لماذا الإصرار على إسقاط النظام في دمشق
لماذا الإصرار على إسقاط النظام في دمشق
سليمان أبو الخير
مع ان رحلتي بأيامها المريرة العصيبة إلى سوريا متمثلة في تدمر بسجنها الرهيب قد انقضت على النحو الذي ذكرنا، من غير رتوش أو نقوش، فقد كنت اعتقد أنها نزوة نظام طائفي فاشي موغل في الجريمة والإجرام، ستنتهي برحيل الطاغية، راس النظام الذي عاث في الأرض فسادا دون حدود أو قيود:
- سطا على الحق العام فجيره لحسابه.
- سطا على حق الأمة في الخيار، و حق الانتخاب، فقيده فيما سماه استفتاءا لصالح الفرد الذي لا يتعداه الى غيره.
- سطا على أصوات المستفتين، فجيرها له بالمطلق حتى كادت أو أوشكت أن تدنو الى حد النسبة الكاملة الوافية 99,99 %
- سطا على دماء الناس فعذب و قتل و شرد، دون أي وازع من ضمير ماتت ينابيعه، فدمر مدنا على ساكنيها، و بيض سجونا في مجازر من قاطنيها.
- سطا على بنى البلاد التحتية، فانتظم العباد الفقر، و انهار الاقتصاد....
- سطا على رصيد الدولة من الذهب، فانهارت قيمة الليرة الشرائية.....
- سطا على تراب البلاد و مدنها و قراها، فسلم في صفقة خيانة لم يشهد لها التاريخ مثيلا هضبة الجولان عام 1967 للعدو من غير قتال آو نزال، ثم سلم في جولة لاحقة عام 1973عشرات من القرى أيضا لإسرائيل، كما لو أنها الإتاوة يدفعها بين الفينة و الفينة مقابل الاستمرار في إعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق.
إما لبنان، فحدث و لا حرج:
- سطا على ينابيع البهجة هناك، فدفن كل ما أورق من أغصانها، آو أينع من براعمها.
- سطا على مخيم تل الزعتر الفلسطيني، فدكه على رؤوس ساكنيه، و حاصرهم مانعا عنهم الطعام و الدواء و الماء، حتى أكل الناس الجيف وما عادوا قادرين على دفن موتاهم.
- سطا على طائفة الدروز فسلبهم معاني الحياة، وقتل من قتل منهم متوجا ذلك في كمين نصبه غيلة لزعيمهم كمال جنبلاط، ثم ما لبث أن شارك بعهره المفضوح في تشييع الضحية الى مثواه الأخير.
- سطا على النصارى فدبر اغتيال زعمائهم، الواحد تلو الأخر، باسم شعارات الوطنية و الصمود الكاذبة المكشوفة.
- ترك حلفائه الفاطميين الجدد من أبناء حركة اللا أمل العنصرية الفاشية يحاصرون المخيمات الفلسطينية، حتى اضطر البؤساء الى أكل القطط و الجيف مرة ثانية، للحال الشديد التي ترك أبناء الخنا والمتعة الناس عليها، - قالت وكالة رويتر في تقرير لها من النبطية في 1- 7- 1982م أن القوات الصهيونية، التي احتلت البلدة سمحت لمنظمة (أمل) بأن تحتفظ بالمليشيات الخاصة التابعة لها، وبحمل جميع ما لديها من أسلحة. وصرح أحد قادة مليشيا منظمة (أمل) ويدعى حسن مصطفى (أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين).
اسمعوا أيها المنخدعون
- ذكرت صحيفة (ريبو بليكا) الإِيطالية أن فلسطينياً من المعاقين لم يكن يستطيع السير منذ سنوات رفع يديه مستغيثاً في شاتلا أمام عناصر (أمل) طالباً الرحمة، وكان الرد عليه قتله بالمسدسات مثل الكلاب .. وقالت الصحيفة إنها الفظاعة بعينها.
الوطن، عدد 3688، 27 مايو 1985م
اليهود أفضل منهم
تصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل: (اليهود أفضل منهم).
وفتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها تنتحب وتصيح مشيرة إلى جثة منتفخة ملفوفة في بطانية خشنة تلطخها الدماء: هذا أخي .. وتشير إلى جثة أخرى: وذلك أخي الثاني .. ثم تشير إلى واحد من مسلحي أمل وتقول: هم فعلوها!! .. أصغر الضحايا .. طفل لم يمهله الموت سوى بضعة شهور .. جثته الصغيرة الطاهرة تكاد لا ترى من القماش الأبيض المتسخ الذي لفت فيه .. هكذا يقول الصليب الأحمر.
(لا إله إلا الله والعرب أعداء الله) شعار ردده متظاهرون من حركة أمل في 2 يونيو 1985م احتفالاً بيوم (النصر) بعد سقوط مخيم صبرا وموت الكثيرين داخله من الجوع.
الوطن الكويتية، العدد تاريخ 3 يونيو 1985م
- ساعد على التعجيل في جلاء الفلسطينيين بعد صمودهم الأسطوري أمام آلة البغي الصهيونية، فقد ساعد على جلائهم عن أخر مواقعهم في لبنان، و وقف بقوات ردعه يرقب الرحيل الحزين، في الوقت الذي كانت فيه القوات الاسرئيلة تجتاح لبنان حتى النخاع. وفي 20 يوليو 1982م قال حافظ الأسد في كلمة له من دمشق: (إن القوات السورية دخلت إلى لبنان لأداء مهمة محددة هي إنهاء الحرب الأهلية التي فرقته خلال عام 1975م و 1976م ولم تذهب لتحارب إسرائيل من هناك).
هذا ما قاله أسد عبر أجهزة الإعلام، أما ما قاله صراحة لمبعوث عرفات: (أريد أن تهلكوا جميعاً لأنكم أوباش).
ثم لحق بالبقية الباقية من الفلسطينيين في طرابلس، فمحي ما بقي لهم هناك من أسباب القوة والصمود و المقاومة، وتعرضت طرابلس للقصف الشديد الذي شاركت فيه القوات السورية ، وخاض الغزاة معارك شـرسـة مع المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين داخل طرابلس ، وتعرضت المباني والمؤسسات للهدم ، وبعد حصار دام سـتة أسابيع وافق عرفات ومن معـه على مغادرة طرابلس وعددهم أربعة آلاف مقاتل في (20/11/1983) ، على متن سفن يونانية إلى تونـس ... عندها قال الزعيم الفلسطيني عرفات عن الأسد:
" لقد خضنا حربا مع شارون الصهاينة، غير أن شارون العرب في سوريا كان الأقسى علينا، بل الانكى و الأشد غدرا و لؤما!!! "
- جرد أبناء البلاد من مصادر قوتهم، بنزع أسلحتهم، و أبقاها في يد طائفة موالية، تعمل على إلحاق البلاد و العباد بدولة الملالي في إيران.
- وقف كشاهد الزور يرقب مجزرتي مخيم صبرا و شاتلا للفلسطينيين، على يد عصابات الغدر و الخيانة من الكتائب بمساعدة العنصرية الصهيونية.
- ابدي جرأة فائقة في سحق الخصوم، في دول الجوار القريبة و البعيدة، فلاحقهم في لبنان و الأردن و تخطى الحدود و السدود، حتى طال صلاح البيطار في فرنسا، و السيدة بنان الطنطاوي في ألمانيا، و القائمة لا حصر لها من طولها.....
- بقي هذا النظام ألاثني العنصري و لا يزال يحتفظ لنفسه بالرد على كل الاعتداءات التي مارستها إسرائيل من خلاله على الأمة في المكان و الزمان المناسبين، و الذين لم ولن يأتيا، و لا اعتقد جازما بأنهما سيأتيان يوما من الايام.
كل ذلك و أكثر من الإجرام كان للأب الجاني الفاني، في نزوة من الجنون السادي امتدت لعقود قاتمة مظلمة، غير أن الوريث الابن فاق أباه، و ليته ساواه جرما لعذرناه، و لزعمنا انه من شابه أباه ما ظلم، غير أن الطاغية الابن تجاوز الطاغية الأب ظلما و عدوانا، فإذا كانت مجازر الأب دكت مدنا و تخطت أخرى، فان ظلم صاحب العصمة الابن قد ساوى بين كل الرؤوس اعتقالا و دكا و محقا.
رفع كوالده شعارات جوفاء على يافطات كبيرة، كما لو أنها نقشت على طبل أجوف... منها على سبيل المثال لا الحصر...الممانعة، المقاومة، الصمود، التحرير...وباسم هذه المعاني و لا معاني، قتل و اعتقال، تشريد و منافي، خوف و رعب و إرهاب، فساد وسلب و نهب، و زيادة في رهن البلاد و العباد للغريب و الدخيل، ثم فوق هذا و ذاك يقف الرويبضة الطائفي التافه يملا شاشات الدنيا و فضائياتها ضحكا و سخرية، بقدر المهزلة التي تمنت لهذا العبقري الذي عجزت النساء أن تلد مثله، تمنت له أن يحكم العالم اجمع بأركانه الأربع!!
فما أشبه اليوم بالبارحة، تتخم المعتقلات بالنزلاء، و كان لا بد من متنفس، و ما كان ذلك ليعجز صاحب الطلعة البهية، فتصدر الأوامر كي تتكرر مأساة تدمر و جسر الشغور و حماة و حمص و مدن كثيرة أخرى نفذها الآباء، غير أنها في هذه المرة على أيدي الأبناء، بشار و ماهر، فتكون المذبحة في سجن صادنايا كي تجتاح بعد ذلك كل المدن التي انتفضت على الطاغية الجلاد كالمنطلق بعد منع تنادى بصوت واحد:
- الله سوريه حرية وبس!!
أن هؤلاء الاباش الذين لم يعرفوا على محار الشمس متسعا لأحد سواهم، جالوا ببغيهم يمينا وشمالا، و بلغ بغيهم المجبول بالقهر و امتهان النفوس مداه في مجازر وحشية طالت شرائح المجتمع السوري دون استثناء احد، طالت في درعا، و جسر الشغور وحمص وحماة و تلبيسة و الدير و تلكلخ ... طالت حتى الحيوانات والشجر، حاربوا الناس في أرواحهم وأرزاقهم، و لم يكن بمقدورهم أن يعثروا لصبية صغار لم تتجاوز أعمارهم عمر الورود، على عذر يحفظ عليهم براءة الطفولة التي كتبوا بها بعفوية و بالطباشير على الجدار:
الشعب يريد إسقاط النظام!!
امتدت الأيدي ألاثمة فلاحقت الصغار قتلا وتشريدا وتنكيلا، حفلات طالتهم، هي فوق الوصف، و دون كل خيال، اعتقل حمزة الخطيب الذي لم يتعدى الثانية عشر من عمره، ليرده بعد أيام مسخا من البشر قد دق عنقه، بعد أن بتر عضوه التناسلي قبل أن يقتله.
إن عصابة الإجرام من اللصوص القتلة و قطاع الطرق الفجرة الوالغون في مراتب الفساد حتى تخطو الذروة، هؤلاء المتربعون في دمشق على صدور الناس غصبا، حتى أوشكوا أن يسدوا عليهم مجاري النفس، إن هذه العصابة سليلة كل رذيلة عافتها النفوس السوية من بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، ألا من ساواها في كل ذلك، إن هذه العصابة قد جاوزت كل الخطوط الإجرامية، بكل ألوان الطيف، الباهت منها والقاني المعتم منها و الفاقع.
هكذا بلغ السيل الزبى، وفاض ألكاس عما حوى، و بانت سوءة النظام، وانكشفت خسته، متجاوزا قتل ألأطفال والتمثيل بهم، إلى الاعتداء على حرائر الأمة، من أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، أوصل المرجل إلى درجة فاقت درجة الغليان... و ما عاد يجدي ألمزيد من الانتظار، فصاحت كل الحناجر في يوم تلى، "الموت ولا المذلة"، عبارة أطبقت أصدائها كل الأفاق، رددتها كل المدن السورية بأريافها و أطيانها، و تجاوبت معها و لها كل أودية الشام و سهولها و هضابها، عبارة كادت أن تنطق بها حتى الحجارة!!
هكذا راحت الجموع تمسك بتلابيب النظام، و راحت الأرض تميد من تحت اقدام العصابة الباغية، بعد أن اعتقدت و لزمن طويل أنها ممسكة بكل أسباب الحياة، راحت الجموع تثار لكل شئ جميل مقدس داسته اقدام السلطة ألاثمة النجسة، راحت تثار لنفسها من ذل ردها إلى ذيل القائمة بين الأمم، طريق سلكته هذه الجموع تجبله بالدماء الزكية في جمعة تتلو جمعة كي تزيح عن درب أجيال من الأبناء القادمة ذل و رعب و عار و شنار ظل يكبلها لعقود، على أمل أن يبزغ فجر جديد متلألئ بالأنوار، تختفي به و معه كل القوى الأمنية بمعتقلاتها و شبيحتها و مندسيها و معهم كل السلفية المزعومة!!!!!