بيان الكتلة الوطنية السورية
بمناسبة انتفاضة 29 أيار عام 1945
يدعو قادة جيشنا الوطني لإسقاط النظام الوراثي
للحزب القائد، قبل فوات الأوان
بيان الكتلة الوطنية السورية بمناسبة انتفاضة 29 أيار عام 1945 يدعو قادة جيشنا الوطني لإسقاط النظام الوراثي للحزب القائد، قبل فوات الأوان، وإعادة نظام استقلالنا الوطني التعددي الحر في الفكر والسياسة والدين واحترام حقوق الإنسان والأقليات
يا حماة الديار ـ يا أبناء وأحفاد رجال الاستقلال والجلاء:
من المعلوم أن باريس سقطت بيد الزعيم الألماني هتلر في حزيران عام 1940 وأن سورية ولبنان وقعتا تلقائيا وكل المستعمرات الفرنسية في العالم تحت الاحتلال الألماني، وأصبحت موارد هذه البلدان في خدمة مصالح النازية ودول المحور.
ولأن النازيين وعملاءهم من الفيشيين الفرنسيين جعلوا من الوطنين السوري واللبناني جسرًا لعبور جيوش دول المحور نحو الشرق بعد أن انضم للنازيين شاه إيران رضا بهلوي ورشيد عالي الكيلاني زعيم ثورة العراق في نيسان عام 1941 وغيرهم من قادة الأحزاب القومية والإسلامية في ديار العرب والمسلمين، فقد تحالفت الكتلة الوطنية السورية اللبنانية مع الحلفاء شريطة نيل استقلال وطنيهما بعد انتهاء العمليات الحربية.
وفعلا بدأت العمليات العسكرية في حزيران عام 1941، وتم طرد الفيشيين عملاء النازيين بفضل رجال الكتلة الوطنية السورية اللبنانية.. ونالت سوريا ولبنان استقلالهما، وأجريت انتخابات حرة في سورية عام 1943 فازت فيها الكتلة الوطنية وأصبح شكري القوتلي رئيسا للجمهورية وفارس الخوري رئيسا للبرلمان وسعد الله الجابري رئيسا للوزراء.
ولكن الحكومة السورية اعتبرت أن هذا الاستقلال منقوص، لأن جيوش الحلفاء المتمثلة بقوات فرنسا الحرة كانت لم تزل على أرض الوطن، والجيش السوري كان يشكل جزءا من قوات الشرق الفرنسية،ولم يكن تحت إمرة الحكومة السورية إلا رجال الدرك.
وبعد انتهاء الحرب، نقضت حكومة فرنسا الحرة العهد والوعد، وراحت تطالب الحكومة السورية بتوقيع معاهدة تضمن استمرار وجود جيوشها على أرض الوطن، فرفض الرئيس شكري القوتلي وحكومته رفضا قاطعا توقيع أية معاهدة مع فرنسا، وطالبوا بخروج الجيش الفرنسي فورا، وانتفض شعبنا الأبي في 26 أيار عام 1945 انتفاضة الاستقلال التام ولجلاء الجيش الفرنسي عن أرض الوطن.. فأمر ديغول قادة جيوشه بقصف المنتفضين في كل محافظات القطر بالمدفعية والدبابات والطيران، وحتى المجلس النيابي السوري لم ينجُ من القصف الوحشي لقوات فرنسا الحرة، واستشهد تسعة من رجال الدرك المدافعين عنه.
وظل شعبنا السوري الأبي يقاوم قصف القوات الفرنسية على مدى ثلاثة أيام، والدمار والخراب والحرائق والموت تعم المدن السورية.. قال الشاعر شفيق جبري مؤرخا لانتفاضة أيار:
*يا يـوم أيـــار والنـــيران ملهــبة....على دمشق تـلظـيــــها جــلاميدُ*
*الطفل في المهد لم تهدأ سـريرته....مُروّع من لهيــب النــار مكدودُ*
والحقيقة هي أن طغاة فرنسا هددوا بقصف بيت الرئيس القوتلي إذا لم يُوقـِّع المعاهدة، وفي قصفهم الإجرامي للبرلمان كانوا يبغون اغتيال رئيس الوزراء سعد الله الجابري الذي كان من المقرر أن يجتمع مع حكومته في البرلمان وبحضور الرئيس القوتلي لاتخاذ الخطوات اللازمة لإيقاف تلك المجازر الوحشية لطغاة فرنسا والتي لا مثيل لها إلا مجازر النازيين ومجازر الصهاينة، وأيضا مجازر آل الأسد في حماة وتدمر في ثمانينيات القرن الماضي ومجازرهم، اليوم، التي أدمت الوطن على امتداده، من درعا جنوبا حتى القامشلي شمالا ومن بانياس غربا حتى البوكمال شرقا، وأدمت قلوب المؤمنين بالله والوطن والأمة.
ولكن سعد الله وحكومته لم يصابوا بأذى أثناء قصف البرلمان، لأنهم كانوا في طريقهم إلى بيت الرئيس شكري القوتلي، فالرئيس كان مريضا بقرحة معدية نازفة منعته من حضور جلسة البرلمان التي كانت مقررة بحضوره لاتخاذ التدابير اللازمة ضد هذا العدوان الغاشم.
وفي بيت الرئيس القوتلي اجتمعت حكومة سعد الله الجابري مع الرئيس وأصدروا قرارًا طالبوا فيه الحلفاء بالتدخل الفوري ووضع اتفاقهم المبرم مع الكتلة الوطنية عام 1941 موضع التنفيذ.
وجاء الرد مباشرة من رئيس وزراء بريطانيا العظمى ونستون تشرشل في برقية موجهة للجنرال ديغول، أذاعتها محطة الشرق الأدنى للإذاعة البريطانية من قبرص كما يلي: ((بالنظر إلى الحالة الخطيرة التي آل إليها الوضع في سورية ولبنان، وبالنظر للقتال الدامي الذي يجرى مؤخرا في سورية، فقد أمرنا، بالأسف الشديد، قائد جيوش الشرق الأوسط بالعمل للحيلولة دون إراقة دماء أخرى.))
ودخلت الدبابات البريطانية إلى شوارع دمشق بقيادة الجنرال سبيرس وأجبرت القوات الفرنسية على العودة إلى ثكناتها والاستعداد للرحيل عن أرض الوطن، واعتبر شعبنا السوري هذا التدخل البريطاني تحريرا وطنيا، ونثر الورود على الجنود البريطانيين الذين تلاحق مدرعاتهم فلول الجيش الفرنسي لتجميعه وترحيله، وأصبح الجنرال سبيرس مواطن شرف دمشقيا، كما يقول الدكتور بشير العظمة في كتابه جيل الهزيمة.
يا حماة الديار ـ يا أحفاد رجال الاستقلال والجلاء:
جاء في بيان الكتلة الوطنية في ذكرى الاستقلال والجلاء المجيدين لهذا العام: ((ونحن في الكتلة الوطنية، نخشى أن ينزلق "التحالف الجديد بين قادة البعث وقادة السوري القومي الاجتماعي" إلى مستنقع اللاعودة؛ ويقع النظام، لا سمح الله، بما وقع به النظام الليبي.. ومن هنا، فنحن نرفض رفضا مطلقا أن تكون سورية مُـلكا للبعثيين والسوريين القوميين الاجتماعيين وحدهم، بل هي ملك لهم ولكل أبنائها بكل أديانهم وطوائفهم وأحزابهم وأصولهم القومية وطبقاتهم الاجتماعية؛ ونوجه باسم الكتلة الوطنية هذه الدعوة إلى قيادة جيشنا الوطني وإلى الشرفاء في حزب البعث وأحزاب الجبهة لينضموا إلى ثورة الشباب.))
إلا أن النظام ازداد غطرسة وعنفا، وراح يدعي وجود مندسين وسلفيين جهاديين يقومون بقتل المتظاهرين وعناصر الجيش والأمن وبالاعتداء على الممتلكات العامة.. وكأننا لا نعلم أن للنظام شبيحة منذ سبعينيات القرن العشرين، وأن هذا الفعل المروِّع فعلهم !؟.
وباستمرار هذه الأفعال الإجرامية، وقع نظام الرئيس بشار الأسد بما كنا نخشاه، وانزلق إلى مستنقع اللاعودة، وراحت شبيحته تطوف أحياء معينة لطوائف معينة في المدن والقرى، تطلق الرصاص والصواريخ والقذائف المدوية، وتردد شعارات الموت لطائفة معينة وشعارات التهجير لطائفة أخرى؛ بينما تقوم قوات ماهر الأسد باحتلال وتمشيط أحياء المدن والقرى لطائفة معينة على امتداد الوطن، وتعتقل وتعذب وتهين وتذل وتقتل كل من تجده في طريقها يطالب بحريته وحرية وكرامة الشعب، وتقيم المقابر الجماعية.
إن هذا الفعل الإجرامي الذي يرتكبه النظام بحق أبناء شعبنا السوري الأبي والذي يعاقب عليه القانون الدولي، أفقد الرئيس بشار الأسد شرعيته الوطنية، وإذا ما استمر النظام بأعماله ألإجرامية هذه، فإن السيادة الوطنية السورية ستقع ضمن دائرة الخطر، وعندها سيُصدر مجلس الأمن الدولي قراراته مستندا إلى الفصل السابع، وهنا ستكون الطامة الكبرى.
ولأن الرئيس بشار الأسد فقد الشرعية الوطنية، ولأن شباب انتفاضة الحرية والكرامة مازالوا ينادون بوحدة الجيش والشعب منذ اليوم الأول لانتفاضتهم المجيدة في كل مدن وقرى الوطن؛ فإن الشرعية الوطنية أصبحت في أيديكم أنتم، يا حماة الديار، فما عليكم إلا القبول بها، والقيام بإلغاء النظام الجمهوري الوراثي للحزب القائد للمجتمع والدولة، قبل فوات الأوان، وإعادة نظامنا الجمهوري البرلماني التعددي الحر في الفكر والسياسة والدين والمذهب وفي احترام حقوق الإنسان والأقليات.
إنكم، يا حماة الديار، إذا ما قمتم بواجبكم الوطني والعربي والإسلامي والإنساني هذا، فإنكم تكونون قد أنقذتم الوطن، ومنعتم القادم الوخيم، الذي سيكون أوخم مما يجري في ليبيا القذافي، ومما جرى في عراق صدام، وما يجري اليوم في عراق المالكي.
فاحزموا أمركم، وانهضوا على بركة الله، فالوطن معكم، وشباب الثورة معكم، وشعوب أوطان أمتكم معكم.. والشرعية الدولية ستكون معكم كما كانت مع قادة جيش مصر العظيم.
والخلود لشهداء الوطن والأمة
الأرجنتين ـ بوينوس آيرس في 25 أيار 2011
ممثل الكتلة الوطنية السورية
الدكتور محمود حسين صارم