الادعاءات والمواقف والنتائج

الجزء الأول

م.نجدت الأصفري

[email protected]

شعوب المنطقة العربية أكثر شعوب العالم ضحية لأنظمة حكم شمولية دموية تستند في بقائها على إرعاب شعوبها  بالبطش والظلم وكتم النفاس ، لا تعرف شعوب هذه المنطقة ما إذا كانت أنظمتها تنتمي لنظام جمهوري كما هو معروف عالميا بأنه حكم الشعب بالشعب ولا هو ملكي ديمقراطي كالنظام البريطاني أو البلجيكي يكون الملك أو الملكة رمزا يقوم بتكليف حزبا من الأحزاب القائمة على ساحة الوطن ممن يحصل على ثقة الشعب من خلال برامجه السياسية المطروحة بما يتناغم مع تطلعات الشعب في وقتهم الدارج ليقوم طاقم من وزراء مؤهلين بالعلم والخبرة اللازمة لتحقيق البرنامج المطروح فيدير دفة الحكم لتحقيق ما وعد به في برامج ترشحه 

يترنح الوزير المكلف بحقيبة ما  إذا فشل في تحقيق ما وعد به فيستقيل أو يقال ، وبعضهم ينتحر علنا عقوبة لنفسه إذا أغراه المنصب فاقترف جرما يسيء لحزبه ووزارته وناخبيه الذين منحوه ثقتهم لحمل أمانة تنفيذ الرفاهية للشعب ، وهناك أمثلة ليس المجال لذكرها هنا 

وحتى لا يتشعب الحديث عن مجمل المنطقة العربية وأترك لكل مواطن فيها الحديث عن ملاحظاته عن النظام القائم عندهم ، لهذا سيكون حديثي عن الحكم القائم في سوريا خلال نصف القرن الماضي والذي عشته ضنكا مع جميع أفراد الشعب الصابر

مع أننا ندعي أن لنا حكم جمهوري تنفصل فيه السلطات الثلاثة ((التشريعية والقضائية والتنفيذية)) يقوم على إنتخابات شفافة ديمقراطية حرة لبرلمان يمثل الشعب ثم وزارة مكلفة لتنفيذ برنامج تطوير وتحديث المجتمع بما يتناسب مغ الطفرات العلمية والإقتصادية في عالم اليوم ، ورئيس ينتخب مباشرة من الشعب يقود المجتمع إلى المستوى المرجو والغد المأمول للأجيال القادمة 

دأب الرؤساء على إلقاء بيان يرسم ما سوف يحققه الرئيس للشعب ، يحمله كل ما تملكه اللغة العربية من كلمات منمقة ومعسولة وشعر رقيق ووصف خيالي حتى يشعر السامع أننا على أبواب جنة خلد أو المدينة الفاضلة ، لكننا ولسوء الحظ تتابع علينا زمرة تنكرت لأبسط الحقوق للشعب متبعة أساليب عنيفة محصلتها آلاف القتلى والمغيبين في سجون لا توصف فظاعتها  أمتدت سنوات طوال بلغت في بعضها ما يقارب الأربعين سنة ، افتتح هذا الطراز من الحكم الشمولي الرئيس الراحل ( حافظ أسد ) يسانده أخاه ( رفعت أسد ) ومجموعة من أقربائه من الحلقة الأولى في العائلة ، ما لبث أن دب الخلاف بين الأخوين فأبعد رفعت وبقي حافظ إلى أن توفي وورث كرسي الرئاسة لإبنه القاصر ( بشار ) بعد أن توفي أبنه الكبير ( باسل ) الذي أعده للوراثة فتم استدعاء الأبن الأوسط من قبل أجهزة الأمن المسيطرة على كل منافذ الدولة وأبوابها    ومما يخجل أن البرلمان الذي يفترض به تمثيل الشعب وحرصه على مصالحه قام بتمثيلية نادرة عام التوريث 2000عندما ظهر المتحدث بأسم المجلس يعلن أنه في أقل من خمس دقائق ، وافق المجلس بالإجماع على تديل مادة الدستور التي تحدد عمر الرئيس بأربعين عاما لتصبح 34 عاما وهو عمر بشار آنذاك

لم يعرف الشعب السوري الإنتخابات ، بل استبدلت بالإستفتاء ، وتلك قصة عجبا ، ذلك أن ورقة بحجم راحة الكف مكتوب عليها ((( هل توافق على ترشيح بشار اسد لفترة رئاسية أخرى ))) وعليها دائرتين أحداهما تحوي[ نعم] والأخرى تحوي [لا] موضوعة على شكل رزمات على طاولة أمام عسكري يجب املاءها أمام ناظره ، وقد يقوم العسكري بنفسه بتعبئتها نيابة عن المستفتى دون سؤاله، ولو اعترض صاحب الشأن على ذلك  كان نصيبه الضرب والسجن والعقاب الأليم ، وكان من ابتكر الإستفتاء هو حافظ أسد حيث استخدمه لأكثر من 30 عاما حتى رحل

لم يقدم نظام حافظ أسد أو وريثه للشعب سوى وعود فارغة المضمون ولم ينفذ شيئا يحسب في رصيد المواطنين ، لقد أفلست المصانع ، وتأخر الإنتاج الزراعي ، ودمرت صروح العلم والمعرفة بتوكيل إدارتها لمن يقدم الولاء لا لمن يقدم الإنتاج ، وسيطرت مجموعة من المقربين على وسائل الإنتاج واحتكرت مصادر الدخل القومي ولم يعد العمل تحت سقف ارهابي ممكنا أومرغوبا من قبل الإدارات الأمنية التي تجاوز عددها الرئيسي 17 نوعا ويقوم بخدمتها ما يقارب نصف مليون مخبر حيث أصبح مصدر رزقهم مرتبطا طرديا بمقدار ما ينكبون الأبرياء من الناس كي يحصلوا على رضا رؤسائهم ولهم فروعا لا تحصى في كل مدينة وقرية ، بل حتى في كل شارع في المدن الكبرى وتحوي هذه المراكز سجونا وزنزانات تحت الأرض يمارس فيها كل أنواع التعذيب الوحشي الذي يندر أن يخرج من يطبق عليه سليما جسديا أو فكريا 

بكلمة واحدة تصف حالة الشعب السوري تحت حكم هذه العائلة الدموية ( كل مواطن متهم حتى تثبت براءته) لهذا يندر أن تجد في طول البلاد وعرضها عائلة نجت من نكبة انتكبتها على يد هذا النظام وزبانيته ، وقد اتبع أساليب كثيرة تمكنه من تمكين قبضته على البلاد والعباد نوجزها بما يلي 

تفقير معظم أفراد الشعب على مبدأ جوع كلبك يتبعك وشغل الناس بلقمة عيشهم صعبة الحصول والوصول إليها

إشاعة سوء العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة ليضمن تخلخل الأسرة وتمكنه من السيطرة عليها بوجود أحد أعضائها في أحد فروع المخابرات 

بث الفرقة بين أطياف الشعب السوري الذي كان رمزا للإلفة والمحبة فأثر الأحقاد والضعائن وأدخل في روع طائفته ( أن بقاءهم في الحياة مرتبط ببقائه في السلطة ) ؟؟

الخوف والفقر جعل معظم أفراد الشعب يلوز بالفرار ملتجئا لمعظم دول العالم بحثا عن النجاة والسلام تاركين وراءهم عائلاتهم 

ليسكت الباقي من الشعب عن المطالبة بشيء من الحرية والكرامة اتخذ شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) قام يرفعها ويرددها في كل مكان وزمان دون أن يعرف أية معركة هي وقد ترك الجولان محتلا منذ حوالي أربعين عاما لم يصدر عنه سوى الكلام لإلهاء الناس ، وتشير الوثائق التي نشرت في مذكرات توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق وشريك الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن في احتلال العراق أنهم كانوا ينوون احتلال سوريا بعد العراق فلما استمزجوا رأي رئيس الوزراء الإسرائيلي ( أرئيل شارون) في ذلك أعترض المذكور بشدة قائلا بأن نظام الأسد ملتزم بما وقعه معنا عند وقف اطلاق النار عام 73 وحتى تاريخه وجبهة ( سوريا / إسرائيل) تعتبر من أهدأ الجبهات وقد وفر على إسرائيل مبالغ هائلة نتيجة هذا الهدوء فلم تطلق طلقة واحدة ولم يتسلل عبر الحدود شخص واحد وإن أي نظام غيره سيأتي بالمتاعب والمناوشات لإسرائيل وتعتبر شهادة العدو وساما على صدر مدع الممانعة والتحرير ، ويكمم الأفواه تحت هذا الإدعاء الكاذب ، سيما وقد قامت إسرائيل بعمليات نوعية منها اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية على أرض دمشق التي تعج بالمخبرين الذين تشغلهم أخبار المواطنين وتحركاتهم في دائرة الولاء للرئيس الرمز ، كذلك قامت مرارا وتكرارا بتحليق طائراتها العسكرية فوق قصوره  دون أن تحدثه نفسه بالثأر لكرامته ، كذلك قامت إسرائيل باغتيال محمد سلمان يد بشار الأسد ومستشاره العسكري وما يسمى بمدير المشروع النووي السوري ، وأخيرا وليس آخرا قيام مغاوير إسرائيل وطياراتها المروحية ومن ثم العسكرية بتدمير مبنى مفاعل نووي في شرق سوريا ... هذه عينات مما حصل في زمن بشار وأبيه من قبله لم يردوا عليها ولو من باب اسقاط العتب كدولة ممانعة بينما لم تتوقف مخابراته الأمنية من ملاحقة شباب الوطن في الداخل والخارج من القتل والسجن واتعذيب الوحشي

الحلقة الثانية قريبا