قبل أن تصبح ايطاليا نموذجاً للعراق

قبل أن تصبح ايطاليا نموذجاً للعراق

احمد حسن الصائغ

[email protected]

يقول المتخصصون في عالم الطب أن جسم الانسان لم يزل بخير مالم يتغير التركيب الجيني لخلاياه . فعندها يتحول النمو الطبيعي الى تضخم سرطاني وحينئذ لاحل سوى الاستئصال . الذي قد يؤجل الموت بضعة أشهر لا غير . والجسد العراقي اليوم هو المريض وكل دواعي التسرطن قائمة فيه بنسبة 100%. وكما جسد الأنسان معرض للاصابة بأنواع مختلفة من السرطان فأن العراق كذلك يواجه سرطانات بلا نهاية غير ان أخطرها على الاطلاق هو سرطان المافيا, حيث أنه وكما يبدو اخذ بتغير الجينات العراقية . فالغيرة والمروءة والنخوة أصبحت من المفردات غير المتداولة في الشارع العراقي... ولو كان لها وجود حقيقي اليوم لكان الشعب قد قلب كراسي الطغاة استجابة لبكاء الثكالى والأرامل والأيتام الذين لم يكفوا عن الخروج الى ساحة التحرير منذ شهرين . ولنعد الى قضية المافيا العراقية التي اصبحت ظاهرة تستحق الدرس كونها تقترب الى حدٍ بعيد من النموذج الايطالي  ف (برلسكوني ) ذلك الشيخ العاهر ما زال على رأس السلطة في ايطاليا رغم عشرات الدعاوى القضائية عليه .

 المافيا اكبر من ما توصف على انها عصابة تهدف الى الربح بل هي دولة مصغرة داخل الدولة حتى انها هي التي تملك الكلمة الفصل في الانتخابات وتحديد اسم رئيس الوزراء فبيدها المقاولات والمناقصات والمزايدات ومصادر الاموال التي التي لا تنضب. والويل لمن يخالفها أو لايتفق معها . أما من يخونها فلا ضريبة عليه سوى الموت.

لقد مر العراق على مدى السنوات الثمان الماضية بعدة مراحل كانت أولها مرحلة انحلال الدولة وضياع كيانها ومن ثم دخل المرحلة الثانية وهي مرحلة حكم الدولة المحتلة له ( دولة بريمر ) وبعدها مرحلة الحكومة الهزيلة المعينة من بريمر نفسه ( حكومة علاوي ) تلتها حكومة الثأثر الطائفي التي رافقها بداية النفوذ الفارسي واستيلائه على مقاليد الحكم في العراق ( حكومة الجعفري, صولاغ, التي اتخذت من الدريل شعاراً لها ) ثم دخل العراق مرحلة محاولات تأسيس الفكر الديمقراطي الذي لم ينجو من سيطرة الفكر الطائفي واعتماد صور المرجعيات الدينية والفتاوى التي تحرم على الرجل زوجته ان انتخب غير قائمة المرجعية . والتي رافقها ظهور اعتى صور التطرف الذي عرفه فكر الانسان, وهي مرحلة الزرقاوي مرحلة الذبح المرعب المقزز, حيث لم يتورع اولئك بأن يفخخو اجساد ضحاياهم. بل ان بعضهم مارس بشاعات لا يمكن ان تنطلق الا من فكر سقيم مريض لا علاقة له بالبشر والا كيف تفسر ان يقوم البعض يقطع رأس انسان ويخيط بدله رأس كلب الى الجسد البشري؟ فيما كانت الصورة على الجانب الاخر تتمثل بأجساد البشرية ملقاة على قارعة الطريق وقد مزقتها الآلات  الحادة وثقبتها الدريلات وشوه  التيزاب معالمها . وأخيراً جاءت مرحلة المالكي التي بلغ عمرها الان 5 خمسة سنوات .وهي المرحلة التي ما زالنا تعيش صيرورتها وهي المرحلة التي وسمت بالفساد باعلى درجات الامتياز .

   في جميع تلك المراحل كانت بذرة المافيا وهي بذرة اجتمعت دول العالم ومخابرتها على زراعتها في العراق , كانت تنمو وتترعرع على خجل تارة ,وبوجه صفيق تارة اخرى. حتى وصلنا الى يومنا هذا التي اصبحت فيها المافيا غول كبير يوجه اسلحته الكاتمة وغير الكاتمة اينما شاء وحيثما شاء.

 قد يظن البعض ان ما يحدث من اغتيالات في العراق اليوم هو لاسباب سياسية او حتى طائفية ولكن نظرة متفحصة للامور سنجد ان المغدورون هم من السنة والشيعة على حد سواء. وان الفاسدين هم وكما اثبتت الوقائع  المادية في الدولة العراقية هم من السنة والشيعة .

  أن ما كشفته وسائل الاعلام وهيئة النزاهة عن جرائم خضير الخزاعي ووزير الكهرباءالسابق ووزير التجارة هي لا تقل باي حال من الاحوال عن جرائم الفساد التي تحدث في الوقف السني والوزارات التابعة لقائمة التوافق السابقة. نحن اليوم على اعتاب المرحلة الاخيرة التي قد تضرب جينات الجسد العراقي عندها سيصبح الجسد العراقي مسرطناً بالكامل, لا قدر الله, حيث لا ينفع عندئذ شي ولن يكون للعراق مصير سوى الموت . قد لا يتفق البعض معي في رؤيتي للامور والخشية من ان يصيب العراق ما اصاب ايطاليا كون ايطاليا من دول العالم الاول والعراق ما زال بعيدا عن دول العالم الثالث ولكني اجيب ان ايطاليا قد اصيبت بسرطان المافيا الذي لا علاج له الذي مكن برلسكوني من البقاء في سدة الحكم كل تلك السنوات رغم كل فضائحه ورغم ان روما كانت مسقط راس الديمقراطية الاولى في العالم.

لا يقلقني شي بقدر ما يقلقني فكر المافيا الحاكم, الذي سيستمر بتنصيب برلسكوني اخر في العراق . وهذا القلق يتحول الى رعب ان صدق ظني بأن المافيا العراقية سيتغير المالكي بمالكي اخر بمجرد ان يصبح ورقة محروقة. وعندها لن تقوم للعراق قائمة حتى لو خرج المحتل الامريكي من العراق بل وحتى ان خرج المحتل الفارسي وحتى لو انتهت المشكلة الطائفية في العراق ... فالضربة اصابت نسخ الخلايا الصاعد للاجيال العراقية القادمة ...فهل من مغيث؟؟