دكتور ومعلّم
دكتور ومعلّم!
صلاح حميدة
جميلة جداً أنشودته وأداؤه الرّائع، كما كان رد فعل الجماهير الحمويّة وتفاعلها مع أهازيجه أكثر روعة، لم يشأ المندسّون والإرهابيون في النّظام السّوري ترك أنشودة بلبل ثورة الشّعب السّوري ضدّ إجرامهم حدثاً عابراً في مسيرة حاشدة في مدينة حماة، بل أضافوا بقتلهم له نقطةً إضافيةً حاسمة في تاريخ سوريا، فقد قتل الرّجل بصورة إجراميّة، ذبح وانتزعت حنجرته، وألقي على ضفاف نهر العاصي.
تساءل الكثير من النّاس عن طبيعة الدّروس التي سيعطيها النّظام السّوري للمنطقة في الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان وحريّة التّعبير؟ ولكوني مقتنع بأنّ هذا النّظام عاجز عن إدارة أي حراك شعبي وحوار حقيقي، فلم أتوقّع أيّ تصرّفات إيجابيّة منه.
ولكن خروج تلك التّصريحات من (دكتور) و ( معلّم) فهي تستحق الإفاضة في دراسة دلالاتها ونتائجها على الأرض فيما بعد، فحريّة التّعبير في حوار دمشق تضمّنت ضرب كل مخالف أمام الكاميرا، أمّا خلف الكاميرا فكانت جريمة ذبح وانتزاع حنجرة ( بلبل حماة) هي التّعبير الأمثل عن التّطبيق العملي لذلك الحوار، فالصّوت المخالف لا بد له من استئصال كامل بطريقة تضمن نهايته إلى الأبد.
من الملف للنّظر في الحالة السّوريّة تحديداً، تميّزها عن مثيلاتها العربيّات، ومن المؤكّد أنّها تمثّل مدرسة للنّظم الإستبداديّة العربية منها، والأعجمية، فقد برع هؤلاء في الدّمج بين ما هو تعليمي وطبيّ في التّعامل مع المعارضين، فمن متابعة الكثير من حالات القتل والتّعذيب والإغتيالات، تجد طقوس وتراتبية واحترافية ومهارة في التّطبيق، وهذا ليس ناتجاً عن ردّة فعل على ثورة، بل هو نتاج منهج تعليمي جراحي لا أعتقد أنّ له مثيل في الواقع العربي الحالي.
الكثير من الحالات التي تمّ تصفيتها، كانت تتم باستئصال الأعضاء التّناسليّة للضحايا، بل كانت تتمّ عمليّات استئصال لأعضاء أخرى أيضاً، ولم تكن حالة استئصال حنجرة ( بلبل حماة) لتمثّل حالةً استثنائيّة بين ما يمكن أن يطلق عليه ظاهرة، فمن لا تستأصل أعضاؤه التّناسلية يصعق بالكهرباء عليها، وحتّى من يقتلون بطرق أخرى، فالمراقب يلاحظ أنّ هناك مشتركاً مستمرّاً في كل تلك الجرائم.
وبمحاولة فهم الرّغبة الجامحة لاستئصال الأعضاء التّناسليّة للضّحايا، يظهر جليّاً رغبة هؤلاء المجرمين بإبادة نسل كل من يتوق للحرّيّة، فمن منطلق طبّي وتعليمي، ترى مدرسة القمع والإستبداد في سوريا أنّ جينات الثّورة والمطالبة بالحرّيّة تنتقل من الآباء للأبناء، وبالتّالي لا بد من القضاء على أيّ فرصة لإنجاب أبناء للثّائرين ضد القمع والإجرام الرّسمي، ولكن بما أنّ (بلبل حماة) أنجب أنشودة (الرحيل) لرأس الإجرام في دمشق، فكيف سيستطيع هذا النّظام الإجرامي اقتلاع أنشودة ( يللا إرحل يا بشّار) من حناجر ملايين السّوريين؟.