سورية.. دماء في ساحات الحرية

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

"ملاحم الصمود  تصنعها الشعوب بدمائها ، وعروش الطغاة يدكها الثوار بحناجرهم الصاخبة " الشعب يريد إسقاط النظام " ، ومدافع المستبدين يتصدى لها الأحرار بصدورهم العارية "، هذا مخلص قصة ثوراتنا العربية التي اندلعت في منطقتنا العربية التي تستحق أن تعلن منطقة منكوبة لما تشهده من مجازر ضد الشعوب بأيدي الأنظمة المستبدة في ليبيا واليمن وسوريا حتى كتابة هذه السطور ، ولأجل لا يعلمه إلا الله ،  ومن بين هذه المشاهد الدامية في المنطقة ، مشهد الثورة السورية حيث بات أمراً مألوفا خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن والبلدات السورية بعد صلاة الجمعة ، وكذلك إقدام كتائب البعث المجرم على إطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالتغيير الديمقراطي وإطلاق الحريات، لكن الجديد هذه المرة في المشهد السوري يتمثل في اتساع دائرة الثورة ، مما يدحض أكاذيب من يقول أن حدة الاحتجاجات بدأت تتراجع بسبب نجاح الحلول الأمنية التي تستخدمها السلطة القمعية وأجهزتها الإجرامية في سورية .

الأرقام التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأنباء والمواقع الإخبارية عن حصيلة الشهداء المتزايدة كل جمعة تشير إلى زيادة رقعة الثورة التي قوبلت بكل وسائل القمع اللانساني من جيش حزب البعث السوري الذي خرج عن مهمته الوطنية بحماية شعبه وتحرير جولانه المغتصب ، إلى قتل أبناء الشعب السوري بدم بارد لحماية كرسي حاكم مستبد تحوطه جوقة من الدمويين .

ومن يتابع المشهد يجد أن الثورة امتدت إلى المناطق الشمالية الشرقية، وبالتحديد تلك ذات الكثافة الكردية العالية، في دير الزور والقامشلي وهذا كفيل بتزايد زخمها وفشل قمعها وقرب تحقيق أهدافها.

أضف إلى ذلك استقالة الشيخ العلامة كريم راجح شيخ قراء بلاد الشام، على الهواء مباشرة، احتجاجاً على التعامل الأمني القمعي مع المصلين رواد المساجد، بسبب منعهم من أداء فريضتهم تحت ذريعة الخوف من مشاركة هؤلاء في مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة.

ونزول الأكراد وبمثل هذه الكثافة إلى ساحة الاحتجاجات الجمعة الماضية يعكس تغييرا في موقف الأكراد ربما تترتب عليه انقلاب في المشهد يفسد حسابات نظام الأسد . فقد اتسمت المناطق الكردية في الشمال السوري بالهدوء التام طوال الأسابيع الخمسة الماضية، مع بعض الاستثناءات المحدودة هنا وهناك.

وفى نفس الوقت يؤكد فشل خطوة الرئيس السوري بشار الأسد بإصدار مرسوما بمنح 200 ألف كردي الجنسية السورية، لأنها كانت مجرد هدنة مؤقتة بدأت تتساقط أحجارها بشكل متسارع مؤكده أنه دورهم في القمع مؤجل إلى حين .

استمرار عمليات القتل والقمع الوحشي الرهيب للمتظاهرين يغذى  أنفاس الثورة ويصعد لهيبها في كل الأحياء والبلدات ، لأن فاتورة الدماء صعبة الأداء ، بل تكاد تكون مستحيلة إلا بالقصاص والمحاكمة العادلة وهذا هو ما يطالب به الشعب الذي سالت دماء أبنائه بدم بارد دون ذنب أو جريرة ، سوى التطلع إلى الحرية التي كفلها الله لعباده وأكدت عليها الدساتير والمواثيق والعهود الدولية المختل ميزانها عندما تكيل قضايانا العادلة والمشروعة .

فمازال هذا النظام القمعي يجهل أو يتجاهل أن استمرار انطلاق مواكب جنائز الشهداء  يؤجج مشاعر الغضب، وقديما قالوا:  "بيننا وبينهم الجنائز"، ولكن هذا المرة بمفهوم مختلف فلقد صار بين الشعب والنظام ثأر مستحق الوفاء بالمحكمة العادلة وهو دم الشهداء .

يمكن القول أن النظام البعثي الدموي في سورية دخل في دائرة مرعبة لا مخرج منها سوى الرحيل والغياب التام عن المشهد لأنه مازال يجهل أنه "لا حوار مع الدبابات" التي امتلأت بها شوارع المدن الثائرة، مثل حمص ودرعا وبانياس، وبعض بلدات ريف دمشق.

يكذب من يقول أو من يصدق أن الرئيس السوري أصدر أوامره إلى قيادة الأجهزة الأمنية بالكف عن عمليات القتل، وإلا ما تفسيره تزايد أعداد الشهداء كل يوم ، ومن المسئول عن إصرار قادة الجيش  على المضي قدما بنهجهم الدموي في التعامل مع الثوار ؟!

استمرار نزيف الدماء ، وتوالى مواكب الشهداء ، واستمرار الجيش في هذا المسلسل الدموي لا ثمن إلا الحرية ، والحرية المستحقة وغير المشروطة ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .