تفاصيل دمشقية صغيرة لكنها تنذر بشر مستطير

الهاجس الأمني والخوف يسيطر على الجميع

صديق غادر دمشق اليوم يروي لـ"الحقيقة" تفاصيل دمشقية صغيرة لكنها تنذر بشر مستطير

الهاجس الأمني والخوف يسيطر على الجميع ، والحواجز الأمنية تنتشر على طول طريق المطار وتفتش سيارات المسافرين وأمتعتهم ، وجيش من " شبيحة التحريض الطائفي" يدور على الحارات السنية والعلوية مهددا ومتوعدا!؟

دمشق، الحقيقة (خاص): ثمة مشاهد وتفاصيل "هامشية وجانبية " في حياتنا اليومية تغيب عن وسائل الإعلام ، ولاتحظى بالاهتمام ، رغم أنها في غالب الأحيان تكون إنذارا بشر مستطير . من هذه التفاصيل"الهامشية الجانبية" ما رواه صديق غادر دمشق اليوم إلى إحدى الدول الخليجية التي خاطبنا منها واصفا ما يجري على " هوامش" الحياة اليومية في دمشق ، وفي صلبها.

 وبحسب ما رواه الصديق ، الذي يعيش في ضاحية "كفر سوسة" جنوب غرب المدينة ، والتي شهدت تظاهرات قوية أيام الجمع الماضية ، فإن دمشق تعيش في حالة"مكهربة" حقيقية لا ينقصها سوى تماس صغير حتى تحرق الأخضر واليابس. فالناس لا يخرجون من بيوتهم إلا للضرورة القصوى ، والخبز شبه مفقود ، والمخابز بعضها لا يعمل . وكان من اللافت اليوم أن التلفزيون الرسمي دعا المخابز اليوم إلى توزيع مخصصات الموزعين الفرعيين بطريقة عادلة ، وحذر من الاحتكار. وهو ما ينطوي على اعتراف ضمني بوجود أزمة حتى في توفر الخبز ، ليس بسبب النقص في المواد الأساسية ، ولكن لأن بعض المخابز لا يعمل بسبب سيطرة الهاجس الأمني الذي يكبح العديد من أصحاب المصالح المهنية عن ممارسة عملهم ، فضلا عن بعض ضعاف النفوس ممن يشكلون نوعا خاصا من " تجار الحروب أو الأزمات" الذين يتعيشون على حساب الآخرين كالطفيليات.

 ويؤكد الصديق أن العديد من محطات الوقود لم يعد يتوفر فيه بنزين أو مازوت ( ديزل). أما طريق المطار الدولي ، وطبقا لما لمسه شخصيا اليوم أثناء توجهه إلى المطار، فإن هناك خمسة حواجز أمنية على امتداد طريق لا يتجاوز طوله 20 كم من مدخل المدينة الجنوبي الشرقي ( دوار البيطرة أو المطار) إلى مدخل المطار. وتقوم هذه الحواجز ، واحدا تلو الآخر، بتفتيش كامل لكل سيارة عابرة ولركابها وما يحملونه من أمتعة ، خصوصا الكومبيوترات و الأقراص المدمجة (سي دي). كما ويطرحون عليهم أسئلة خاصة من قبيل : لماذا أنت مسافر ؟ وإلى أين ؟ وأين كنت .. إلخ.

 أما هناك ، في الحواري والشوارع والأحياء الجانبية ، وفي كل مكان تقريبا، فثمة"مدنيون" يأتون إلى كل "مشتبه" به وينزعون جاكيته أو كنزته ويلفون رأسه بها قبل أن " يشحطوه" مباشرة أمام الناس تحت الضرب والصفع والركل إلى مكان قصي ليحقق معه ثم يطلق سراحه بعد ساعة أو ساعتين.

 المثير للأمر ، يتابع الصديق، هو التعميم الرسمي على المشافي بأن لا تقبل أي حالة إسعافية إلا بموجب موافقة أمنية. ويروي الصديق تجربة خاصة على هذا الصعيد فيقول : ابن جيراننا كسر فكه ، لكنهم لم يسمحوا له بدخول أي مشفى للعلاج دون موافقة أمنية . لكن صاحب الفك المكسور رفض الذهاب مرة أخرى إلى الأمن من أجل الموافقة خوفا من " علقة " ثانية . فقد كان تعرض للضرب قبل ذلك من قبل عناصر الأجهزة الأمنية في المنطقة الواقعة إلى جانب " مركز شام سنتر" في كفر سوسة .

 ثمة ما هو أخطر من ذلك ، يتابع الصديق روايته ، هو " شبيحة التحريض الطائفي" . فهؤلاء جيش من " الأشباح" يدور على الحارات التي تقطنها أغلبية سنية محافظة ويقول أمام سكانها " نحنا العلوية نعرف نربّيكم ( نؤدبكم) يا كلاب" . وبعد ذلك ينتقل هؤلاء إلى الحارات التي تقطنها أغلبية من الطائفة العلوية ( مثل المزة 86 ) ليكرروا التهديد نفسه ، ولكن معكوسا : " نحنا السنية نعرف كيف نربيكم يا كلاب" …

 وهكذا تدور طاحونة الحياة اليومية في دمشق … بعيدا عن كاميرا التلفزيون السوري العوراء العمياء .. حيث تبدو دمشق من وراء الكاميرا كما لو أن كل شيء " عال العال" ….بفضل حكمة الديكتاتور!