يا ظالم لك نهاية
يا ظالم لك نهاية
عبير الطنطاوي
نستيقظ كل صباح وكلنا أمل في خبر مشرق في يوم مشرق .. فقد أنهكتنا أخبار القتل والتذبيح في العالم العربي .. حتى بدأ اليأس يدب في قلوبنا ويجد طريقه إلى عقولنا .. ولا يصبرنا سوى قوله تعالى : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " وقوله تعالى : " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " .. أحدث نفسي في كل صباح :
ـ ما النهاية ما طالح ؟ ما النهاية يا قذّاف الدم ؟ ما النهاية يا جزّار ؟ ..............
هل يتراجع الثوار ونفقد نحن المغتربين الأمل في العودة لبلادنا ؟ وإذا استمر الثوار فمتى سيتوقف حمام الدم ؟
وكيف سيتنازل الطواغيت عن عروشهم الكرتونية ، ويتركوا شهوة الدم القذرة التي انغمسوا فيها بل وأفرطوا في ممارستها حتى أغرقوا الشعب في بحارها وأنهارها .. ؟
أذهب إلى الحدائق العامة هرباً من الأخبار فأراها ممتلئة بنساء مقطبات الجبين عصبيات المزاج على خلاف عاداتهن متذمرات بالأطفال .. حتى أنا أجلس على كرسي منعزل بعيد وأحاول أن أسرح بذهني وحيدة أهرب بنظري من الصديقات والجارات وأمتع النظر بمنظر وردة أو أراقب أطفالي وأشعر بداخلي نزق وقرف .. أهرب أهرب وأهرب .. لكن ما في داخلي يعكسه بَهتان وجهي من جهة ووجوه الناس أمامي من جهة أخرى .. فالجميع نزق منزعج متوتر ..
أهرب إلى جلسة جاراتي وفنجان قهوة صباحي كان ينشر فيّ الحماسة والنشاط لأعود إلى بيتي أنظف كما فعلت فلانة وأطبخ كما علمتني فلانة و.. و.. أما هذه الأيام بل الأشهر فلم تعد جلستنا كسابق عهدها إنها جلسة ملخصة للأخبار مع تعليق سياسي لكل ناقلة للخبر ومستمعة .. كل حسب ثقافته ورأي زوجها في الموضوع ..
حتى أطفالي الذين هم في التاسعة والعاشرة من العمر يسألون ويستفسرون ببراءة تسبب لي أحيانا ضيقاً آخر .. فهذا ولدي يسأل :
ـ كيف يقبل القذافي أن يبقى حاكما والكل يكرهه ؟
أما البنت فتقول :
ـ ألا يستطيع أحد أن يخرج بشار من بلادنا ؟ أريد أن أرى سوريا ..
والصغيرة ذات السنوات الأربع تصرخ بأعلى صوتها في البيت وتغني وترقص بلهجتها المكسرة الحبيبة :
ـ الشعب يريد إسقاط النظام ..
فلا أشعر بنفسي إلا وبركان غضب ينفجر في وجوههم البريئة ان اسكتوا فلم أعد أحتمل المزيد ..
كنت أجادلهم حتى أرى الأخبار وهم يعترضون فهم لا يريدون رؤيتي وأنا أبكي ويصرون على متابعة برامجهم البريئة .. ولما طال تمسك الظلام بعروش الشياطين يئست من الأخبار وأصبحت أهوى متابعة أفلامهم البريئة وفجأة تسرح الروح ويشط العقل وتنهمر الدموع حيت أذكر أطفال درعا وليبيا واليمن وهم بلا برامج ترفيه بل بلا طعام .. بل بلا حليب .. بل بلا أمان .. والأدهى إن مرض طفل فيا ويح قلب أمه لا دواء له يهدئ من روعه فيدعو القلب ربه أن يحفظ أطفالي وأطفال كل الناس ، وأن يجعل الفرج قريباً .. وتنهمر الدموع انهماراً فأجد الصغيرة وبيدها جهاز التحكم وهي تقول بطفولة :
ـ خذي ماما حطي على الأخبار .. بعدين أشوف أفلام كارتون ..
أتخيل كبار السن أصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكري و..و.. وقد انقطع عنهم الدواء فتهب نيران في قلبي وأدعو بالحفظ لوالدي الحبيبين .. وأدعو وأتأمل من المولى أن يعجل الفرج بانتصار أولئك الثوار .. ويرحمنا نحن المنتظرين المتلهفين لفرج عاجل وعود أحمد لأرض الوطن الحبيب ..
أتخيل الأمهات وقد تعبت كل واحدة منهن في تربية الولد والسهر عليه وها هو الجزار بجيشه من الشبيحة الطائفية ، ومرتزقة الحاقدين القادمين من المجهول ، يقص رؤوسهم قصاً ويعذبهم في غياهب السجون تعذيباً وحشياً فترتعد الأطراف خوفاً وألماً ..
أتخيل الزوج الحبيب وقد خرج يوم الجمعة للصلاة لا ليعود بعدها لأطفاله باللحم والفحم ليخرجوا في رحلة الأسبوع كعادة أهل سوريا في الربيع خاصة فبدلاً من ذلك غدا يوم الجمعة يوم القتل المريع فهل يعود عمود البيت سالماً أو تأخذه الأيدي الظالمة !! وتبدأ رحلة اليتم للصغار ورحلة العذاب للأرملة في سعيها لتربية الأولاد في هذا الزمن الصعب .. ثم أقول :
ـ للحرية ثمنمها الباهظ .. الدم من ثمنها ، والسجن والتعذيب والتجويع من ثمنها .. لأنها مقدسة .. الحرية مقدسة .. وأولئك الأعراب يسعون لقتلها .. وقتلها .. قتل الحرية يعني قتلنا .. فالحياة هي الحرية ، وبدون الحرية لا حياة ..
حتى المراهقين والمراهقات .. حتى الشباب الصغار .. حتى الأطفال .. الكل يهدس بحلم واحد : متى يشرق فجر الحرية ؟؟
كل شيء فقد نكهته .. تجدنا نأكل ونشرب ونضحك ونمارس حياةً تافهة لا نكهة فيها ولا طعم .. عقول شاردة أنفس محطمة .. ولا نقول إلا ما يرضي الله .. ولا نفكر إلا بالدعاء لله عله يرحم أطفال وشيوخ ونساء سوريا ويجازي القتلى بالشهادة وجنات النعيم ويصبر المعتقلين ويخفف البلاء عليهم بل ويشلّ الأيدي الوحشية التي تعذبهم .. ويحفظ رجالاتنا الثوار الشجعان .. وننتظر اليوم الذي ستشرق فيه شمس الحرية وتغيب نار الظلام .. ظلام الفساد والقهر والاستبداد ..