الشعب يريد إسقاط النظام
فاروق مشوح
هذه الكلمة هي الثانية تحت هذا العنوان وهو عنوان يستحق أكثر من حلقة ، في هذه السلسلة ؛ التي نتكلم فيها عن " يوميات ثورة الشعب السوري على نظام مستبد " .. لقد قلنا في الحلقة السابقة أن الهتاف الهادر لهذا الشعار الواضح بلا لبس ولا غموض ولا تردد ؛ هو مرحلة فاصلة في ثورة الشعب السوري على جلاديه ، وهو بداية لمرحلة جديدة ، كسر فيها الشعب الثائر حاجز الخوف ، واخترق جدار التوجس والتردد والاحتراس .. وهي نقطة إذا اجتازتها الشعوب في ثوراتها فقد انطلقت إلى الفضاء الفسيح ، الذي ترى فيها هزيمة الأنظمة الباطشة أمامها بلا زيف ولا تضليل .. وفي هذه الثورات العربية الأصيلة _ كما يقول أحد المعلقين _ : " ثمة وجه وطني قومي متمرد على التبعية والاستتباع والذل والاستكانة والتفريط والتخاذل ؛ ثمة وجه ديمقراطي أصيل عميق ملازم لها ، متمرد على التمديد والتوريث والتجديد ، رافض للفساد والاستبداد والشمولية والقمع والمصادرة ، ثمة وجه عروبي مقاوم لإسرائيل كيانا وعدوانا واحتلالا واستيطانا ، ومناهض لتبعية الحكام للقوى العالمية الكبرى ومحاولة إرضائها ، وثمة وجه ديمقراطي تنويري مشرق " ...
لقد أصبح يوم الأحد على سورية المقهورة وهي في مهرجان حافل من الاعتصام والاحتشاد والمظاهرة في كل من بانياس و منطقة الساحل بعامة ، ومسيرة حاشدة في درعا وقراها الناهضة ، واحتجاج غاضب أمام المستشفيات والمراكز الصحية والأمنية في دوما وقراها القريبة , ولا تسأل عن حمص والجزيرة وشرق سورية .. إنهم جميعا يسألون عن ذويهم الذين غيبتهم قوى ظلامية عن الوجود ووضعتهم بعيدا بعيدا وراء الشمس وليس لهم من ذنب إلا انهم خرجوا قبل يوم او يومين في جمعة الشهداء ؛ هاتفين بشعاراتهم لإسقاط النظام ، هادرين بحناجرهم لإزاحة الرئيس .. مطالبين بطرد الفاسدين ، وعزل المنتفعين الذين يدورون في فلك النظام ، متجاوزين مطالب الإصلاح السابقة التي بدؤوا بها احتجاجاتهم قبل أكثر من أسبوعين .. حتى أحبطها كلها رئيس مضطرب الحديث مهتز الثقة في النفس وفي نظامه المستبد ، مختلف في كلامه الذي ينقض بعضه بعضا .. فهل هناك مندسون _ كما زعم _ أم عناصر تسربت من الخارج تحمل المؤامرة .. و هل هو يريد إصلاح النظام ؛ أم أن النظام برأيه على أحسن ما يرام ...
لقد كان أزلام النظام وحواشيه الهاتفة بلا فهم ، وزُمَره المرددة بلا وعي ؛ أن الرئيس يريد الإصلاح ويسعى إلى التطوير.. ويستشهدون له بكلام _ فقد معناه منذ زمن طويل _ وهو ما يدعى بخطاب القسم ، وقد مضى عليه من الزمن أكثر من عقد وطوته الأعوام والسنون حتى نسيه الشعب الذي يئس من الإصلاح .. لقد كان الكلام الذي يشاع حول هذا الموضوع أن الرئيس يريد أن يحقق للشعب هذا الإصلاح ؛ لكنّ من حوله لا يستجيب له ولا يحقق مراده حتى كشفت الأحداث الأخيرة وعلى لسانه هو نفسه أنه هو المتصلب العنيد ، وأنه لايريد إصلاحا ، ولا يسعى إلى تغيير .. ذلك أنه قصير النظر ، ضحل التجربة ، عبثي التفكير ، لا يدرك مآل الأمور ، ولا ما يعنيه جمود المواقف التي لا تفضي إلى مخرج ولا تلبي مطلبا ولا تسمع نصحا ولا تحقق من آمال الأمة شيئا قليلا أو كثيرا .. إنه رئيس يمارس حكمه وحسب أما الشعب وحاجاته فهي بعيدة عن دائرة اهتمامه بعد الحقيقة عن الوهم ...
الشعب يريد إسقاط النظام ؛ شعار لبداية الثورة ، والحقيقية التي لا رجعة فيها ؛ كان الكلام قبل هذا الشعار ، تحركا يتمنى الشعب فيه أن يفيء الحكام إلى رشدهم ، ويرجعوا إلى مصلحة شعوبهم ويعودوا عن تماديهم في باطل ليس وراءه إلا الدمار .. إنهم لا يقرؤون الأحداث قراءة صحيحة ولا يفكرون في مآلات الأمور تفكيرا سليما ؛ ذلك أن العمى قد طمس أبصارهم ، وغطى على أفئدتهم وصرف قلوبهم عن الهدى حتى فاجأهم الشعب بصرخته المدوية " الشعب يريد إسقاط النظام " ...
الشعب يريد إسقاط النظام 4
" إذا كنتَ عاصفةً فقد لاقيتَ إعصارا " .. إذا كان النظام السوري العاجز المتخلف في سورية المجاهدة _ عاصفة _ ؛ وهو في الحقيقة دون ذلك ؛ فقد لاقى إعصارا شعبيا مزلزلا ؛ يحمل عزيمة الشباب الصاعد ، وإيمان الفتية الطموح ، وروح الفداء والتضحية .. ليواجه الباطل المختال ، ويتحدى العجز المتداعي ، ويدمدم على الفساد والتخلف والاستعباد " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ، فإذا هو زاهق ، ولكم الويل مما تصفون " ...
هذه حلقة أخرى تحت هذا العنوان الهادر بلا توقف ، الصامد بلا اضطراب ، النَيِّر بلا خفوت ، الواعي الذي يعرف ما يريد ، ويسعى _ جادا بلا كلل لما يريد ، ويحقق _ بإذن الله _ ما يريد ...
إن الشعب السوري الصامد الذي أعلن هذا الشعار ؛ بإيمان المجاهدين ، وعزيمة الصابرين ، ووعي العارفين ؛ يعلم أنه يواجه نظاما بَطَّاشا عاتيا ، من أحط ما عرفت البشرية ؛ من نظم الاستكبار والاستعلاء والتجبر والجمود .. وهو يحكم بلدا مثل سورية في موضعها الفريد ، وأوضاعها المختلفة المتشابكة ...
إن موضع سورية في منطقتها العربية ، بل في الشرق الأوسط عامة من أشد المواضع حساسية في العالم ؛ ليس بسبب تعقيداته الداخلية ؛ بل لأن تداخله في المنطقة ، وتداخل المنطقة فيه ، واشتباك العوامل المؤثرة سلبا وإيجابا يجعل من سورية منطقة شديدة الحساسية ، بالغة التعقيد بأكثر ما يتصوره المتابعون لهذا الشأن المهم على الخريطة السياسية ، وأكثر مما يدركه المحللون والمنظرون في علم المستقبل واستشرافاته القادمة .. إن النظام في سورية هذه ، يدرك ما يعلم شعبنا من هذه المتشابكات والتعقيدات ؛ التي يحاول النظام أن يستغلها لمصلحته في البقاء إلى أقصى مدى وأبعد حركة ، وأشد استمساكا بما هو عليه ؛ تشبثا بالوجود الراهن ، وجمودا على العقائد والمواضعات المتخلفة الفاسدة ...
لكن الشعب الذي يرفع شعاره الجريء ويحسم خطوته الأولى ؛ لم يقف ليحلل الموقف السياسي ، ولم يرجع إلى تنظير القابعين وراء المكاتب ؛ يطلقون للخيال العنان ، ويسرِّحون النظر في أفق الزمان والمكان .. إن ذلك الشعب الشجاع الأعزل خلَّف تلك السمادير الهائمة وراءه , وضرب بتلك التهويمات الفاسدة عرض الحائط ؛ فكان موقفه أن يفعل لا أن يقول ، وأن يقتحم لا أن يتردد ؛ إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة .. فإن فساد الرأي أن تترددا .. ثم أعلن رأيه مجاهدا بلا هوادة ، لأن الحياة عقيدة وجهاد ، ومن هنا فإن الشعب يريد إسقاط النظام ؛ وهذا هو السيف الذي يقطع الشك باليقين ، وهو الفيصل الذي لن يرتد إلى غمده حتى يأذن الله بنصره ، أو يتخذ منا _ نحن الشعب الأعزل _ شهداء ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .. صدق الله وكذب الظالمون ...
الشعب يريد إسقاط النظام 14
وهذه ثالثة ؛ تحت هذا الشعار الحاسم ، القوي الجازم ؛ إنه البداية المباركة ؛ فإمَّا حياةٌ تسر الصديق ، وإمَّا مماتٌ يغيظ العدا ؛ بل يَسُرُّ الشعب السوري المتطلع إلى الحرية ، التي حرمه المستبدون منها ، وحال الفاسدون والطغاة بينه وبينها .. إذن فهو اندفاع إلى الأمام بلا رجعة أو نكوص ، وهو تضحية وفداء ، بلا تخاذل أو ارتكاس .. لقد شهد يوم الأحد الفائت تشييع كوكبة من الشهداء في دوما وما حولها ؛ ثمانية ، أحد عشر ، أو أربعة عشر .. تعثرت وكالات الأنباء واضطربت أخبارها حول الرقم الحقيقي ؛ لإننا امام نظام مجرم كذوب ؛ لا يمكن أن يقدم لك الحقيقة ؛ ثمانية هنا ، وواحد او اثنان في عِربين .. وما عِربين ..! قرية صغيرة على حواشي غوطة دمشق ، وأما " سقبا " فقد أبت إلا أن تكون في موكب التشييع اسما يسجل حضوره في ثورة شعبنا .. برغم كل التجاهل والإهمال .. ولن أحدثك كثيرا عن الجرحى ؛ وقد عدتهم الأخبار بمائة أو يزيدون ، وأنا أقول لك إن المصابين من أبناء شعبنا السوري الثائر ؛ حتى تاريخ اليوم الخامس بعد خطاب رئيس العصابة الحاكمة ، وتصفيق المنافقين والهتافين له _ بمظهر متخلف بائس _ يزيدون على خمسمائة مصاب .. تقحموا ساحات الثورة يطلبون الشهادة ؛ وقد كتب الله لهم الجراح وحسْبُهُم وساما على صدورهم ، وشارة عز على جباههم ، وداعية عزم وتصميم في نفوسهم .. ولا يعلم أجرهم _ وما أعد لهم _ إلا العزيز العليم .. إنها جراح في النحور وإصابات في الصدور ؛ فهم مقبلون غير مدبرين ، لإنهم يطلبون أعزَّ ما يتمنى المؤمن _ في رضاء ربه _ وهي الحرية الغالية والعيش العزيز الكريم .. أَقبلوا في ثورتهم وهم يرددون : "عِشْ عزيزا أو مُتْ وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود" ...
هذا هو شعبنا السوري الأبي " يريد إسقاط النظام الذي جثم على صدره نحوا من نصف قرن من الزمان ؛ بوسائله المتخلفة من حزب باغٍ خؤون ، وفئة منعزلة متخلفة ، وأجهزة قمعية لئيمة حاقدة ، كلها على اختلاف وسائلها ترفع شعارات عفى عليها الزمن ، وشرب فيها الدهر حثالات كؤوسه ، وبقايا مخلفات دروسه ؛ من تحرير بلا تدبير ، وتمرير بلا تفكير ، ومقاومة خاوية بائسة بلا ممانعة صادقة ، ومجابهة لعدو صائل خدَّاع هو أكبر المرتاحين لهذا النظام ، ومن أول المدافعين عنه والمطمئنين إليه .. بعد كل هذا الذي يراه شعبنا من حاكميه ، ويعاينه من جلاديه ، ويقع فيه من قاهريه ؛ تفريط في الحقوق ، وطمع في المكاسب ، وجشع في المطالب ، وإهمال للفرد والمجتمع .. بعد هذا كله ؛ هل يمكن لهذا الشعب المنتفض الثائر ؛ إلا أن يرفع شعاره الصادق : الشعب يريد إسقاط النظام ، ويستمر فيه ويحقق معانيه بلا مراجعة أو استكانة أو استخذاء .. " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " صدق الله العظيم ...