أي مقاومة وأي ممانعة يدعو إليهما نصر الله؟

الطاهر إبراهيم *

قبل انطلاق الثورات العربية، بدءا بثورة تونس، كان أي سوري مشغولا بهمه السوري الذي ملأ أقطار نفسه بسبب قمع وإرهاب النظام السوري وقد أقعده عن أن يلتفت إلى ما يقال أو يدور على الساحات العربية. هذا التعميم يشذ عنه ما كان يحدث على الساحة اللبنانية. حيث ارتبط الهمّ السوري بالهمّ اللبناني منذ قفز حافظ أسد إلى السلطة عام 1970، حيث أصبح المعارض السوري يلاحق في لبنان كما كان يلاحق في سورية.

ويوم أن أقفل الجنوب اللبناني في وجه حزب الله بعد انسحاب إسرائيل منه، فما عاد يستطيع القيام بعملياته ضد إسرائيل، فقد انكفأت قيادة الحزب إلى الداخل، وانشغلت بالسياسة اللبنانية كأي حزب لبناني آخر. وقد وجد النظام السوري بهذا الحزب رديفا له يعينه على ردع أي لبناني يرفض الانصياع للوصاية السورية. كما وجد حزب الله بالنظام السوري غطاء لتنفيذ الأجندة الطائفية التي كان يدعو إليها نصر الله في تأييد "ولاية الفقيه" التي ما كان حزب الله يقدر على تنفيذها بدون الوصاية السورية المهيمنة على لبنان.

للأسف، استطاع حزب الله أن يخفي على الشعوب العربية نواياه الطائفية تحت ستار مقاومة إسرائيل في الجنوب اللبناني. فقد وجد من تلك الشعوب داعما له. حتى إن بعض الإسلاميين وقفوا مع حزب الله عندما استدار بسلاحه ضد اللبنانيين كما حصل في 7 أيار عام 2008، عندما احتل بيروت، وروع وقتل بعض أهلها. وذهبت تحذيرات الجماعة الإسلامية في لبنان والإخوان المسلمين السوريين أدراج الرياح في كشف حقيقة ما يخفيه حزب الله من أجندة طائفية، وأن "المقاومة" التي كان يلتحف بعباءتها، ما هي إلا لإخفاء قبح هذه الأجندة.

جاءت الثورات العربية لتميط اللثام عما بقي من نوايا حزب الله ومعه نوايا النظام السوري. فعندما حاول حسن نصر الله ركوب موجة الثورات فشبه ثورة مصر بالثورة الإيرانية بقيادة الخميني، فطن الإخوان المصريون لذلك، وأعلنوا رفضهم أن تكون ثورة مصر كثورة الإمام الخميني. وكذلك فعل الثوار التونسيون.

حسن نصر الله وفي خطابه الأخير بعد أن امتدح ثوار تونس وثوار مصر وثوار ليبيا وثوار البحرين، ها هو يفتري على الثوار السوريين فيصفهم بأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل فيقول: (إن إسقاط النظام السوري هو خدمة جليلة لأميركا وإسرائيل). ثم يتوجه للسوريين ناصحا: بأن يقفوا مع قيادة الرئيس بشار أسد باعتباره رئيس الدولة العربية المقاومة الممانعة الوحيدة في المنطقة. وتناسى نصر الله أنه يطلب من الشعب السوري أن يقف مع نظام يعتقله ويقتله.

إذا كان ثوار تونس ومصر قد ردوا على "نصر الله" بأنهم يرفضون السير على نهج الخميني ، فإن ثوار سوريا ردوا عليه عمليا في الشوارع عندما هتفوا: "لا حزب الله ولا إيران، ولا نصر الله ولا نجاد"، ثم قاموا بحرق علم حزب الله وعلم إيران.

وإذا كان الشعب السوري تأكد منذ بداية حكم حافظ أسد أن شعار المقاومة الذي رفعه النظام في سورية هو شعار "ورقي" وللاستهلاك المحلي، خصوصا وأن جبهة الجولان مع إسرائيل بقيت هادئة تماما على مدى 40 عاما مع نهاية حرب أكتوبر عام 1973، التي سماها النظام  حرب التحرير وسماها السوريون حرب التحريك، فقد جاء رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري ليطلق رصاصة الرحمة على رأس الممانعة ويمزق العباءة التي كان يلتحفها النظام ، وذلك عندما قال إلى "نيويورك تيمز": "إن أمن إسرائيل من أمن النظام السوري".

ومع أن السوريين واللبنانيين أدركوا أن مقاومة حزب الله هو مشروع إيراني صرف، أراده "نصر الله" كي يستولي به على قرار دولة لبنان، فقد جاء "حسن نصر الله" ليطلق رصاصة الرحمة على رأس "المقاومة" يوم أن استدار بسلاحه واحتل بيروت في 7 أيار 2008. اليوم يكشف نصر الله في خطابه الأخير، عن جانب قبيح آخر من أجندته الطائفية، عندما يقف مع النظام السوري الذي يقتل شعبه، ويصر على أن هذا النظام ممانع ومقاوم. ليسقط ورقة توت كان يستر بها سوأته الوطنية.

وإلا فكيف يعتقد نصر الله أنه سيقنع الشعب السوري ليس بمقاومة النظام السوري وممانعته فحسب، بل حتى بصلاحية النظام للاستمرار في حكم الشعب السوري، بعد أن قتل من قتل واعتقل من اعتقل وهجّر من هجّر. فلأول مرة يضطر آلاف السوريين للهجرة، و من قبل كانوا يستقبلون إخوانا عربا لاجئين، كما حصل مع الفلسطينيين، وكما حصل مع اللبنانيين في حرب تموز 2006، ومن قبل أثناء الحرب اللبنانية الأهلية في سبعينات القرن العشرين، وأكثر من مليون عراقي يوم أن احتلت أمريكا العراق.

إذا كانت المقاومة هي كالمقاومة التي يدعو إليها نصر الله السوريين ليلتفوا حول النظام الذي يقتلهم ويسميه نظاما مقاوما ممانعا، فإن الشعب السوري يكفر بممانعة النظام السوري، كما يكفر بمقاومة نصر الله، لأنها مقاومة مسمومة وممانعة مصبوغة بدم الشعب السوري.

                

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.