خطاب مفتوح إلى الإخوان المسلمين في مصر

الطاهر إبراهيم *

ما كان العشم يا إخواننا في مصر!!!

لن أقول لإخواننا في مصر كما قال الشاعر معاتبا: "يا دوحة الحي يا مطول  شرح الذي بيننا يطول". لكني أقول: "ما كان العشم يا إخواننا في مصر!". فرحْنا لكم بل فرحنا لأنفسنا يوم أن أزيح عن مصر العزيزة حكم طاغوت استمر ثلاثين عاما، يطلق فوجا من الإخوان المسلمين من المعتقل ليدخل إليه أفواجا أخرى. ومع أن مصر تحت حكم "حسني مبارك" كانت تتمتع بنافذة من الحرية –وإن كانت صغيرة- في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، بل وتتمتع أيضا –وإن ببعض التقييد يقل ويكثر- بقيام مؤسسات للمجتمع المدني من نقابات وهيئات اجتماعية تكافلية كالتي كانت للإخوان المسلمين تقوم فيها بنجدة أصحاب الحاجات أثناء الكوارث، وكل ذلك لم يكن شيء منه موجودا على الإطلاق في سورية.

عندما تحرك الشباب السوري مطالبا بحقوقه في الحرية والعدالة والحياة الحرة الكريمة، أسوة بإخوانه شباب مصر وشباب تونس، وقد حرم منها خمسة عقود، كنا نتوقع من جماعتنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر -بما أوتيت من حضور في العالم العربي والإسلامي- أن تقف إلى جانب ثورة الشباب السوري وقفة تأييد، تشد من أزر هذا الشباب في الحصول على ما يستحقه من حرية، كما وقفت الهيئات العربية والإسلامية إلى جانب شباب مصر إلى أن رحل نظام "حسني مبارك" وبدئ بمحاكمة رموزه.

كنا نتوقع أن تطلب جماعة الإخوان من النظام السوري،(وهي قد سلّفَتْه من قبل مواقفَ تأييد كثيرة في وجه غطرسة العدو الصهيوني، عندما كانت الطائرات الصهيونية تجوب الأجواء السورية دون أن يرد عليها الطيران السوري) أن يستجيب للسوريين فيلغي الأحكام العرفية وينهي احتكار حزب البعث للسلطة ويطلق سراح المعتقلين ويفتح حدود سورية أمام عودة المنفيين القسريين إلى سورية، ويعيد لهيئات المجتمع المدني والنقابات حضورها.

استجابت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لما هو متوقع منها، لكنها قامت قبل ذلك بمدح النظام السوري بما ليس فيه، الأمر الذي جعل الشباب السوري الثائر يظهر وكأنه يثور على نظام وطني يتصدى للمؤامرات التي تحاك ضد العروبة والإسلام.

ولنقرأ ما جاء في بيان أخوان مصر الذي صدر في 6 نيسان الجاري، قال: (ونحن إذ نقدر موقف النظام السوري من المشروع الصهيو أمريكي، ورفضه التفريط في الحق والأرض، وتصديه لمشروع الشرق الأوسط الكبير ووقوفه منه موقف الممانعة، ودعمه للمقاومة والمقاومين، واحتضانه زعماء الفصائل الفلسطينية، وتأييده حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ودعمه أيضًا المقاومة اللبنانية؛).

من يقرأ هذه الصفات التي وصف بها الإخوان في مصر النظامَ السوري، سيقول إن ثورة الشباب السوري على النظام السوري هي نوع من نكران للجميل. ومع أن مقالنا ليس لبيان إخفاقات النظام السوري الوطنية والقومية، إلا أنه لا بد من تفنيد ما جاء في بيان الإخوان المصريين من مدح للنظام بغير ما يستحق، لتتضح الحقيقة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن احتضان النظام السوري لزعماء الفصائل الفلسطينية، هو نوع من مصادرة حركة هذه الفصائل إلا بإذنه. فقد اضطرت الفصائل الفلسطينية (ومنها حماس والجهاد) لإلغاء مؤتمر لها كان مقررا انعقاده في دمشق، بعد أن قرر النظام السوري حضور مؤتمر تحضره إسرائيل والسلطة الفلسطينية و"الرباعية" عقد في مدينة" انابوليس" الأمريكية يومي
 27 و28 تشرين الثاني من عام 2007، بعد موافقة سورية على حضور المؤتمر. قال سفيرها في لندن "سامي الخيمي" لـbbc: إن المؤتمر يعتبر فرصة لواشنطن كي تستعيد مصداقيتها التي فقدتها في الشرق الأوسط بعد الغارة الإسرائيلية على موقع "الكبر" في شمال شرقي سورية في بداية أيلول من هذا العام 2007).

ثم أين هي المقاومة والممانعة ورفض التفريط في الحق والأرض يا إخواننا في مصر؟ وها قد مضى أربعون عاما على هضبة الجولان المحتل، لم تطلق فيها رصاصة واحدة باتجاه العدو الصهيوني. أما دعم المقاومة في لبنان، فهو لم يكن إلا وصاية فرضها النظام السوري على لبنان لمصادرة القرار اللبناني ليكون ورقة في يد النظام يقايض عليها العدو الصهيوني بالمفاوضات التي استمرت معه برعاية أمريكية، ثم بوساطة تولتها الحكومة التركية حتى أوقفها الزعيم التركي "رجب طيب أردوغان" عند اجتياح غزة في بداية عام 2009.

لقد نجحت سياسة الإخوان المسلمين الداخلية في مصر نجاحا باهرا عند مقاربتها للعلاقة مع نظام "حسني مبارك". لكن هذه السياسة كانت تتعثر عندما تتجه إلى الدول العربية الشقيقة خارج مصر. فقد كنا نرى اضطرابا وبعدا عن مقاربة الإسلاميين في هذه البلدان كما حصل في الموقف تجاه النظام السوري في سورية ولبنان والموقف من إيران التي لم تخف رغبتها في التوسع في البلدان العربية المجاورة مثل لبنان والعراق ودول الخليج.

وإلا فليقل لنا إخواننا في مصر كيف يمتدحون النظام السوري؟ وما يزال في سورية ساريا القانون رقم 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على كل منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين السوريين وبأثر رجعي، وقد تم تصفية آلاف الإخوان بموجب هذا القانون الظالم.  حتى إنه عندما وعد الرئيس "بشار أسد" في خطابه الأخير بإصلاحات، لم يورد الرئيس إلغاء القانون 49 لعان 1980 ضمن حزمة هذه الإصلاحات.

يا إخواننا في مصر، يا حبايبنا: لقد مدحتم النظام السوري في بيانكم آنفا بمدائح لا يطمح أي نظام عربي أن يمتدح بأكثر منها. بل إن المديح الذي أوردتموه بحق النظام السوري، ما هو إلا إدانة للشباب السوري الذي انتفض ضد هذا النظام، وإدانة للإخوان المسلمين السوريين الذين نفى النظام خارج سورية عشرات الآلاف منهم على مدى ثلاثة عقود، ومن عاد حوكم بموجب القانون 49. بل لقد سار النظام في دمشق على خطى "بن علي" وخطا "مبارك"، فأوحى إلى "بثينة شعبان" مستشارة الرئيس السوري بأن تتهم الإخوان السوريين بأنهم وراء الانتفاضة في سورية، مع أن الانتفاضة حق صرف لجيل الشباب.

كان الأجدر بالإخوة في مصر قبل أن يصدروا بيانهم إياه أن يرجعوا إلى إخوتهم في سورية فيستمزجوا رأيهم، خصوصا وأن بعض كبار الإخوة في سورية كانوا على اتصال بإخوانهم في مصر أسبوعيا أثناء انتفاضة الشباب السوري، ما حدا بنا أن نقول: "ما عدا مما بدا" أن تصدروا برأيكم حول قضية هي من اختصاص السوريين قبل أن تعودوا إلينا بها من قبل أن تنشروا البيان؟

                

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.