الوحدة يا شباب الثورة
جلال / عقاب يحيى
الوحدة .. الوحدة يا شباب الثورة .. حين يعمّ الطوف تكثر الروافد التي تشكّل سيله.. يصبح أكثر قدرة على حمل الأثقال، وأكثر قابلية لإحداث الفوضى، وحتى الخراب..
سيلكم الملهم أيها الشباب الثائر التفّ حول الهدف المشترك : الحرية، ومنها إلى النظام التعددي..
الحرية هي الاختلاف على أرضية الوطن، وضمن أطر الدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات، ويقرّ التحزّب، وحرية الرأي، والاعتقاد، والعمل، والتنافس..
والتعددية إقرار بأمر واقع المجتمع وما فيه من أطياف سياسية، واتجاهات فكرية، ومكونات دينية وقومية ومذهبية وعشائرية وغيرها ..
الحرية والتعددية ليستا التكوّر في القلاع الخاصة لكل جهة، ولا هي الاحتكار بقالب العصبوية، والأنا الشخصية والمصلحية.. حين تصبح المصالح العليا للوطن هي الهدف الذي يسعى الجميع لخدمته، وحين تتناغم الاختلافات ليس للتصارع والاحتراب، وإنما للتطوير وإقرار الأفضل، وحين يقرر الشعب في انتخابات نزيهة، وعبر صناديق الاقتراع، وعبر المشاركة والانخراط في هذا المكوّن أو غيره ما يراه الأفضل، والأكثر تعبيراً وتمثيلاً ..
*********
هذه جميعها حوامل القادم، قواعد النظام البديل الذي نسعى الوصول إليه جميعنا، وأنتم شباب الثورة في المقدمة، عبر الثورة وتطوراتها، وما تنجزه على طريق تفكيك نظام الاستبداد والأحادية والإجرام.. حتى تهاويه تحت ضرباتكم الواعية، الناضجة، الملتفّة مع الشعب، القادرة على استيعاب جميع المفردات في المجتمع من قوى سياسية، واتجاهات فكرية، وتباينات متعددة ..
ـ اليوم وعيون الملايين ترنو إلى فعلكم في الميادين، لأنكم الأمل ..
ـ اليوم والثورة تعبر مخاضاً صعباً لعله الأقسى، لأنه حدّ التحوّل ..
ـ اليوم وقد صارت الثورة حقيقة تفرض نفسها على الجميع : المشاركون، والمؤيدون، والمتنافسون، والمترددون، والمعارضون، والنظام .. فإن وحدتكم هي حجر الرحى، هي الضمان والقابلة الطبيعية لولادة الأمل ـ القادم ـ البديل ..
ـ الوحدة ليست خطاباً وبوس لحى، ولا أمنيات عاطفية و لزقاً وحشراً ومجاملات .. الوحدة هي الوعي بالمشترك والالتفاف حوله، هي حرية الاختلاف وتنظيمه وتنهيجه ليكون غنى وإبداعاً وإضافات وتنوعاً خلاقاً ..
ـ الوحدة هي فهم الحرية وما تعنيه، وهي هنا : الإقرار بالتباين، وحق الآخر بالرأي والتعبير عنه، والمنافسة الموضوعية لتطوير الأداء والمفاهيم واللغة والتكتيك والمهام.. وليست بالتأكيد : الفرض، والاحتكار، والتزعّم، والذاتية ..
****
في سيل الثورة، وطوفها المفاجئ، المتعاظم.. كان طبيعياً أن تتسم الحركة بالعفوية، وأن تنشأ الأطر بدفع الحاجة، وعبر مبادرات فردية، أو لشلة هنا ومجموعة هناك، أو لاتجاه سياسي وفكري وسواهما.. فكثرت الأشكال التنظيمية، وتعددت التنسيقيات في البلد الواحد، وفي القرية الصغيرة أحياناً..واعتبرنا أن كل هذا نتاجاً طبيعياً لسيرورة ايام الثورة وتنقّلات أوضاعها، واتساع رقعتها.. واتساع المناصرين لها ..
ـ وحين ضجّت المناخات السياسية الداخلية، وخاصة الخارجية بغمر المبادرات والمؤتمرات والاقتراحات والعناوين ..
ـ وحين اختلط الحابل الحقيقي، الحقّاني ، الطبيعي، بالنابل الذاتي، والمغاير، والمثير للأسئلة، والشبهة، والتعمّق في الذي يجري ودوافعه، وكأن هناك جوع كبير لدى الكثير.. وهات يا هجوم للأكل، وهات يا صرخات للوصاية، وهات يا بدائل، ومشاريع، و"نجوم"، وداخل خارج، وخارج خارج، وداخلي وإقليمي، وإقليمي وخارجي..
ـ وحين تعددت الاتجاهات السياسية في رؤاها للتعامل مع الثورة، والنظام ما بين مخالف لسقف الشباب ومطالبهم التي ترفعها شعاراتهم، وبيان التنسيقيات، ومحاولات ركوب واحتواء، وحرف ولفّ وضمّ وادعاء تمثيل، وادعاء التزام وتأويل.. بات العمل على بلورة صيغة جامعة للتنسيقيات مهمة ملحة لأجل حماية الثورة وتجنيبها الأفخاخ الكثيرة التي ينصبها النظام، والبعض، ومن أجل أن تكون القائد السياسي، كما هي القائد الميداني ..
ـ ولأن البلورة، والتوحيد ليستا بالسهولة النظرية، فدونها عقبات ميدانية كبيرة، وأوضاع أمنية صعبة، وخطيرة، وتشتت، وتعدد التنسيقيات، ومن خلفها الاتجاهات الفكرية والسياسية والذاتية والنخبوية.. وغيرها، وغيرها ..
بات لزاماً البحث عن صيغ توافقية للتنسيق بين أهم مكونات التنسيقيات فيما يشبه الجبهة، أو التحالف، أو الائتلاف.. كمقدمة لا غنى عنها لحضور وفعل الشباب، وبوصلة المسار، وتحديد اتجاهه، وتخومه، ومضامينه..
*****
ـ وبالوقت نفسه، وبقدر ما يدلل تعدد التنسيقيات، وصفحات الفيسبوك، والمواقع العديدة على حيوية الشباب، ودفق المرحلة ومنشطاتها.. بحيث امتلأت دنيا سورية بمئات، بل أكثر، المواقع العامة والشخصية، الحزبية والفكرية، والحاراتية، والشللية وغيرها بما يدوّخ من لا يدوخ، وبما يضعنا أمام متاهة يمكن أن تضيّع الجهود وتوزعها في آلاف المواقع المزدحمة، والمليئة بكل ما هبّ ودبّ، والمتشابهة في معظمها لجهة النقل من وإلى..
ـ وبالوقت الذي تعبر فيه الثورة السورية منعرجها الأهم، بالقياس إلى مخطط النظام الجهنمي في الإلقاء بأوراقه الأخطر واللعب بها... يشتدّ التنافس بين أصحاب الخندق الواحد، فتبرز عديد الظواهر السلبية، والذاتيات.. وكأننا في سباق لحضور وليمة شهيّة، ولا نصدق من يسبق الآخر إليها، ومن يلتهمها قبل غيره، أو من ينال منها الحصة الأكبر .. هكذا مثلاً يتحارب بعض الشباب في إحداث صفحات موازية تحمل نفس الاسم والمحتوى ، وهات يا مبررات، وهات يا أسباب.. بما يُحدث التشتت، والتفرقة في وقت أننا الأحوج فيه إلى رصّ الصفوف، وتمتين اللحمة، والالتفاف حول الهدف الواحد..
وكما ذكرت في البداية، فلئن كانت الحرية هي التعددية، وهي التنوّع، وهي الاختلاف مع الآخر ـ بما هو وليس كما أريد وأتمنى ـ فإنها من الاتساع القادر على احتواء الجميع تحت خيمتها ووعي مفرداتها، وليست ممراً، أو جوازاً لتفقيس الانشقاقات، وما يدعى بالتمايزات، والحق، والأفضلية ..
ـ لقد آلمني أن أقرأ ولادة مواقع جديدة تحمل نفس الاسم في هذه المدينة أو تلك، وكأننا في سباق محموم لمن يحرز الفوز الذاتي.. في حين أننا أحوج ما نكون اليوم إلى التوحّد، والتفاهم، وإلى تنظيم الاختلاف، ووعي كيف نكون مختلفين.. لنتقن الإبداع، وفعل التنوّع ..
ـ أيها الشباب.. وأنتم تقدّمون الأغلى، وأنتم تضحّون بدمكم، وعذاباتكم، ووقتكم، وجهدكم الرائع، وأنتم تتطورون يومياً فتكتسبون وعياً يليق بكم وبشعبكم وثورتكم.. إننا نرجوكم أن تبعدوا عنكم سوسة الاختلاف، والتنافس غير المبرر، وان تلتحموا قلوباً صافية، وأذهاناً مفتوحة على بعضكم، وأن يتسع الصدر لكل التلاوين فلا يضيق برأي مخالف، أو وافد طموح، أو نزوع متعدد الخلفيات، أو مستوى الوعي المتدرّج ـ المختلف، وربما الجنيني عند هذا أو سواه .. لأنكم أمل الملايين، ولأن أي خلاف، أي تصدّع فيكم، أي وهن سيترك أثره ليس على أشخاصكم وحسب، بل سيمتدّ إلى الحلم الذي وضعتموه بين الأيدي، وإلى الأمل الذي جعلتموه واقعاً تلمحه ملايين القلوب، وترنو إليه جموع شعبكم ..
كاتب وروائي ـ الجزائر