أسئلة ما بعد التوقيع
صلاح حميدة
احتفل الكثير من الفلسطينيين والعرب بتوقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية في القاهرة، وساد جوٌ من التّفاؤل المشوب بالحذر في أوساط الفلسطينيين، انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع.
تبدو الأمور حتّى الآن سائرة باتّجاه جيد على صعيد الحرّيات السّياسية الميدانية في الضّفة والقطاع، وباتت رايات كل من الفصيلين ترفع بلا خوف، وتخرج المسيرات بلا استهداف، ووسائل الإعلام الفصائلية تتحرّك بلا مضايقات، وهذا شيء جيّد يبنى عليه، وهناك حذر كبير في كلام النّاطقين بلسان الفصيلين ووسائل إعلامهما حيال تعكير الجو التّصالحي حتى اللحظة.
يبدي العديد من القادة والمفكّرين يقظةً غير طبيعية حيال ما سيجري من حوار حول تطبيق الإتفاق، ويتهامسون فيما بينهم حول تفاصيل مخاوفهم من الشّياطين التي تكمن في التّفاصيل، ويتخوّفون من أن تنقضي السّنة وهم يتفاوضون ويتحاورون ولا يتّفقون، فما جرى في القاهرة عبارة عن ( صلحة) كما يقال، أو عبارة عن ( زواج متعة) محكوم بسقف زمني حتى أيلول، كما قال بعض المتشائمين من إمكانية تطبيق ما وقّع عليه، فالاتفاق لم يعالج التّفاصيل الخلافية التي فجّرت الموقف بين الجانبين بعد اتفاق مكّة، كما يرى أصحاب هذا الاتجاه في التّحليل أنّ التّوافق السّياسي والأمني حيال المرحلة المقبلة صعب للغاية، ولكن إن تمّ هذا التّوافق بطريقة مؤقتة حتى استحقاق أيلول في الأمم المتّحدة، وحاز الفلسطينيون على ما يريدونه من اعتراف دولي بدولتهم على الجزء المحتل من فلسطين عام 1967م، وأشرقت شمس اليوم التالي وهم تحت الإحتلال، فعلى ماذا سيكون حال الفصيلين؟ ولأي وجهة سيتّجهان؟ وبأيّ استراتيجية سيعملان؟.
إملاءات اللجنة الرّباعية
فيما يخصّ رفض إملاءات اللجنة الرّباعية والدّولة العبرية، وتوقيع الاتفاق بخلاف رغبة هؤلاء، أو من لا يريد الإتّفاق منهم، هل هناك توافق على طبيعة التّصدي للضّغوطات في مرحلة يكون فيها القرار الفلسطيني "مستقلاً"؟ وكيف سيتعامل الفصيلان مع الأزمة المالية المفتعلة بعد توقيع الاتفاق مباشرةً؟ وهل ما جرى في القاهرة من استعداد لدفع ( أي ثمن للمصالحة) شجّع بعض الأطراف الإقليمية والمحلّية والدّولية لتساوم الشّعب والفصائل التي اجتمعت في القاهرة، بين أن تتوافق على حكومة بلون تريده إسرائيل، أو لا أموال؟ وهل تجربة خرق الحصار التي جرت في القطاع كفيلة بتطويرها في ظروف أفضل من تلك التي في غزّة، لبناء اقتصاد مقاوم لا يخضع للابتزاز السّياسي المبني على الدّيون، والرّفاهية، والكماليّات، وإهمال المشاريع الإنتاجية التي تثبّت الفلسطيني في أرضه؟ ولماذا لا يصار إلى تعيين رئيس وزراء ونائب له في كل من الضّفة والقطاع يحملان منهج تفكير ومشروعاً لبناء مجتمع مقاوم اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وأمنياً، وشعبياً ، بأدوات يتم تطويرها بالتّوافق؟ ولماذا لا يتم اختيار رئيس وزراء كالبرفسور عبد السّتار قاسم أو جمال الخضري، بما أنّ المرحلة مرحلة توافق على رفض الإملاءات الخارجية، كما يعلن؟ وهل القوى الفلسطينية مجتمعة، تقف أمام خيار كسر عظم بينها وبين الخيار الإسرائيلي، الذي يريد مساومتها بين الرّواتب وبين الشّروط الإسرائيلية؟ وماذا سيكون خيار تلك القوى؟.
الانتخابات المقبلة
فيما يخصّ الانتخابات المقبلة، كيف ستكون ظروفها؟ وما هي ضمانات نجاحها ونزاهتها وشمولها للرئاسة والتّشريعي والوطني والمحلّيّات؟ وهل ستسمح دولة الإحتلال بتنظيمها في الضّفة في ظل استهداف أحد الفصيلين ومنعه من أي قدرة وفاعليّة جماهيرية؟ فكيف ستكون نتيجة الانتخابات؟ وهناك من يتساءل عن كون الاتفاق استثنى فوز طرف في الإنتخابات، وأنّ الاتفاق بني على أساس أنّه لم تجر انتخابات أصلاً، ولم يعترف بنتائجها، فهل هناك ضمانة لقبول نتائج الانتخابات إقليمياً وعالمياً مهما كانت؟ وهل المقدّمات تنبىء بالنّهايات؟ وهل انتخابات تجري في ظل حصار وتهديد بقطع المال عن الشّعب الفلسطيني ستكون نزيهة؟ وكيف سيصل الفصيلان ومن معهما من الفصائل لحل هذه المعضلة؟ وإذا رضخ الفصيلان لمنطق فرض سياسة تعيين من يجلب الرّواتب وتهميش السّياسة والفصائل، فما الّذي سيقدّمانه في الانتخابات القادمة للشّعب أمام دعاية انتخابية تقوم على أنّ من يجلب الرّاتب هو معبود الجماهير؟.
دور الوسيط مجدداً
قال الطّرفان إنّ القاهرة تتعامل بروح إيجابية مع الطّرفين مما مهّد للاتفاق، ولكن هناك من رأى أنّ الوسيط المصري أصرّ في خطابه وسلوكه على نزع الشّرعية القيادية والانتخابية عن طرف معيّن وأسبغها على الطرف الآخر، وحرص على صياغة المشهد التّصالحي بقطبيّة واحدة، وجعل البقيّة في موقع المشاهدين لا الفاعلين، بل يرى البعض أنّ التّعامل مع الطّرف الآخر، في معادلة الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، تمّ بضيق صدر شديد، حتّى أنّ المتحدّث في القطب الثّاني من الخلاف طولب بالاختصار في الكلام، وكأنّه غير مرغوب فيه، وهذا عزّز الصّورة التي نقلت من أطراف فلسطينية بأنّ التّغيير في مصر جرى في الوجوه فقط، وأنّ الطّرف المخابراتي هو الّذي لا يزال يمسك بالملف الفلسطيني، وتمّ تهميش الخارجية، وأنّ الملف يدار باستراتيجية مشابهة لما كان قبلاً، ولكن مع بعض الكلام المعسول. كما تمّ فرض إقصاء السّياسيين عن مشهد تشكيل الحكومة، وفرض على الأغلبية السّاحقة من كل الفصائل في التّشريعي منح الثّقة لحكومة لا قاعدة شعبية ولا برلمانية لها؟.
غزّة: كسر الحصار وإعادة الإعمار
أُطلق الكثير من التّصريحات المصرية حول فتح معبر رفح وكسر الحصار عن غزّة، وتصرّ الحكومة الإسرائيلية على استمرار حصار غزة، ولكن في الحالة المصرية، تفيد الأرقام أنّ أعداد الفلسطينيين الذين تمنعهم السلطات الأمنية المصرية من السّفر عبر أراضيها، تضاعف عدة مرّات في العهد الجديد، وأنّ التّحسن في بعض الظّروف الشّكلية رافقه معاناة أشد، وهذا أمر يثير التّساؤل؟ والغريب أنّ الوعود التي قطعت لفتح معبر رفح بشكل كامل، وكسر الحصار، ورفع المعاناة التي ترافقت مع الاتفاق المفاجىء عن المصالحة، تبخّرت وبقي الحال على ما هو عليه حتّى الآن؟ فهل ستستمر الأمور على هذا الحال ويمنع إعمار قطاع غزّة حتّى الإنتخابات القادمة؟ وما الّذي سيكون عليه موقف الفصيلين من هذا الموضوع؟ وهل ستوضع أمامهما معضلة الاختيار بين الخيار الإسرائيلي لطبيعة النّظام السّياسي الفلسطيني مقابل الإعمار؟.
منظّمة التّحرير
أمّا منظّمة التّحرير، فهناك من يرى أنّ الاتفاق ينص على تشكيل لجنة فصائلية لا إلزامية لقراراتها على اللجنة التنفيذية لمنظّمة التّحرير، وبالتّالي فهي لا قيمة لها ولا لقراراتها، كما يقولون، والقول الفصل سيكون للجنة المنظّمة التّنفيذية فقط، لأنّ صلاحيّات اللجنة الفصائلية تختص فقط ( فيما لا يتعارض مع صلاحيات منظّمة التّحرير) وبهذا ستكون اللجنة التّنفيذية مطلقة اليد في اتخاذ ما تراه من قرارات، أمّا اللجنة الفصائلية فستكون في صف المشاهدين والمراقبين فقط. فحتّى نهاية السّنة ما الّذي سيكون عليه المشهد الفلسطيني المحلّي والإقليمي؟ وهل ستسمح القوى الإقليمية والدّولية وبعض المحلّية للفصيلين بإعادة تشكيل المنظّمة بما يضمن تمثيلها للكل الفلسطيني؟.
السّؤال الكبير في المشهد منذ التّوقيع على ورقة المصالحة وحتّى الآن هو، لماذا يتمّ العمل على فرض إرادة غريبة على الشّعب الفلسطيني وفصائله جميعها، تقتضي أن تسلم رقبتها ومصيرها لمجموعة من الّذين يسمّون بالمستقلّين؟ وهل الشّعب الفلسطيني عاجز أن ينجب مسؤولين لحكوماته غير من يسقطون علينا بالبراشوت الأمريكي؟ وهل فقدت كل التّنظيمات والمؤسّسات الفلسطينية الأهلية لتفرز من يقود الحكومة الفلسطينية إلا فلان أو فلان؟ ولماذا تتم محاولة إجبار ممثلي غالبية الشّعب الفلسطيني على الرّكوب في قطار لا يعرف أحد وجهته؟ يقوده من تريدهم أمريكا وإسرائيل فقط؟ وهل سيوافق الفلسطينيون على تسليم قيادهم لهؤلاء؟ أم سيتّخذون قرارات مصيرية ترفض هذه الإملاءات؟ وهل السّير في هذا الطّريق يهدف لجعل الشّعب الفلسطيني يصل لقناعة بأنّ الهدف الأكبر له ولفصائله هو تسليم القيادة لمن يستطيع تقديم الرّاتب لهم نهاية الشّهر، حتى لو كان ثمن ذلك بيع فلسطين بأكملها، والسّير في برنامج نتنياهو الاقتصادي، الّذي ما هو إلا تعبير عن برنامج روابط القرى سيّء الذّكر، ولا مانع أنّ نسمّيه إمبراطورية.. وليس فقط دولة ؟!.