.

نعم: إن الشريعة الإسلامية هي كما شرعن الإمام البوطي، وهي مخالفة لكل القيم الإنسانية الإسلامية السامية في الحق والعدل والخير والجمال وفي الحرية والكرامة والمساواة.

والشريعة الإسلامية، هذه، ولدت في العصور الوسطى بمفاهيم تلك العصور من تزاوج مصالح خلفاء المسلمين مع مصالح رجال الدين.

والشريعة هي اجتهادات وتفسيرات السادة أئمة وفقهاء المذاهب الإسلامية للنص القرآني الكريم ولسيرة الرسول الأعظم صلوات الله عليه، ولأنها من إنتاج البشر؛ فلا مقدس عندي إلا النص القرآني الكريم وما يُثبته العقل والمنطق من الحديث الشريف.

فهذه الفتوى للشيخ البوطي ستجعلنا جميعا نحن الأكثرية من السوريين العلمانيين الذين نحترم الأديان السماوية وكتبها ورسلها وعقائد أديانها وطوائفها وثقافاتها، نرفض رفضا قاطعا وصاية أي دين أو طائفة أو شريعة أو حزب على الدولة والمجتمع.

ومن ثم متى كان السياسي (خليفة المسلمين) في تاريخنا العربي الإسلامي يخضع لرأي إمام أو شيخ دين أو فقيه حتى ولو كان من السادة أئمة المذاهب الإسلامية الذين عزلوا أنفسهم عن سلطة خليفة المسلمين، وبقى رجل الدين الآخر يفتي لخليفة المسلمين ما تمليه عليه مصالح السلطان في كل عصور تاريخنا العربي الإسلامي؛ فحتى في العصر المملوكي كان شيخ الأزهر الشريف تابعا للسلطان المملوكي، وكان شيخ الإسلام في إمبراطورية بني عثمان تابعا للسلطان ولخليفة المسلمين العثماني لاحقا، كما هو الحال في أيامنا هذه.

يُروى أن الإمام أبا حنيفة النعمان كان قد عزل نفسه عن خليفة المسلمين وغادر بغداد ليعيش في مدينة البصرة، وفي أيامه كان خروج محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، من ذرية الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب، على ولي أمر المسلمين الخليفة أبو جعفر المنصور، فكان مقتل محمد النفس الزكية في المدينة المنورة ومقتل إبراهيم في البصرة.

ويروى أن دار الإمام أبي حنيفة النعمان كانت قريبة من دار سيدة من أهل البصرة قتل ولداها مع محمد النفس الزكية، فخرجت من دارها تندب ولديها حتى دخلت دار الإمام وحوله جمهرة من تلامذته ومريديه وكبار شيوخ البصرة، فقال لها: ما لك يا أختاه، فقالت: ولداي قتلا مع محمد النفس الزكية، فقال ليخفف من لوعتها: ليتني أحدهما.

ويبدو أن المنصور كان قد زرع عيونا (مخابراتٍ) بين مريدي الإمام، فوصل الخبر بغداد وجيء بالإمام، وأدخل على الخليفة وكان مطرقا رأسه، فسلم الإمام ولكن الخليفة لم يرد التحية، فكرر الإمام وقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، ها أنا بين يديكم، فرفع الخليفة رأسه، وقال: أتدري يا أبا حنيفة لماذا أتنينا بك، فقال لا والله يا أمير المؤمنين، فقال لقد اخترناك لتكون قاضي قضاة المسلمين، فأجابه الإمام: أوبعد هذه السن يا أمير المؤمنين، والله لا أقدر على القيام بهذا الأمر الجلل، فقال كذاب، فقال الإمام: كذاب وتريدني يا أمير المؤمنين قاضي قضاة المسلمين، فقال المنصور خذوه، فأخذوه، وبعد تسعة أيام توفاه الله في سجن طاغية جبار من طغاة وجبابرة خلفاء المسلمين وولاة أمرهم، وله من العمر سبعون سنة.

أيها السوريون:

لقد أتيتُ بهذا الرد على الإمام البوطي، لأقول لشباب ثورة الحرية والكرامة ولأصدقائي في حزب الإخوان المسلمون: إن الوقت قد حان ليعلنوا أن المواطنة تعلو فوق أي انتماء آخر في مجتمع الحق والعدل والحرية والمساواة الذي نطمح لإقامته في الدولة السورية الجديدة، وأن التعبير عن هذه القيم الإسلامية النبيلة سيكون دستورا علمانيا يرفض كل أنواع الوصاية على الدولة والمجتمع وكل أنواع التمييز بين بني البشر.

الأرجنتين في 29 تموز 2011

  ممثل الكتلة الوطنية

الدكتور محمود حسين صارم