بكالوريوس في حكم الشعوب
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
لازالت رائعة الكاتب المسرحي على سالم «بكالوريوس في حكم الشعوب» بعد أكثر من ثلاثين عاماً من كتابتها وإنتاجها تعبر عن حال الكثير من دولنا العربية لاسيما وأن الأحداث الجارية والتي أفرزتها الثورات العربية تكشف كل يوم عن وثائق ومعلومات وشائعات وأخبار متواترة وأخرى مجهولة المصدر عن أن البعض ممن حكم شعوبنا كانوا صنيعة أعدائنا ،وتم إعدادهم بشكل أو بآخر للقيام بدور ما لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة .
ومن ذلك ما كشفته الوثائق التي بثتها التلفزة الوطنية التونسية عن علاقة الرئيس المخلوع بن علي بالصهيونية والتي تثبت تورطه في عمليات جوسسة إقليمية لمصلحة إسرائيل.
حيث طرحت التلفزة التونسية وثائق خطيرة تعرض للمرة الأولى تؤكد ارتباط الرئيس المخلوع بجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" وتورطه في جمع معلومات تخص الأمن القومي العربي كما تثبت تواطؤه في القصف الإسرائيلي لمدينة حمام الشط عندما كان وزيرا للداخلية منتصف الثمانينات وتسهيل مهمة الموساد في اغتيال عدد من الشخصيات الفلسطينية فوق التراب التونسي.
واعترف شهود من الكوادر التونسية في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العسكرية لدى بث التلفزيون التونسي للوثائق والشهادات عن تواطؤ بن علي مع العقيد الليبي معمر القذافي ضد أمن البلاد خاصة خلال أحداث قفصة في بداية الثمانينات وتيسيره لعملية اجتياح مسلحين بإيعاز من القذافي للمدينة التونسية وارتكاب أعمال عنف ومذابح ضد مدنيين.
وما قاله المدير السابق للمخابرات العسكرية التونسية البشير التريكي إن بن علي لعب دور الوساطة لتطبيع العلاقات بين العقيد معمر القذافي وجهاز المخابرات الأمريكية "السي اي اي" مقابل عمولة بقيمة 12 مليون دولار وهي الصفقة التي مهدت لاحقا بإعادة ليبيا إلى مجتمع الدولي وفك الحصار عنها.
وما أفادت به مصادر دبلوماسية وثيقة الإطلاع على الجانب الحكومي الليبي أن سيف الإسلام، نجل العقيد معمر القذافي، قام بزيارة خاطفة إلى إسرائيل لطلب المساعدة لإنقاذ النظام.
وحسب المصدر فإن العلاقة بين سيف الإسلام وإسرائيل تطورت كثيراً خلال الأزمة الحالية وسط أنباء عن تولي شركات أمنية إسرائيلية نشطة في تشاد تجنيد مرتزقة وإرسالهم إلى ليبيا محققة مكاسب بمليارات الدولارات.
أما القذافي الأب، فقد ذكرت مجلة "إسرائيل توداي" أن الزعيم الليبي معمر القذافي يعود إلى أصول يهودية، مستشهدة بتفاصيل أوردتها امرأتان يهوديتان من أصول ليبية قالتا للقناة الإسرائيلية الثانية العام الماضي إنهما من أقرباء القذافي.
وأكدت غويتا براون وحفيدتها راشيل سعدا أن أصول القذافي يهودية، مشيرتان إلى أن جدة براون وجدة القذافي شقيقتان.
وبعد هذه الحقائق والوثائق التي عرضت وغيرها الكثير والتي سبق وكشفت عنها وثائق "ويكيليس" عن رجالات فتح الأشاوس وتآمرهم على القضية الفلسطينية وتنسيقهم الأمني المخزي لخدمة المشروع الصهيوني يؤكد حقيقة ما استشرفه الكاتب على سالم في نصه المسرحي " بكالوريوس في حكم الشعوب" ولكن يبدو أن هذه النماذج التي أُميط اللثام عن خيانتها لوطنها وأمتها وقضيتها والتي حكمت شعوبنا ومازال بعضها يحكم قد نالت بكالوريوسا في خيانة الشعوب وليس حكم الشعوب !!
ومن نفس الأكاديمية التي سخرت هؤلاء الحكام لخدمة المشروع الصهيوني تخرج حكام آخر ملأ الدنيا وشغل الناس ألا وهو الرئيس المخلوع حسنى مبارك والذي وصف بالحارس الأمين للمشروع الصهيوني والذي أحكم الخناق على قطاع غزة المحاصر ، وشيد جدارا من الفولاذ لقتل مليون من أهل غزة الأبرياء وبالمجان لصالح الاحتلال الصهيوني ، ولكن إرادة الله لم تمهله حتى يتم بناء جدار الخزي والعار حيث خلعته الملايين لتنهى حكم ثلاثين سنة من خدمة أعداء الأمة ببيان التنحي أو التخلي عن الحكم والذي بلغ عدد كلماته 31 كلمة، واستغرق إلقاؤه من عمر سليمان أقل من دقيقة واحدة "خمسون ثانية".
وسمع شعب مصر وأهل غزة ومعهم العالم أجمع عمر سليمان وهو يقول "أيها المواطنون.. في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، والله الموفق والمستعان" وبعدها أخذ مبارك صفرا كبيرا في حكم شعب عربي مسلم كشعب مصر العظيم .
وختاما .. وبعد هذه الفصول من الملهاة العربية لبعض من حكموا شعوبنا ألا يجدر بنا أن تكون لدينا أكاديمية وطنية يتخرج منها حكامنا ليعبروا عن مشاريع أمتنا ويكون صنيعة عروبتهم وإسلامهم لا صنيعة أعدائنا ؟!!
· في السياق : من معايير الحكم الراشد
- هو الحكم الذي يقوم على دعائم الدستور؛ فلا محاباة ولا تلاعب ولا تحكم ولا طغيان.
- ويفرض هيبته باستقامة ولاته، فلا عقوبة إلا مع الجريمة، ولا عفو إلا مع المخلصين.
- وينتزع الحب في قلوب شعبه؛ بالعدل الذي يسوي بين الناس، واليقظة التي تدفع الأخطار، والتفاني الذي يجهد النفس ويمنع لذائذ الحياة.
- وهو الذي يرى حاكمه وقادته أنهم خدام الأمة لا متكبروها.
- وأنهم أمناء على أموالها لا سراقها ومبددوها.
- وأنهم أقلهم شأناً ولكنهم أكثرهم واجبات.
- وهو الذي تصان فيه فضائل الأمة من الذوبان.
- وتحفظ أخلاقها من التدهور والانحطاط.
- وتمنع عقيدتها من التحلل والتلوث بالخرافات.
- وتنمى عقولها بالعلوم والآداب والثقافات.
- حتى تصنع للأمة إيماناً يبعث على السمو، وكمالاً يدعو إلى الاحترام، ورقيًّا وحركة متقدمة بروية واتزان، وشخصية متميزة بين الأمم بحبها للخير ومحاربتها للفساد.
- وهو الذي يعمل قادتها في وضح النهار لا في الظلام...
- ويقولون للأمة ما ينوون عمله وتنفيذه.
- وتكون رجولتهم في أعمالهم أبين منها في خطبهم وأقوالهم.
- ويكون الدهاء عندهم طريقاً لانتزاع حق الأمة من الغاصبين، لا للتغرير بها والتحكم في شؤونها، والتمكن من خيراتها وأموالها ولو أدى ذلك إلى وضع القيود في أعناقها لتذل للظالمين والمستعمرين.
- وهو الذي يدخل السعادة إلى كل بيت! والطمأنينة إلى كل قلب، والكساء إلى كل جسم، والغذاء إلى كل بطن. فلا تعرى أمة ليكتسي أفراد، ولا تجوع آلاف ليشبع رجال، ولا تفتقر جماهير لتغنى فئات.
· أيها القادة ! إن هذه الأمة فتحت أعينها فجنبوها الظلام، وجمعت شملها، فهيئوا لها الأعلام، وعرفت أمراضها، فاختاروا لها الأطباء، وسلكت الطريق فكونوا لها خير الهداة. (من رسالة للدكتور مصطفى السباعي بتصرف).