على هامش سقوط معسكري: الحامدية، و وادي الضيف

على هامش سقوط معسكري:

الحامدية، و وادي الضيف

محمد عبد الرازق

شكل معسكر وادي الضيف ما يشبه الأسطورة عند النظام والثوار معًا؛ حتى بات سقوطه مجرد خيال في أذهان المؤيدين، وفئة غير قليلة من الثوار.

 أما في جانب النظام، فلطالما تغنى مؤيده بصمود المعسكر، وأطلقوا عبارات وشعارات تدل على ذلك ومنها (راح الشتا وإجا الصيف، وباقي بإدلب وادي الضيف)، وقد عمق من قناعتهم تلك الهجمات المتكررة على المعسكر، التي كان معظمها يتوقف بعد أيام، أو يفشل لسبب أو لآخر.

 وفي جانب الثوار، كانت قصة وادي الضيف أشبه بمسلسل (وادي الذئاب)، حلقات طويلة جدًا، حتى يكاد المتابع يشك بأنها ستنتهي، وقد زاد هذه النظرة التشاؤمية سوداوية تلك المعارك التي كانت تشن تباعًا على المعسكر، وقيل في أكثر من مرة: إنها كانت بهدف (التصوير)؛ لاستدرار الدعم المادي والتسليحي، مقابل عمليات (خُلبية).

 ولكن المعركة التي انطلقت قبل أيام، بدت شيئًا مختلفًا؛ نظرًا لحجم الحشد التسليحي فيها، الذي فاق في باب المدرعات وحده 20 دبابة، فضلا على مضادات الدروع ومدافع الهاون والرشاشات بأنواعها.

 و قد نهض لهذه المهمة الثقيلة كتائب عدة من أحرار الشام، و جبهة النصرة، و جند الأقصى، و الفرقة 13، و فيلق الشام، و هناك أعداد أخرى غير هذه.

 ومع ساعات الصباح الأولى ليوم الاثنين: 15/12/ 2014م تم الإعلان عن تحرير معسكر وادي الضيف؛ فسقطت الأسطورة، وسقطت معها كل الكوابيس التي كانت تؤرق أهالي الريف الإدلبي الجنوبي المحيط به، وسقط رهان النظام ومؤيديه وشعاراتهم، وسقط أيضا تشاؤم المتشائمين من (الثوار).

 و في المساء لقي معسكر الحامدية المصير ذاته، ومع هذا السقوط المزري لقوات النظام انسحب أو توارى معظم المؤيدين عن شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لم يعد لديهم ما يقولونه عن أسطورة الشمال السوري؛ و بذلك طويت صفحة قصفه وجرائمه كما انطوت قبل ساعات صفحة وادي الضيف، و تنفس أبناء المنطقة الصعداء، و أصبح بإمكانهم مزاولة حياتهم اليومية بعيدًا عن القصف الذي كان يطالهم منهما، و هم بانتظار الإنجاز الأخير لأبنائهم الثوار، المتمثل بإزالة معسكري القرميد، و الطلائع.

 إنّنا و نحن نتابع مجريات الأحداث هذه، نودّ أن نلفت الانتباه إلى جملة من الأمور، أخذت تتردد على هامش هذا السقوط المبارك لهذين المعسكرين، ينبغي الحذر منها؛ لأنها تنمّ عن أشياء سنحملها بداية على محمل حسن الظن، منها:

1ـ نسبة ما حصل إلى مجاهدي جبهة النصرة ( بشكل رئيسي)، و أحرار الشام، و غض الطرف عن الكتائب الأخرى المتكاتفة معها.

2ـ تصدر مشهد إعلان الانتصار، و التعليق على الحدث للدكتور محمد المحيسني، و هو أمر كان يتجاوز الخصوصية المحلية للثورة السورية إلى البعد العالمي، المرتبط بأجندات تنظيم القاعدة المرتبطة به ( النصرة )، و كان الأجدر بالشيخ الفاضل أن يدرأ عن الثورة السورية ما لحق بها من هذا الأمر من تداعيات أطالت من عمرها، و فضت عنها سامر القوم؛ فيترك هذه المهمة لأبنائها السوريين، و ذلك تمثلاً بنصيحة الدكتور عبد الله عزام لإخوانه الذين كانوا يهمون بالالتحاق بالجهاد الأفغاني ( لا تحدثوا في إخوانكم الأفغان أمرًا غير ما ألفوه، فاتركوهم على مذهبهم الحنفي، و لا تتصدروا المشهد دونهم؛ فالقضيةُ قضيتُهم، و أنتم ضيوف عليهم ).

3ـ تغيير الواقع المألوف لدى السوريين؛ فهم إلى صبيحة الاثنين يعرفون هذا الوادي بـ ( وادي الضيف )، و هو اسم لا يقل جاذبية عن أسماء الأماكن في جزيرة العرب، و له خصوصية تدل على كرم أبناء المنطقة؛ فإذا به يصبح في العشية ( وادي الإسلام ) على لسان الدكتور المحيسني، فما أشبهه بمحافظة الرقة التي أصبحت ( ولاية الخير) على لسان البغدادي.

4ـ التهرب من الإجابة عن رغبة ( النصرة ) في التمدد على حساب الأطراف المحلية الأخرى، و السعي لفرض أجندة معينة تتقاطع مع الأجندة التي قامت من أجلها ثورة السوريين؛ فما أحرى بالشيخ المحيسني أن يتمثل إجابة المستشار قيس الشيخ ( رئيس مجلس قيادة الثورة )، و على قناة أورينت نفسها، في برنامج ( حوار داخلي )، بعد مقابلته معها في برنامج ( تفاصيل ): ( نحن تكتلٌ عسكري يسعى لتوحيد الجهود لإسقاط نظام الأسد، و لسنا مخولين أن نتكلم عن شكل المرحلة القادمة؛ فهذا أمرٌ متروك للسوريين يقررونه في انتخابات عامة يجرونها حينها ).

5ـ السعي بطرف خفي للنيل من الائتلاف الوطني لقوى الثورة، و الفصائل الأخرى التي هشمت كثيرًا من جبروت هذين المعسكرين على مدى أشهر سبقت؛ و ذلك من خلال الإشارة إلى وجود صواريخ ( تاو ) الأمريكية بحوزة جنود النظام فيهما، فسوق السلاح السوداء مفتوحة للنظام أكثر من الثوار، و هو أمر يعرفه الشيخ المحيسني أكثر من غيره؛ فكان حريًا أن يتريث في مثل هذه الاتهامات المبطنة.