الإسلاميون والحريات

الإسلاميون والحريات

أبو عمر الزعيم

عانى العرب بشكل عام، والإسلاميون بشكل خاص؛ معاناة شديدة جرّاء القمع الشديد والاستبداد ومصادرة الحريات، ففي أكثر البلاد العربية يمنع الإسلاميون من تشكيل الأحزاب بأسمائهم الصريحة وأفكارهم الواضحة، حتى أُلجئوا إلى أساليب مختلفة للتحايل على القانون، ومع ذلك فهذا لم يكن ليحل المشكلة في بلاد كثيرة، كما أدى إلى مشكلات أخرى من عدم وضوح الرؤية.

ماذا يريد المسلمون؟

وبأي حكم يريدون أن يحكموا؟

وما هو منهج الإسلام في كثير من القضايا؟

وما حقيقة الموقف من الدولة المدنية؟

وما حقيقة الموقف من الديمقراطية؟

وما حقيقة الموقف  من المواطنة؟ وما ضوابطها؟

وما حقيقة الموقف من رئاسة المرأة وغير المسلم؟

وما حقيقة الموقف من الصراع مع إسرائيل؟

وما حقيقة الموقف من التدخل الأمريكي في بلاد المسلمين؟

وما حقيقة العلاقة مع الغرب؟

وما هو الموقف الحقيقي من القاعدة؟

وما هو الموقف الحقيقي من الشيعة؟ ...

  مسائل كثيرة يلجأ أكثر الإسلاميين فيها إلى المداراة والمجاملة والتأويل والتعميم والتعمية.

ويقابل ذلك الغرب بعدم الاقتناع والاطمئنان.

ونحن الإسلاميون نقدم تنازلات كثيرة لإرضاء الغرب والعلمانيين، لعلنا نحوز على تأشيرة مرور في العمل السياسي والاتصال بالجماهير، ونتناسى أن كل هذه التنازلات لن تفيدنا شيئاً، فالله تعالى بين لنا (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)، وبين سبحانه: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء، وودوا لو تكفرون).

هذه التنازلات، وهذا القمع للحريات؛ وَلَّد أمراضاً خطيرة وأحوالاً أخطر.

من ذلك: أن كثيراً من المسلمين ـ وخاصة النائشة ـ تغيب عنهم حقائق الإسلام في الحكم والسياسة والاقتصاد والديمقراطية، وما طبيعة الدولة المدنية التي يتحدث عنها الإسلاميون، وما علاقتها بمصدر التشريع، ومن مصدر السلطات والتشريع في الإسلام.

كما ولّد هذا نوعاً من الانفصام بين الأفكار الحقيقية والسلوكيات الظاهرة، كما ولد عند بعضهم لوناً من الباطنية، وولد ميوعة في المواقف.

وصار الهمّ هو البحث عن الانتصارات السياسية والانتخابات الشعبية، وليس الهم انتصار الفكرة الحقيقية، وربما ظنوا أن ذلك هو الذي يخدم الإسلام، وربما جعلوا تركياً مثلاً.

وربما ولَّد ذلك تطرفاً عند آخرين، إذ يتصدى لبيان مفاهيم الإسلام من غير مواربة أشخاص لم يتعمقوا في العلم الشرعي والفقهي والسياسي، لكنهم يتمتعون بقدر كبير من الجرأة والشجاعة والحماسة والعاطفة الإسلامية الصادقة.

وغاب فقه الإسلام الصادق الحق عن الساحة، إذ معظم مفكري الإسلام وقعوا في كثير من الباطنية والتقية.

وإذا وجد منهم من يصدح بالحق الذي هو الحق ولا غيره؛ وجهت تجاهه السهام، وأية سهام، إها ليست سهام الأعداء، بل سهام الإسلاميين أنفسهم.

وأكثر مثال على ذلك تلك الكتابات الخطيرة المعادية لفكر سيد قطب ومحمد قطب وسعيد حوى وأبي الأعلى المودودي؛ كتابات صادرة عن إسلاميين، تعدُّ أفكار هؤلاء المفكرين الكبار متطرفة، وهي في الحقيقة سعت لتقدم الإسلام كما هو.

ومن الأمراض التي ابتليت بها الحركة الإسلامية نتيجة ذلك؛ أن صارت قضية المصلحة هي ميزان العمل دون ضوابط، ما هي المصلحة الجائزة، وغير الجائزة؟

وأي مصلحة؟ . . إنها مصلحة الموالاة للحكم الظالم في كثير من البلدان، ومصلحة استرضاء الجماهير ...

وهم في ذلك أيضاً يخسرون كثيراً من الجماهير الصامتة، ويفقدون الثقة.

وهم في ذلك يحسبون الربح والخسارة، لكن أي ربح وخسارة؟ . . إنها ربح الدنيا وخسارة الآخرة، وإنها ربح انتصار وهمي للحفاظ على الوجود، وإنها ربح عدم التضحية أو الاستعداد للتضحية.

هذه قضايا من واجب المفكرين الإسلاميين ـ أمام انطلاق ثورة الشعوب نحو الحرية ـ أن يتحرروا هم أيضاً، ويعلنوا حقائق الإسلام كما هي في كل شيء.

ومن الأمراض التي ابتليت بها شعوبنا والإسلاميون خصوصاً؛ أن الواحد منا لم يعد يجرؤ أن يصرح بآرائه كما هي، ويريدون من الواحد أن يكون باطنياً منافقاً، يظهر خلاف قناعاته ليساير التيار.

وإذا تجرأ أحد أن يبين رأيه بصراحة فهو المنافق وهو الخائن وهو الجبان . .

وهذا كله من مظاهر مرض فقد الحرية، فإن القمع الذي مارسه حكامنا على الشعوب صار خلقاً وثقافة في المجتمع العربي، بحيث صار الكلُّ يمارس القمع والاستبداد تجاه الآخر.

ولا شك أن جميع الإسلاميين في سوريا لهم موقف واحد تجاه النظام في سوريا، فهو دموي طائفي استبدادي فاسد متآمر، لكن ربما وأمام انغلاق السبل وأمام الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الإخوان يتجه البعض إلى طرح آراء سياسية، لعلها توصل إلى مخرج، يساعد هذا المخرج أن يكون الإسلاميون جزءً من الوطن، من أجل لحظة حاسمة؛ إن مصادرة الحريات جعلت من يطرح هذا الطرح متهماً . . ولا ينظرون إلى أخطائهم القاتلة، والتي تصل إلى درجة الخطيئة.

وأمام الثورة القائمة الآن في سوريا، لا شعار إلا شعار واحد: لا شيء يعلو فوق صوت المعركة، فإذا أراد أحد أن يناقش ولو في جلسات خاصة؛ هل طريق الثورة صحيح؟ هل هناك من يحرك بخفاء؟ لماذا يصادر حق الإسلاميين في المشاركة الفعالة؟ لماذا يغيب صوت الإسلام؟ هل هناك من يريد أن يجر الشعب إلى مذبحة جديدة بالتآمر مع الخارج؟ هل هناك طريق آخر للتغيير المتدرج؟

إنه لو جرؤ أحد أن يطرح هذا الطرح الآن سيسمى عند الإسلاميين: الخائن والجبان.

وأمام هذا المرض ـ فقدان الحرية ـ صرنا شعوباً وحكاماً وأحزاباً وإسلاميين وغير إسلاميين؛ نعيش ثقافة واحدة، ثقافة القمع والاستبداد والتخوين والاتهام في النوايا وتضييع الأفكار الحقيقية، فهل يجرؤ أحد أن يقول: إن الثورة السورية اليوم يحاول أن يركب موجتها الأسوأ من الناس.

فإنني لو أردت أن أسمي لكم بعض رجالات المعارضة الذين يتكلمون باسمها في الخارج وحقيقة سلوكياتهم وحقيقة عدائهم للإسلام والمسلمين وحقيقة علاقتهم بالغرب والمخابرات الخارجية؛ لقلتم دعونا نتفاهم مع الظالم القائم.

إنه إذا لم يتخذ الإسلاميون مواقف قوية وحقيقية ومتواصلة مع الشعب؛ سيعانون من دكتاتورية جديدة، ممن يسمون أنفسهم معارضة الآن، تتسم بعداء للإسلام يقوم على الكفر والإلحاد، مقروناً بسلوكيات لا أخلاقية، مقروناً بعمالة كاملة للغرب والخارج.

كل ذلك سببه مرض مصادرة الحريات.

وصار من ثقافتنا: ممنوع الكلام . . لا أرى . . لا أسمع . . لا أتكلم . .

وكل واحد من القمعيين صار وصياً على الدين والإسلام.

ومع ذلك فيبقى أخطر ما نواجه أن العلمانيين الذين يدعون إلى الحرية يقولون: حرية لكن بشرط أن لا إسلام.

إذن هم يصادرون حرية المليارين من المسلمين باسم الحرية، فأي حرية يتحدثون عنها؟

فرحم الله سيد قطب والشيخ سعيد حوا ، رائدا الفكر الإسلامي المعاصر الحق الحر الجرئ القويم.