وقفات مع جمعة "لا حوار" وزيارة السفراء

وقفات مع جمعة "لا حوار" وزيارة السفراء

د. ياسر سعد

[email protected]

في جمعة لا حوار، قالت الجماهير الحاشدة والتي تحدت فرق الموت الأسدية كلمتها وحزمت أمرها: لا حوار مع القتلة والمجرمين والأفاكين. لا حوار، لأن النظام استخدم مبادراته الإصلاحية المزعومة ودعواته الحوارية الزائفة رسائل للخارج وقنابل صوتية ودخانية في الداخل لشراء الوقت وللتغطية على جرائمه ضد الإنسانية وانتهاكاته وتجاوزاته. الثائرون قالوا كلمتهم: هذا النظام استنفذ صلاحيته كما إن هناك أزمات حادة في التعامل معه في مشروعيته وفي مصداقيته وفي الثقة به. الذين يحاورون النظام مهما صلحت نواياهم هم في عيون الجماهير الثائرة أدوات للنظام وهم يضعون أنفسهم في دوائر الشك والريبة وفي مجال الرفض الشعبي القاطع.

حماة الفداء والإباء وفي جمعة ثانية مشهودة، تأبى إلى أن تتقدم الصفوف لتنتقل بالثورة السورية السلمية من نقطة اللاعودة إلى مرحلة الحسم. الجماهير الحموية الحاشدة شهادة صارخة على الموقف الشعبي والذي حطم وإلى غير رجعة حواجز الخوف بعد أن ضرب موعدا مع الحرية لا رجعة فيه ولا تراجع عنه.

النظام والذي يتقن اللغة المزدوجة والباطنية السياسية، حاول الاستفادة من زيارة سفيري واشنطن وباريس لحماة للقيام بحملة محمومة ومسمومة تنال من طهر الثوار ووطنيتهم واستقلالية قرارهم. الحكم السوري والذي يفتقد للمشروعية الشعبية هو الذي تحركه العوامل الخارجية وتوازنات القوى الدولية والإقليمية، ولعل دوره الإقليمي هو واحد من أهم أسباب بقائه خصوصا فيما يتعلق بأمن الدولة العبرية واستقرارها وكما شهد رامي مخلوف في تصريحاته الشهيرة. النظام السوري رضخ صاغرا للضغوط التركية عام 1999 فطرد عبد الله أوغلان، وانسحب جيشه بعد ضغوطات دولية من لبنان في 2005. وفي 20 حزيران الماضي طلبت بثينة شعبان وعبر الجزيرة الانجليزية من الغرب وواشنطن دعم سورية في إصلاحاتها المزعومة، وقبلها وجه وليد المعلم رسالة للأمم المتحدة يطلب مساعدة في بلادها في مواجهاته المزعومة مع المتطرفين، فمن الذي يتسول العون الغربي وينشده؟!

الثائرون في حماة لم يوجهوا دعوة للسفير الأمريكي ولا للفرنسي، ومن غير المنطقي أن يتواجد أولئك السفراء من دون علم السلطات السورية وأجهزتها الأمنية. أسباب الزيارة ودوافعها عرضة للتحليل والتفسير، وفي انتظار مواقف ما بعد الزيارة ومعلومات أخرى لنستطيع من خلالها فهم الدوافع والأبعاد لا بد من التذكير بأن المواقف الأمريكية الرمادية كانت أقرب للتواطؤ مع النظام السوري من خلال الإصرار على دعوة بشار للإصلاح بالرغم من الجرائم المقترفة. أما فرنسا ساركوزي فهي البوابة والتي اخترق فيها نظام بشار 2008 العزلة الدولية بعد مقتل الحريري وكان الجسر العودة إلى الأحضان الغربية مشروع من أجل المتوسط والذي كان التطبيع مع إسرائيل أحد أهم أهدافه وغاياته.

الشعب السوري بشجاعته وتضحياته ومصابرته فرض قضيته العادلة على العالم فكانت ثورته من أنقى الثورات وأكثرها طهرا ووطنية وإنسانية. المطلوب من المجتمع الدولي والعالم العربي رفع الغطاء عن نظام الأسد بشكل جدي وعدم إعطائه مزيد من الوقت ليقتل ويحاصر ويسوم أطفال سورية أشد أنواع العذاب.