إذا ضاقت سورية على النظام والشعب معا
فعلى النظام أن يرحل!
الطاهر إبراهيم
عندما بدأت الاحتجاجات في تونس وتلتها مصر، رفع الشعبان شعار تحسين أوضاعهما على كافة الأصعدة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. كان الشعب يقدم رجلا ويؤخر أخرى، خوفا من قمع أجهزة الأمن التي وظفها الرئيس، لا لحفظ أمن الشعب، بل لقمعه، ولحماية الرئيس من ثورة الشعب إذا ما فكر أن يثور ضده. تطورت المطالب ليصبح المطلوب هو إسقاط النظام، ومن ثم رحيل الرئيس، وهكذا كان. رحل "زين العابدين بن علي" بمبادرة منه وأرغم "حسني مبارك" على التنحي. هذا ما كان من أمر تونس ومصر، فماذا عن سورية؟
أنظمة الجوار العربي تعرف أن الشعب السوري مضطهد، وهي ساكتة. إما لأنها تخشى أن تصل العدوى والارتدادات إلى أرضها، أو أنها تخاف من انتقام النظام السوري منها الذي لا يتورع عن القيام بأعمال تخريبية واغتيالات في أراضي تلك الدول، كما فعل هذا النظام يوم أرسل مجموعة لاغتيال "مضر بدران" رئيس الحكومة الأردنية الأسبق عام 1981.
المعارضة السورية الداخلية كانت من الضعف بحيث أنها ما كانت تستطيع –مجتمعة- حشد مئات من المعارضين للقيام باحتجاج. لأن هذه المئات كانت ستواجهها آلاف العناصر من أجهزة الأمن المسلحة بالهراوات المكهربة، فتعتقل كل من لا يستطيع الهرب. أما معارضة الخارج فقد حيل بين عمودها الفقري جماعة الإخوان المسلمين وبين العيش في سورية، لأن القانون 49 لعام 1980 يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان. بالمجمل، فإن المعارضة السورية ما كانت لتشكل خطرا ذا بال على النظام.
من خلال التوصيف السابق إقليميا ومحليا، فإن الشعب السوري كان يعيش إحباطا في نفوس أفراده خوفا من قمع النظام. وكان ينتظر ما يشبه المعجزة لتغيير الحال. لكنه ما كان يعرف من أين ستأتي هذه المعجزة ولا كيف؟ فعندما هبت رياح الحرية وعصفت في تونس ومصر ، تطلع السوريون، لعل وعسى أن يكون لهم ثورة، كما كان لإخوانهم في تونس وفي مصر.
أستطيع أن أؤكد أن السوريين، شبابا ومعارضة، كانوا في بدء الاحتجاجات يقبلون أن يصلوا مع النظام إلى قواسم مشتركة بحيث يلتقون في منتصف الطريق. فيبدأ الرئيس بإصلاحات، على أن تكون فعلية وعميقة، وتشمل بشكل أساس إلغاء سيطرة النظام على الحكم، ويستبدل به تعددية حقيقية في الحكم تتم من خلال صناديق اقتراع شفافة، فيمارس الشعب حريته كاملة. كان الشعب سيقبل ببقاء الرئيس "بشار أسد" رئيسا لإكمال فترته الثانية، بحيث يبدأ التغيير بشكل تدريجي وليس بكسر عظم لأي من الفريقين، النظام أو الشعب.
على أرض الواقع وبعد أقل من شهر من بدء الاحتجاجات، شعر الشباب أن أي إصلاح أو تغيير ذي مصداقية لم يكن واردا لدى الحكم في حلقته الضيقة جدا (الرئيس السوري وشقيقه ماهرأسد وصهرهما آصف شوكت ورؤساء الأجهزة الأمنية: عبد الفتاح قدسية وعلي مملوك وحافظ مخلوف ونواب هؤلاء).وإن الإصلاحات التي أعلنها الرئيس لم تكن إلالشراء الوقت. أكبر دليل على ذلك: أن الجمعة التي أعقبت اليوم الذي أعلن فيه إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة قامت فيها أجهزة الأمن بقتل المتظاهرين واعتقالهم في درعا وفي حمص وفي بانياس وفي المعضمية، وهو ما يتناقض مع رفع حالة الطوارئ.
شعر الشباب المحتج بشكل يقيني أن النظام ذاهب إلى آخر الشوط في قمع حركة الاحتجاج، وأن النظام قرر أن حكم سورية لا يتسع للفريقين معا. لهذا فقد رأينا دبابات الفرقة الرابعة التي يقودها "ماهر أسد" تطوق درعا فجر يوم الاثنين 25 نيسان وتقتل ما يقارب 50 مواطنا وتعتقل الكثيرين. ولمن لا يعرف فإن الفرقة الرابعة تشكلت على أنقاض فرقة "سرايا الدفاع" التي كانت تحمي الحكم ويقودها "رفعت أسد" في الثمانينات قبل أن يعزله الرئيس حافظ أسد.
دخول الدبابات شوارع درعا وتطويق مدينة دوما وبانياس، لم يترك عند شباب الثورة مجالا للظن الحسن بأن نظام الحكم سينفذ ما أعلنه الرئيس السوري من إصلاحات، وهي بالأصل إصلاحات دون مستوى ما يطالب به الشباب الثائر. وقد وصل هذا الشباب إلى قناعة كاملة أن هذا النظام القمعي لا يمكن التعايش معه إطلاقا، وأنه لا بد من تغييره. عندها بدأ الشباب يعمل لذلك ورفع شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام". فعلام يعول هؤلاء الشباب للوقوف في وجه الماكينة القمعية التي يعتمد عليها النظام الحاكم المستبد لتطويع الثائرين؟
تعتمد الخطة على أن الآلة القمعية التي تقتل المتظاهرين بدم بارد، يتكفل بها أعوان ليسوا مستعدين أن يموتوا من أجل النظام. أما الشباب الذين خرجوا في يوم "الجمعة العظيمة"وقد لبس بعضهم الأكفان شعروا أنه لم يعد هناك ما يخسرونه أكثر مما خسروا. فحياتهم من دون حرية خير منها الموت، وأنهم مستعدون لبذل أرواحهم على أن يعيشوا حياة الذل تحت حكم نظام قمعي لا يقيم لآدميتهم أي اعتبار، وأنهم يملكون سلاح الاستشهاد الذي لا يستطيعه أعوان النظام.
كما أن النظام السوري يظن أنه عندما يعتمد على قوى دولية نافذة فستحميه من ثورة الشباب الثائر. وأن واشنطن ما زالت لم تحزم أمرها على تغيير الرئيس بشار أسد كما فعلت مع "مبارك" و "بن علي". وأن وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" امتدحت الرئيس "بشار" قبل أسبوع بأنه رئيس إصلاحي، ما يعني أن اسمه لم يوضع على أجندة التغيير. فهل ينفعه ذلك؟ ما لم يدركه الرئيس بشار أن "حساب البيدر لا يطابق دائما حساب الحقل"، وأن واشنطن قد تتخلى عنه في أي لحظة وتتركه لمصيره كما فعلت مع "بن علي" و"مبارك".
على المستوى الشعبي لم يترك النظام من يأسف عليه إذا ما أطيح به. أبناء الطائفة العلوية انفضوا عنه، عندما شعروا أنه يريد أن يضعهم في فوهة المدفع في مواجهة إخوانهم الأكراد والسنة وباقي فئات الشعب. بل إن النقمة تصاعدت على النظام داخل الطائفة العلوية، فاعتقل النظام زعماء مثل "عارف دليلة" و"فاتح جاموس" وآخرون، وقرب إليه ضعفاء النفوس الذين لا يهمهم إلا سرقة خيرات الوطن.
يبقى أن نلفت الأنظار إلى أن النظام شعر بأن الإعلام العالمي الذي يملك بعض المصداقية مثل قناة الجزيرة وقناة الحرة وال (bbc) لم تعد مستعدة كي تنقل فبركاته عبر شاشاتها، أو لمسايرته في قمعه للشعب السوري. لذلك ألغى النظام السماح لتلك القنوات بالبث من داخل سورية، وكلف شهود الزور في إعلامه للدفاع عن جرائمه في مواجهة هذه الفضائيات.