متى تنتصر الثورة في سورية؟

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

سؤال لايمكن الإجابة عليه بسهولة وتعقيداته المتشعبة , ولكن يمكن أن نختصر الإجابة عن السؤال الوارد في العنوان بكلمتين تبدوان من الوهلة الأولى مبهمتان ولكن سنبحث فيها ونرى فوائدهما على الأرض في الحاضر والمستقبل

هاتان الكلمتان هما

مكامن الضعف ومكامن القوة , عند النظام وعند الشعب السوري

مكامن قوة النظام السوري اعتمدت على عنصرين رئيسيين

عنصر داخلي والمتمثل بالجيش والأمن وتفريغ هاتين القوتين من العناصر الصالحة , واعتماد السلطة بشكل خاص بالسيطرة على هذين الجهازين الأمن والجيش من حيث اعتماد التمييز الطائفي بحيث جعلت قيادات الجهازين هم من طائفة الرئيس المخلصة له

استخدمت السلطة هذين الجهازين بكل قساوة واتباع شتى سبل الإجرام تجاه الشعب السوري والذي يعتقد النظام أن هذه الفئة أو تلك مهددة لوجوده , وتم التركيز على الطائفة السنية , بحيث شملت التصفيات من هذه الطائفة مايفوق ال95% في الثمانينان من القرن الماضي مقارنة بالطوائف الأخرى

وتعاود السلطة نفس الأسلوب السابق حاليا , ولكن ثقة النظام ضعفت بقوى الأمن والجيش في مقدرة الفريقين على التصدي للثورة , فاستعانت أولا بالمجرمين والمنتخبين على أساس طائفي والذين يطلق الناس عليهم باسم الشبيحة , ولما وجدوا أن إصرار الشعب على الثورة في تصاعد , فاستعانت بميليشيات طائفية شيعية , كعناصر من حزب الله في لبنان , وقد يكون من بين هذه المليشيات من العراق , وبخبراء من إيران ذات المنهج الشيعي الطائفي , هذه المليشيات مهمتها القتل والتمثيل والإجرام واعتماد النظام عليها نابع في أن اللبناني أو العراقي أو الإيراني لن يردعه شيء , وهذا ناتج في انه لايملك عاطفة تجاه القتلى فلاتوجد صلة قربى ولا صداقة ولا معرفة

في حين العناصر والقيادات الموجودة ضمن القوتين الأمن والجيش تحوي عناصر من كافة المجتمع السوري ويوجد الكثير من الطائفة العلوية يعارضون القتل والتصدي للشعب السوري بهذه الطريقة نتيجة للروابط المشتركة بين الفريقين , وروح الوطنية التي يتمتع فيها الكثير من أبنائهم

وهذا التحليل يقودنا للعنصر الثاني من عوامل قوة النظام وهو العامل الخارجي

وأهمها :

1-    الدعم الإيراني ومواليها من الأحزاب والتوجهات الشيعية في لبنان والعراق , وهذه الكتلة الداعمة للنظام السوري , وجدت نفسها في زاوية ضيقة جداً عندما بدأ التحرك الشعبي السوري ضد النظام , فسقوط النظام الطائفي السوري في سورية هو الضربة القاصمة للمشروع الصفوي الفارسي في المنطقة العربية , ونهاية عنجهية حزب الله في لبنان , وتغيير النظام السوري من نظام ديكتاتوري طائفي إلى نظام تعددي ديمقراطي والوطن السوري لكل أبنائه , وهو في هذه الحالة سيكون كسر نصل السهم الإيراني الممتد من طهران لبغداد إلى دمشق ثم لبنان

2-    دول الخليج العربي والتي ترى في سقوط النظام السوري تهديداً ينطلق من ناحيتين

الأولى تهديد مستقبلي في انتقال الثورات العربية لبلادها , والثاني مساومات مبطنة بين طهران ومجلس التعاون الخليجي في تقسيم النفوذ وترك دول الخليج وعدم تهديدها من طهران في مقابل ترك دمشق لها

3-    تأثير الكيان الصهيوني وخوفه من النظام القادم والبديل لهذا النظام , بحيث لن تجد إسرائيل نظاما يحمي حدودها كنظام بيت الأسد , والدليل على ذلك عندما دخلت مجموعات من الشعب الفلسطيني الجولان المحتل لم يجدوا حتى ألغام مزروعة من إسرائيل على الحدود لثقتهم العالية بالنظام السوري

مكامن القوة عند الشعب السوري والمنتفض ضد هذا النظام

تكمن في نقطتين رئيسيتين

1-    الثقة بالنفس هذه الثقة والمستمدة من أنهم على الحق وأن الشعب السوري قد تعرض وما زال يتعرض لأسوأ عوامل القتل والسلب والفقر والتهميش وأن هذا النظام ينظر إليه بأنه شعب خلق ليكون عبداً في مملكة النظام ولا يحق له المطالبة بشيء من حقوقه , وهو الذي يفكر عنه وهو الذي يحيه ويميته وأنه قادر على ذلك في أي وقت

فالثقة في النفس تكون هنا ناتجة من أنك أيها النظام الحاكم والمجرم مهما كانت قوتك , فقوتك مستمدة منا نحن , وأنه عندما نريدك أن تبق ستبقى , وعندما نقرر إزالتك فنحن قادرون على ذلك

فاليد التي تضربنا فيها هي يدنا نحن والجيش الذي تعتمد عليه والأمن هو جيشنا وأمننا نحن , والوطن لنا وليس لشخص أو مجموعة أشخاص

2-    الإصرار على الهدف , فطالما عرف الشعب السوري أنه أقوى من النظام ,والحاكم هو الشعب وهوالذي يصنع النظام وهو الذي يستطيع إسقاطه في أي وقت يشاء , بمعرفته ذلك سينضم المترددون والداعمون للنظام إلى الشعب ويجد النظام نفسه معزولاً , ويسقط لوحده أو بيد مؤيديه أو بيد شعبه الثائر

ولا بد للجميع أن يعي حقيقة مطلقة مفادها , لايمكن لأي نظام مستبد أن يقوم ويحكم مالم ينحني الشعب لحكمه , ولا يمكن أن يبق نظام مستبد في مكانه إذا الشعب تخلى عنه أو ثار ضده

وعلى قيادات الثورة الشعبية في سورية وفي المدن والمناطق كافة الإنتقال بثورتهم للمرحلة الثانية وهي المثابرة ليلاً ونهاراً ومحاولة تنظيف المدن من مقرات الأمن وأوكارها , فالحشود الكبيرة وتطويق مقرات الأمن تجعلها تستسلم , وبعدها سيأتي حتما دور الجيش , والجيش بدأ التململ داخله كثيراً , ومع استمرار التظاهر والسيطرة على الأوكار الأمنية وتنظيف المدن منها سيفقد النظام قواه كلها وهذه العناصر المستوردة من الخارج ستجد نفسها في جحيم يحيطها من كل مكان ولن يكون لها أثر يذكر إلا في بعض جرائمها المتعددة وحسابها سيكون حسب القانون الدولي فالمرتزقة لايعاملون معاملة أسرى الحرب

فالخلاصة :

القوة بيد الشعب والنظام مهما بلغت قوته سيتحطم على صخرة عزيمة الشعب الثائر وبالثقة بالنفس والعزيمة والإصرا ر لن يجد المجرمون في هذا الوطن سبيلا للحياة فيه, والله ناصر المظلوم لامحالة.