لقد بان لأردوغان الخيط الأبيض من الخيط الأسود

محمد فاروق الإمام

لقد بان لأردوغان

الخيط الأبيض من الخيط الأسود!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

في موقف جريء – انتظره السوريون طويلاً -  حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان النظام السوري من تكرار مجزرة حماة معلناً أن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما يحدث في سورية وأن تركيا ستقوم بما يتوجب عليها القيام به تجاه هذه الأحداث، وأن سورية إذا ما بقيت على انتهاج هذا الأسلوب في قمع المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية فإن النظام السوري سيسقط ولن تقوم له قائمة ولن يجد إلى جانبه لا حليفاً ولا صديقاً.

لقد فاض الكيل برئيس الوزراء التركي وصبر كثيراً على صم النظام السوري آذانه لنصائحه وإدارة ظهره لكل نداءات العقل التي أطلقها عبر الاتصالات الهاتفية المباشرة مع بشار الأسد وعبر الوفود الدبلوماسية والأمنية التي ترددت إلى دمشق منذ بداية الانتفاضة وحتى الأمس القريب، وكان رجب طيب أردوغان وأركان حكومته ودبلوماسييه يطمئن النظام بتصريحات تعبر عن رفض تركيا لأي تدخل خارجي وأنه سيقف إلى جانب سورية في محنتها التي تمر بها، ساعياً من خلال استضافة بعض أطياف المعارضة السورية في اسطنبول لتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة بهدف وقف شلال الدم والدفع إلى بدء حوار شفاف وعميق بين المعارضة والنظام دون جدوى، فقد أصم النظام أذنيه باستهتار ولا مبالاة بكل مساعي تركيا التي كانت تريد صادقة تجنيب سورية والنظام السوري ما لا تحمد عقباه، فلا تركيا ولا المجتمع الدولي يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية أمام ما تفعله قوات الأمن السورية بالمواطنين السوريين من ذبح وقتل وحصار وتجويع واعتقال وتخويف وإرهاب، أدى إلى مقتل ما يزيد على ألف مواطن وجرح الآلاف واعتقال الآلاف وفرار مئات العوائل من السوريين إلى تركيا ولبنان والأردن في نحو ستة أسابيع، وهذا ما لم يحدث في أي بلد طالب شعبه بالحرية والكرامة والديمقراطية في مثل هذه الفترة القصيرة.

لقد صُدمنا في بداية الأمر من موقف تركيا مما يجري في سورية وإعلانها في أكثر من مناسبة وقوفها إلى جانب النظام السوري، وترديدها لكل دعاويه من أن هناك مؤامرة خارجية وفتنة داخلية وعصابات ومتسللين ومندسين ومخربين حتى بان لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، واكتشفت أن كل دعاوي النظام باطلة وملفقة وأنه عليها واجباً إنسانياً من منطلق الإخوة في الإسلام وحق الجوار أن تقف إلى جانب أشقائها السوريين الذين ينكل بهم النظام السوري ويقمعهم بوحشية، وتكف يده عن التغوّل واستباحة الدماء وإزهاق الأنفس وحرمان الأطفال من الحليب والجرحى من الإسعاف والمرضى من الدواء والتضييق على أهل درعا ودوما وبانياس في الماء والغذاء.

الوقت لم يعد يحتمل مزيداً من التحذيرات والتصريحات فسورية تذبح من الوريد إلى الوريد.. سورية تحتاج إلى فعل يلجم توحش الأجهزة الأمنية وتكف يد الفرقة العسكرية الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد وترفع الحصار عن مدينة درعا الباسلة الصامدة المحرومة من الماء والغذاء والدواء منذ خمسة أيام وتتعرض لحملة دموية واعتقالات طالت كل من هو دون سن الأربعين وتتكوم في شوارعها جثث الشهداء وتسيل الدماء كالأنهار من أجساد المصابين برصاص البغي الأسدي دون أن يتمكن الأهلون من إسعافهم أو نقلهم إلى المستشفيات، وقد شاهدنا وشاهد العالم عشرات الجثث الملقاة في ثلاجات نقل اللحوم والخضار حتى لا تتتعفن، وكلنا سمعنا من الفضائيات استغاثات أهل درعا لأهل النخوة لإنقاذهم مما هم فيه من بلاء!!

درعا الجريحة تناشد أهل النخوة في دمشق وحلب ودير الزور واللاذقية والسويداء وحماة والرقة وإدلب والحسكة وطرطوس والقنيطرة وحمص أن يهبوا هبة رجل واحد لرفع الحصار عن النساء والأطفال والشيوخ في درعا المحاصرة المحرومة من الماء والدواء والغذاء بهدف القتل وليس شيء غير القتل، فهل سنشهد للسوريين هبة مضرية تعيد إليهم حريتهم المصادرة وكرامتهم المداسة ورجولتهم المفتقدة ويلبوا نداء أخوتهم في درعا الصابرة على جمر القمع ولظى الاضطهاد ويلقنوا عصابات ماهر الأسد والأجهزة الأمنية درساً يكون عبرة لكل الساديين الذين حكموا ويحكمون سورية منذ 48 سنة، وهذا ما يأمله منكم حرائر درعا وأطفالها وشيوخها، وقد ذُبح الرجال وسيق الفتيان إلى السجون والمعتقلات.