نحو جبهة موحدة للمعارضة السورية

معاذ السراج

ليس غريبا أن تتفاوت الرؤى والمواقف في قضية كبيرة بحجم ثورة التغيير في سوريا ,فسوريا تتقاطع فيها مصالح واستراتيجيات دول كثيرة على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ..ولا نتجاوزالعرب فهم أهل القضية ويفترض ألا يكونوا بعيدين عنها ...ومن هنا تسعى تلك الدول لأن تكون مؤثرة في المشهد السوري وفق قراءتها واستراتيجياتها هي وليس من منظور شباب الثورة أو المعارضين للنظام ...ولا تخفي الأطراف الخارجية حرصها على استقرار سوريا بغض النظر عن النظام القائم ما دام هذا الاستقرار يخدم مصالحها وينسجم مع أهدافها في المنطقة , وهذا يفسر تردد الولايات المتحدة وغيرها في اتخاذ موقف حازم من النظام بل ولا تخفي رغبتها بأن يقوم هو نفسه بعملية التغيير لأنها ببساطة تثق به وتطمئن لانسجامه مع سياستها طيلة أربعين عاما أو يزيد.. وليس غريبا بعد هذا أن نجدها ترحب بما يقدمه النظام مما يسميه بالاصلاحات متغاضية عن نواياه وتسويفه الذي بات مملا الى درجة الاشمئزاز ..الدول لها مصالحها ولها أهدافها التي قد تختلف في كثير من كلياتها وجزئياتها عن مصالحنا وأهدافنا ,ولا غرو بعد هذا أن نجدهم متباطئين في مواقفهم أو مواربين في تصريحاتهم وبياناتهم فمن السذاجة أن ننتظر منهم مواقف حازمة فمن ينبغي عليه أن يحزم الأمر ويحسمه إنما هو صاحب القضية ولا أحد غيره ....
 هنا يأتي دور أطراف المعادلة السورية نفسها والتي يتسيد المشهد فيها الشارع السوري الذي قال كلمته النهائية وأحرق المراكب وطالب باسقاط النظام وقدم أمام ذلك تضحيات جسيمة , وتأتي من ورائه المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي والتي لا تبدو متفقة كل الاتفاق على مطلب الشارع وإن كانت مجمعة على حتمية تغيير النظام ...فرق كبير بين اسقاط النظام الذي لا يحتمل إلا قراءة واحدة وتغييره الذي يحتمل وجوها عدة ..ومع أن معارضين بارزين في الداخل صرحوا وبقوة بضرورة إسقاط النظام فإن آخرين منهم ربما كانت لهم وجهات نظر أخرى قد تجد لها صدى حتى لدى بعض المعارضين في الخارج ..اختلاف وجهات النظر لا إشكال فيه لكن له محاذير ينبغي التنبه لها وتداركها حتى لا تنعكس سلبا على الصورة العامة للمعارضة التي يفترض أن تكون منسجمة في الحد الأدنى ومتوافقة على خطوط عريضة تستجيب لحراك الداخل وتستوعب مواقف الخارج على على حد سواء ..
حتى اللحظة يمكن تفهم التنوع في المواقف والرؤى لدى المعارضة السورية ولا يجب تفسيره على أنه خلافات عميقة أو مبدئية , بل يمكن اعتباره جزءا من حراك ضروري سيفضي في النهاية الى وحدة في المواقف والتوجهات وإن كان ينقصه الكثير من التشاور والتمهيد والسرعة في الحراك ليواكب حركة الشارع التي تسبقه بأشواط بعيدة ... ..نحتاج بالضرورة الى  برنامج زمني وخطوط عريضة لتحقيق جبهة موحدة لكل أطراف المشهد السوري ....
هناك نقاط ضعف كبيرة لدى المعارضة السورية قد تفسر حالة التباطؤ والبرود التي تعانيها ..فهي أولا تفتقر الى الزعامات الوطنية الكبيرة التي يمكن أن تشكل نقاط ارتكاز واستقطاب على المستويين السياسي والجماهيري , هذا مع تقديرنا للشخصيات الموجودة على الساحة والاقرار بفضل الجميع ..كذلك ودون الخوض في الأسباب التي باتت معروفة لا توجد لدينا الآن احزاب جماهيرية قوية ومتماسكة وقادرة على استيعاب الموقف الراهن والاحاطة بجوانبه كلها ..هناك كذلك نوع من ضعف الثقة بين اطراف المعارضة الذي يبدو جليا بين الحين والآخر بل وحتى داخل الطرف الواحد سرعان ما يتبين لك اختلاف المواقف والمفاهيم وكأن الكثيرين لازالوا يحتفظون بخلفيات فكرية وحزبية وإقليمية تجدها حاضرة في أحلك الظروف وأصعبها..وبسبب من تشتت المعارضة وتوزعها على الكثير من الدول وبروز أجيال من المعارضين الجدد وغير المسيسين لايخفي الكثيرون خشيتهم وتحفظهم من اتساع طيف التجمعات المعارضة وقابليتها لاحتضان الكثير من المخترقين والمتسلقين ..ونقاط أخرى ليس أقلها ظهور نبرة لدى البعض بأن معارضة الداخل هي الأصل ولدى البعض الآخر بأن معارضة الداخل هي أسيرة سجن النظام وما الى ذلك ...وحدها التجمعات الشبابية للمتظاهرين والثائرين في الداخل والى حد ما في الخارج ربما تكون أقل عرضة لنقاط الضعف هذه وغيرها ...لكن السؤال الأهم هنا هو كيف يمكن أن نصل الى جبهة وطنية موحدة للمعارضة السورية تلبي طموحات الجميع في الداخل والخارج وتنسجم كل الانسجام مع حركة الشارع وثورة الشباب وتسهم في دفعهاالى الأمام بدل أن تكون عنصر تثبيط وتخذيل..؟؟
من المهم هنا أن تتحمل المعارضة التقليدية بما فيها الشخصيات المستقلة عبء تشكيل مجموعة اتصال تتمثل فيها الأحزاب السياسية وبعض الشخصيات المستقلة تقوم  بحملة تشاورية مكثفة لا تستثني أحدا وبخاصة الداخل وفق جدول زمني مختصر لانضاج مشروع وطني حول ورقة عمل مناسبة تركز على المطالب المجمع عليها وتضع الخطوط العريضة لمرحلة انتقالية لما بعد سقوط النظام ويفضي ذلك الى عقد مؤتمر إنقاذ وطني تتمثل فيه أطياف الشعب السوري بأكملها ويقوم بتيني ورقة العمل تلك وتتشكل من خلاله لجان تتولى شؤون المرحلة الراهنة وعملية التواصل مع الداخل والخارج والأطراف العربية والدولية وذلك حتى إسقاط النظام ...
آمل كما يأمل الكثيرون ممن يهتمون بالشأن السوري أن تكون هذه الأفكار وغيرها مما لايغيب عن ذهن من يتولون شأن القضية السورية ممن أتاحت لهم ظروفهم ومواقعهم أن يكونوا أكثر قربا وتأثيرا من غيرهم والله نسأل أن يوفق الجميع ويأخذ بأيديهم على طريق النصر المبين ...