سوريا ما قبل الأسد

سوريا ما قبل الأسد

د. هشام الشامي

[email protected]

كان رئيس سوريا المنتخب  شكري القوتلي ، و كان سائقه يحمله بسيارة الرئاسة إلى منزله بعد انتهاء الدوام الرسمي ، و بعد نزول الرئيس ، يتابع السائق مشواره ، و يأخذ السيارة لتبيت بأمان الله في المرآب ، و إذا ما أراد الرئيس الخروج بعد ذلك استعمل سيارته الخاصة ، و قد شُوهد مرة وحيداً  و دون سائق أو مرافق ، يدفع سيارته بنفسه أمام قصر العدل بدمشق ، فتنادى الفتوات و القبضايات لمساعدة الرئيس ، و لم يتركوه حتى سُمع صوت محرك السيارة يدور 0

و في تلك الأيام الخوالي ، شوهد أحد الوزراء ، و قد خرج بأسرته إلى الغوطة للنزهة ، و لم يكن في ذلك مشكلة ، فاليوم جمعة ، و العطلة رسمية ، و من حق أي مواطن أن يتنزه ، و لكن المشكلة التي عرّضت ذلك الوزير للمساءلة و العقوبة ، أمام مجلس النواب ( لا مجلس التصفيق و الصفاقة و الردح و الشتم و الذم ، و تمرير قوانين الطغاة ، و تعديل و تفصيل الدستور حسب المقاس ، و تنصيب الرئيس قائداً عاماً لأمم العالم أجمع وليس للأمة العربية فقط ) هي أنه استخدم سيارته الحكومية في ذلك المشوار الخاص .. !!؟؟ 0

فمن هو الرئيس شكري القوتلي : أنه شكري محمود القوتلي. المولود في دمشق عام 1891، و الذي أنهى دراسته الثانوية في مدرسة عنبر بدمشق،و أكمل تعليمه في الكلية الشاهانية بالأستانة وتخرج منها يحمل الليسانس في العلوم السياسية عام 1912.

انضم القوتلي في الأستانة إلى جمعية (العربية الفتاة) السرية، القائمة على الدعوة إلى تحرير العرب، ومقاومة ما تعمل له جمعية (تركيا الفتاة) من تتريك العناصر العثمانية، و قبل ذلك كان يعمل في صفوف شبيبة المنتدى الأدبي.

وُشي به في الحرب العالمية الأولى فاعتقل وزج به في سجن (خان الباشا) بدمشق، وهدد بالتعذيب، فخشي أن يبدر منه في حالة الإغماء ما يقضي عليه وعلى أخوته في جمعية الفتاة، فحاول الانتحار بقطع شريان يده، وكتب رسالة بدمه وجهها إلى جمال باشا السفاح يحذره فيها من مغبة الظلم، وغاب عن وعيه فنقل للمعالجة، وبهذا نجا من المحاكمة. والتقارير عن بطولة القوتلي رفعته إلى دائرة الأضواء كبطل قومي، وفي عام 1918 أسس مع بعض أصدقائه حزب الاستقلال العربي.

و بعد الثورة العربية الكبرى و دخول فيصل بن الحسين دمشق و تعيينه ملكاً عليها كلفه الملك فيصل بتشكيل ولاية دمشق، ولما احتل الفرنسيون سورية كان اسمه في قائمة المحكوم عليه بالإعدام. فنزح إلى القاهرة ثم حيفا، وبقي أربعة أعوام يتنقل بين فلسطين ومصر وأوروبا يدعو للقضية السورية. عاد إلى دمشق عام 1924، ولما نشبت الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925 التحق بها فصدر عليه حكم الإعدام من جديد.

عاد إلى دمشق سنة 1930 بعد سقوط حكم الإعدام عنه، واشترك في المؤتمر العربي القومي الذي عُقد في القدس في كانون الأول 1931 ووقع على الميثاق التاريخي، وفي عام 1932 كان أحد الأعضاء المؤسسين للكتلة الوطنية التي تحولت فيما بعد إلى الحزب الوطني المنادي باستقلال سورية كهدف أساسي له.

أثناء وجود الوفد المفاوض في باريس تولى القوتلي إدارة مكتب الكتلة الوطنية، وانتخب مجلس النواب السوري عام 1936 فكان من أعضائه، ثم تولى في أول حكومة وطنية وزارتي المالية والدفاع، وفي أثناء غيابه في السعودية عقد جميل مردم بك رئيس الوزراء اتفاقيتي البنك السوري والبترول مع فرنسا، وقبل بوجود الخبراء الفرنسيين، ومتابعة سياسة التعاون بين البلدين السوري والفرنسي. لكن الوزراء والنواب اعترضوا على هذه الاتفاقية، وكان أشدهم نقمة شكري القوتلي فاستقال من الوزارة في 22/3/1938 احتجاجاً، واكتفى بالنيابة، وفي العام نفسه انتخب نائباً لرئيس مجلس النواب.

عام 1941 انتخب القوتلي زعيماً للكتلة الوطنية خلفاً للمجاهد المرحوم إبراهيم هنانو 0

على أثر دخول الديغوليين سورية في الحرب العالمية الثانية، كان القوتلي السياسي الأكثر شعبية، وبعد وفاة تاج الدين الحسني رئيس الجمهورية بالتعيين، قاد القوتلي معركة الانتخابات بقائمة موحدة في سائر البلاد، وبالتئام مجلس النواب انتخب رئيساً للجمهورية في 17/8/1943، وهو أول زعيم وطني تولى رئاسة الجمهورية السورية.

ازدهرت سورية في أيام القوتلي، كما قاد التحرك السياسي في فترة الاستقلال من 1943 ولغاية الجلاء عام 1946، والتي تميزت بالنشاط السياسي السوري في الحقل العربي، وقد تمحور هذا النشاط حول ثلاثة مواضيع:

1ـ دعم استقلال سوريا التام أي ضمان جلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيها.

2ـ العمل من أجل قضية الوحدة العربية (الجامعة العربية) في مقابل إعلان الأمير عبد الله أمير شرق الأردن مشروع سوريا الكبرى.

3ـ العمل من أجل قضية فلسطين.

بعد الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم عام 1949م انتقل القوتلي إلى مصر، واستقر في الإسكندرية، وتغيرت الأوضاع في سورية مع مرور الأيام، بعد تخلي الرئيس أديب الشيشكلي عن الحكم وسفره خارج البلاد ، فعاد إلى دمشق وانتخب مرة ثالثة رئيساً للجمهورية عام 1955م .

في عام 1958 وبناء على طلب الجماهير الشعبية في سوريا قصد مصر على رأس وفد من سورية، فاتفق مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر على توحيد القطرين وتسميتهما (الجمهورية العربية المتحدة)، وتنازل عن منصبه الرئاسي لصالح الوحدة، وقد أُطلق عليه لذلك لقب المواطن العربي الأول. تنقل بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر وأوروبا، وعندما وقع انقلاب الانفصال في 28 أيلول1961 كان في جنيف، فعاد إلى دمشق بطلب من حكومة الانفصال، وبقي في دمشق حتى انقلاب 8 آذار1963 حيث غادرها إلى جنيف وبعد عام انتقل إلى بيروت واستقر بها. ونزفت عليه القرحة الهضمية بسبب حزنه على حال السوريين بعد انقلاب البعثيين ، حتى قضت عليه تلك القرحة بعد نكسة حزيران و إعلان سقوط القنيطرة بالبلاغ رقم 66 في التاسعة و النصف من صباح العاشر من حزيران من قبل وزير الدفاع حافظ الأسد و ذلك قبل وصول أي جندي إسرائيلي إليها ،  وتوفي رحمه الله في (30 حزيران1967)، فنقل جثمانه إلى مدينته دمشق حيث دفن في مقبرة الباب الصغير.