جولة في باب السباع

أنا أسعد إنسان في العالم لأنني في باب سباع بعد جولة طويلة في مدينة حمص التي عمتها إضرابات شاملة في كافة الأحياء والأسواق وقطعت شوارعها الحواجز الأمنية والمدرعات قررت الدخول والتسلل إلى أرض الجبابرة وعرين الأسود في حي باب سباع , وأنا في طريقي للحي أصابني شعور أنني سأتجول في مدينة أشباح وأن أي رجل سألقاه في الحي سيكون ذا وجه كئيب ونفس محطمة فما سمعناه من رشاشات ثقيلة وقذائف نارية كافية لتحرير فلسطين بأكملها لا الجولان فقط , هذا إن كان السلاح بيد أشراف ..........

لكن كانت المفاجأة مع دخولي للحي حيث كان هنالك مجموعة من الشباب والرجال مجتمعين حول رقعة شطرنج يلعبون تحت ظل شرفة مكتوب على الحائط الجانبي لهم

- الشعب يريد إسقاط النظام – وعند مروري جانبهم سلّمت عليهم بتردد فردوا السلام بابتسامة أصابتني برعشة في جسدي .... يا الله ما هذه النفوس , ثم توجهت للشارع الرئيسي للحي وكان الشارع يعم بالحياة والابتسامة فالرجال في كل زاوية وتحت كل ظل وكانت المتاجر مغلقة باستثناء محلات بيع الطعام والخضار التي فتحت أبوابها المحطمة ليتزود السكان من الطعام الذي كان نادرا في الأيام السابقة .

��عرت في البداية أن هذا الحي يعيش حياة طبيعية ولم يصيبه أي مصاب على الإطلاق لكن هذا الشعور تبدد تماما حينما تجولت بنظري على جدران المنازل وزجاج النوافذ والسيارات , فأرضية الشارع كانت شاهدة على آثار جنازير المدرعات التي مرت وعاثت فسادا في الحي , وعلى الجدران ثقوب تركتها الرشاشات الثقيلة وفي بعض الجدران فتحات دائرية قطرها متر أو أكثر أحدثتها القذائف هذا بالإضافة لبعض البيوت المتفحمة , لكن وسط هذا المشهد الكئيب لا تزال عبارات الحرية تزين الشارع وتترك رسالة للطواغيت مفادها ( مهما فعلتم لن تنكسر عزيمتنافنحن أبناء خالد ) تابعت مسيري وعند وصولي لإحدى زوايا الحي حذرني بعض الشباب من الحي بعدم الاقتراب أكثر بسبب وجود قناصين للأمن موجودين على قلعة حمص وأنهم يقومون باستهداف كل من يمشي فوقفت قليلا لأسأل هؤلاء الأخوة عن الظروف التي عاشوها فقال أحدهم والابتسامة تنير وجهه والثقة تملأ فؤاده أنهم عاشوا تحت قصف شديد وهجوم عنيف استهدف الشجر والحجر وهذا سيارتي تحطمت بالكامل , فقلت له هداك الله لماذا لم تترك سيارتك في مكان آمن بعيد عن القصف كما فعل الكثير من الناس فأجابني أن المكان الآمن هذا ممتلئ بالسيارات غالية الثمن وسيارتي بيك أب لا يتجاوز سعرها 200 ألف كما أنها قد تفيد في نقل الجرحى ومادمت الخسارة بالمال فهي تهون على خسارة الأرواح والحمد لله على كل حال .

تابعت سيري في الحي في الأماكن الآمنة التي نصحني أهل الحي بسلوكها ومما شاهدته حبالا مربوطة بصناديق خشبية لإيصال الإمدادات من شارع لآخر كما شاهدت على أحد الأرصفة العشرات من القوارير الممتلئة بالمياه العذبة لتوزيعها على المارة والمحتاجين ....

كنت أسمع عن قصص الثبات في كتب التاريخ وأتابع ملاحم الصمود في مدن محاصرة مثل غزة , لكن ما شاهدته بعيني جعلني أشعر أنني خرجت من عالم الحقيقة إلى عالم الخيال , وفجأة وقعت عيني على جامع المريجة فشعرت بنشوة عمت جسدي فهنا مرت قوافل الشهداء وهنا صدحت الحناجر بالحرية وهنا موطن الرجال ....هذا ما جعلني أبتسم وأرفع رأسي للسماء فأنا أسعد إنسان في العالم ...........لأنني في باب سباع .