مبارك والأسد، الأبرياء القتلة

م. عبد الله زيزان

[email protected]

دول الربيع العربي تتأثر ببعضها

الشعوب بطبيعتها يتأثر بعضها ببعض منذ قديم الأزل، ومع تطور وسائل الإعلام، ومعها وسائل التواصل عبر الإنترنت فإن هذا التأثر بات سريعاً جداً، وقد لمسنا ذلك بوضوح زمن الربيع العربي، حيث انتقلت شرارة الاحتجاجات على الظلم والفساد من دولة عربية لأخرى بسرعة لم يتوقعها الكثيرون، خاصة مع توفر قواسم مشتركة بين تلك الدول من فقر وجهل وظلم...

وكما أن شرارة تلك الأحداث تنتقل بين شعوب المنطقة فإن خبرات الحكام والفاسدين أيضاً تنتقل عابرة للدول، فقد بات هناك تنسيقاً واضحاً بين الأنظمة المستبدة لمواجهة الشعوب الثائرة من جهة، ولقمع أي طموح للشعوب التي لم تثر بعد، وما تبرئة مبارك الأخيرة إلا حلقة في سلسلة إحباط الشعوب وإرجاعهم إلى قفص الذل والعبودية...

نذكر حين قُتل القذافي في ليبيا، تأثر الشعب السوري إيجاباً بهذا الخبر، وكان ذلك دافعاً له للمضي في طريقه نحو إسقاط طاغية الشام، وبالوقت ذاته كان الخبر كالصاعقة على نظام الأسد الذي بدأ يتحسس على رأسه ويخشى من وصول الأوضاع في سورية إلى ما وصلت إليه في ليبيا، وهو ما دفعه حينها إلى زيادة الإجرام بشكل ملحوظ لعله يوقف المد الثوري في البلاد..

أثر تبرئة مبارك على القضية السورية

والآن مع قرار المحكمة المصرية بتبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك من جرائمه إبان الثورة المصرية، كان الوقع معاكساً، فقد أُحبط دعاة الحرية في البلاد العربية عموماً وفي سورية خصوصاً، في الوقت الذي شعر فيه أتباع النظام السوري بالنشوة والانتصار، حيث عاد لهم الأمل بقدرة الدولة العميقة على استعادة زمام الأمر، والصمود في وجه المد الثوري في البلاد العربية، وربما القضاء نهائياً على فكر الثورة وروحها في نفوس الشباب...

وهذا تماماً ما أراده رعاة الثورة المضادة، فهم يريدون تحطيم معنويات شباب الربيع العربي، ليس في دولهم فحسب بل حتى في تلك الدول التي تنتظر دورها لتركب قطار الثورة، ومما لا شك فيه أن الأثر قد وقع في مصر وخارجها، وأن الإحباط قد سرى في النفوس لحظة انتشار الخبر، فقد أرادوا التبرئة كإعلان نهائي عن فشل ثورة الـ 25 من يناير، وعودة النظام القديم للحكم بكل أركانه ورموزه...

امتصاص الصدمة وتجديد الثورة

بقدر ما أصيبت الشعوب بالإحباط بقدر ما كان ذلك الخبر دافعاً جديداً وسبباً مقنعاً لاستمرار الحراك لاقتلاع تلك الأنظمة الفاسدة، ولكن هذه المرة باقتلاعها بشكل كلي وتدمير الدولة العميقة في دول الربيع العربي جميعها، فقد اقتنع الجميع أن أنصاف الثورات ليست حلاً، وأن الحل الوحيد باستمرار النضال حتى تدمير كل أركان الأنظمة القديمة، وقد تأكد للجميع أن النموذج الليبي في التعامل مع المخلوعين أسلم وأمثل من النماذج المصرية والتونسية واليمنية.

لقد تمكن الثوار في مصر وكذلك في سورية وبقية البلاد العربية من امتصاص الصدمة، فبدأ الحراك في مصر، لاسترجاع ثورة يناير، بعد اقتناع الجميع أن الدولة العميقة قد تمكنت من افتعال الخصومة بين جماعة الإخوان وبقية مكونات الشعب لتدمير الثورة واسترجاع النظام القديم، وكذلك الأمر في سورية، حيث تأكد لدى الجميع أن الطريق الوحيد هو باستكمال الثورة حتى نهايتها لتطهير سورية من النظام وأذنابه...

تواطؤ المجتمع الدولي

اللافت في قضية تبرئة مبارك ومن حوله هو اللامبالاة الغربية للحدث، فقد صمت دعاة حقوق الإنسان، وكأن الأمر لا يعنيهم، ولم تتحرك الدول لإدانة تلك المحاكمة، وكأنها تراقب بسعادة عودة النظام السابق، والحليف القديم، لتؤكد بذلك شراكتها على مدى العقود السابقة مع الأنظمة الديكتاتورية في البلاد العربية، ولتؤكد قلقها من الثورات، خشية وصول الوطنيين للحكم مما قد يفقدها نفوذها في تلك المناطق، بعيداً عن حديث الديمقراطية وسعيها لنشرها بين شعوب العالم...

لقد فهم ثوار سورية الرسالة من الغرب، فهم لم ولن يكونوا يوماً سنداً ولا عوناً للشعوب، بقدر ما هي تبحث عن مصالحها، حتى لو كانت تلك المصالح تدوس على جثث الملايين من البشر، لذلك لا فائدة من استعطاف الغرب بنشر الصور والفيديوهات التي تتحدث عن معاناة الشعب نتيجة القصف والضرب، ولا فائدة من الحديث بوسائل الإعلام وطلب النجدة والعون منهم...

محاكمة مبارك الأخيرة زادت ثوار سورية قناعة بأن الحل بأيديهم وحدهم، وأنهم بوحدتهم وصمودهم سيجبرون العالم للوقوف معهم بحكم الأمر الواقع، فالعالم ينظر للأقوى فقط، والآن وبعد انقضاء السنوات الأربع على الثورة السورية التي أنهكت النظام السوري، واستنزفته مادياً وبشرياً كما استنزفت حلفاءه الذين تلقوا ضربة جديدة بانخفاض أسعار النفط، بات الأمل معقوداً لتغيير المعادلة على الأرض لعل البلاد ترى النور في آخر النفق الذي دخلته، ولعل المرحلة القادمة تكون مرحلة الانتصار ليس لسورية فحسب بل لكل التواقين للحرية في البلاد العربية، فالفهم والنضج أساس النصر...