المواقف الدولية في اختبار مصداقية
المواقف الدولية في اختبار مصداقية...
تجاه ثورة السوريين
معاذ السراج
في قضية كبرى كقضية سوريا اليوم حيث تسيل الدماء بغزارة وتغص السجون والمعتقلات بالألوف المؤلفة من شباب سوريا وشيبها وتتزايد أعداد النازحين والمهاجرين الى الدول المجاورة لسوريا لتتجاوز الآلاف هي الاخرى ... في قضية مثل هذه يفترض الا يغيب عنها رأي او موقف عربي او اسلامي او دولي او حزبي او فكري او صحفي .. أيّا كان .. فالموضوع اتّسع ليأخذ طابعه الانساني إذ لم يكف الديني والعرقي والقومي لتحريك القلوب القاسية والضمائر المحجوبة ... أتفهّم وجهة نظر من سمّى الثورة السورية بالثورة اليتيمة فهي الثورة التي تعتمد على سواعد شبّانها بعد الله عزّ وجلّ , وتعتمد على اعلامها البديل باستخدام الهاتف النقّال لتوصيل صورة مايجري في الداخل السوري الى العالم الخارجي وتداوي جرحاها في المنازل بعيدا عن رصاصات الغادرين في المستشفيات, ويسقط الشهداء وهم يشيّعون الشهداء وسط زغاريد الماجدات الحرائر وأزيز الرصاص الغادر...
اتفهّم كلّ هذا بل واعتبره منحة ربانية تجعل من هذه الثورة المباركة ثورة خالصة لأبنائها وبأيدي أبنائها...لكن مما ينبغي تسجيله والوقوف عنده هو تلك المواقف التي ضاعت فيها الحقيقة وضاعت فيها المبادئ وضاعت فيها مصالح الشعوب كتلك المواقف التي نشهدها اليوم من دول كالصين وروسيا وغيرهما؛ ولم أذكر العرب لأنه ليس لهم مواقف أصلا وربما لم يخف بعضهم أو جلهم رغبته في استمرار نظام عائلة أسد ..المواقف الدولية بعمومها تتسم بالبرود والبطء الشديد , ورغم الحس المرهف للغربيين والأمريكان على وجه الخصوص لكن يبدو أن قوافل الصور المؤلمة والمؤسية والمهينة في كثير منها حتى للجنس البشري لم تجد لديهم الصدى المنشود أو ردة الفعل التي يقتضيها الموقف..وعلى الرغم من أن مواقف الصين وروسيا أكثر برودا وسلبية لكن الجميع يشترك في سمة واحدة وهي أنهم لاينظرون الى سوريا الشعب بل ينظرون الى سوريا الموقع الاستراتيجي الأشد حساسية كما يقولون هم وينطلقون في حساباتهم من مصالح ضيقة ورؤى يغلب عليها النفاق السياسي ... بل وربما حاولوا أن يدخلوا أوراقا أخرى في اللعبة كورقة المفاعل النووي السوري في محاولة للضغط على النظام كما يدعون وهي المسألة التي لن تحرج الشارع السوري المنتفض بقدر ما تكشف انتهازية بعض الدول واستغلالها للمواقف ...
نظام عائلة أسد لم يكن قبل انتفاضة الشعب السوري أقل سوءا ولا أقل فسادا ودموية وهذا مما لايخفى على أحد وخاصة على أصحاب الشأن الدوليين الذين يتحدثون اليوم عن مجزرة حماة وجسر الشغور وغيرها مما حدث في الثمانينات فأين كانوا آنذاك واين كانوا من اموال الشعب السوري المنهوبة والمودعة في بنوكهم ومصارفهم ويعلمون عنها كل شاردة وواردة ,أين كانوا من اضطهاد الشعب السوري وحرمانه من أبسط الحقوق الانسانية التي تتمتع بهاشعوبهم .....بل أين كانوا من نصح بشار أسد وحثه بل اجباره على الاصلاح وهم الذين باركوا شرعيته المزيفة واستقبلوه وأقاموا معه العلاقات الحميمة وقدموا له الغطاء الدولي لأكثر من أحد عشر عاما وحتى ما قبل الانتفاضة بقليل...انهم ببساطة يفضلون التعامل مع أفراد ينتمون لنظام عائلي ولو كان بمواصفات هذا النظام الذي يدينونه اليوم ويعلمون أنه لايمثل مؤسسات حكم شرعية تمثل الشعب وتعمل لصالحه ..
على كل حال لسنا جديدين على هذه الصورة من المواقف الدولية التي نحتفظ لها في ذاكرتنا بصورة تحتل الزاوية السوداء وطالما عانت منها الشعوب العربية الأمرين ..والشعب السوري لايعول كثيرا على تلك المواقف وان كان ينظر اليها على انها استحقاق تفرضه بل وتتطلب منه أكثر بكثير المعايير الأخلاقية والانسانية قبل الأدبيات السياسية والمصالح الاقليمية ..لكننا في ذات الوقت لابد أن نشير الى أن هذه الطريقة في التعامل مع قضايا الشعوب لم تعد مقبولة و لا نعتقد أن الشعوب الغربية لو ترك لها الخيار أن تكون راضية عن مواقف حكوماتها و سياسييها تجاه ما يجري في سوريا ...خلاصة القول إن الكثير من السياسات و المواقف الدولية لا بد أن تقوم على نقطة ارتكاز أساسية تنطلق من موازنة عادلة و منصفة بين مصالح الشعوب و المصالح الاقليمية و الدولية مما يعتبر مسؤولية كبرى على عاتق من يديرون السياسة في عالم اليوم ...