سياسة العنف ضد المتظاهرين

صالح خريسات

الحياة الاجتماعية هي عبارة عن مسلسل من ردود الفعل، ورد الفعل العنيف من طرف إنسان أو جماعة متجانسة، ضد فعل إنسان أو جماعة معارضة، قد يكون نتيجة سلسلة من الأفعال الاستفزازية المتراكمة، التي لا يقوى أحدها بمفرده، على إحداث رد الفعل. فالإنسان الضعيف، الذليل، الذي تشمت به الناس، إذا أنت تجاوزت حدود منطقة قابليته للإهانة، بتكرار عمليات الإذلال والتحقير، فإنه سيثور، ويتحول إلى رجل عنيف مكتمل الرجولة.

إن التعصب للرأي، ليس سبيلاً إلى الفرقة والفتنة فقط، ولكنه في الوقت نفسه، علامة على التخلف والانحطاط، وبوسع الراصد لمسار التاريخ العربي، أن يلحظ في مختلف مراحله وصفحاته، ذلك التلازم الدائم بين التعصب والانحطاط، حتى يكاد الاثنان أن يصبحا وجهين لحقيقة واحدة. والعجيب أن من الحكام العرب من يجيز لنفسه، أن يجتهد في أعوص المسائل وأغمض القضايا، ويقرر بما يلوح له من رأي وافق فيه أو خالفه، ولكنه لا يجيز للمفكرين المتخصصين، من بين الجماهير المحكومين، منفردين أو مجتمعين، أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه. فكأنه يقول من حقي أن أتكلم ومن واجبكم أن تسمعوا، ومن حقي أن أحكم ومن واجبكم أن تطيعوا. ويطلق على نفسه ألقابا طنانة كثيرة، فهو أبو الديمقراطية، وهو من يهب الحرية، وهو الحاكم بالعدل، ومن عنده خرج العلم، لكنه يقتل ووزيره يحصي، ويعتقل وسجانه يجلد،..

إن الحكام العرب المتمسكون بالسلطة من أجل السلطة، جعلوا من الاستبداد نظاماً سياسياً خاصاً بهم يختلف عن كل الأنظمة السياسية العالمية. وبحسب ما نجد في المصادر التاريخية، فقد كانوا سببا في كل المنازعات وإراقة الدماء. وكان الأولى بهم أن يحترموا وجهة نظر الآخرين، فهم لسوا أنبياء وغير معصومين من الخطأ.

إن تغييب العقل وتحجيم الفكر، واصطناع عالم غريب يتقاذف فيه الناس بالولاء والمعارضة، ويحتمون بالسوابق، لا يعني إلا أمراُ واحداُ، وهو الفرار من مواجهة الواقع. وفي الثورات التي عصفت بالوطن العربي، ابتداء من تونس مروراً بمصر واليمن وليبيا وسوريا وغيرها، وجدنا الزعماء العرب يجنحون إلى تشجيع مسيرات التأييد والولاء للنظام الحاكم، وسيلة للتقليل من حجم المعارضة السياسية، وإثارة الفتنة بين الجماهير ليظهر النظام من بينهما، أمام الرأي العام، عنوان الاستقرار والسلام، وأن زواله يعني حرباً أهلية لا أحد يعلم نتائجها. وهذا ما ظهر لنا بجلاء، في كل البلدان العربية التي شهدت ثورات الإصلاح والتغيير.

إن التربية السياسية القائمة على احترام الحقوق والحريات، وعلى تربية الجيل كله على قبول الرأي الأخر، واتساع العقل والصدر للمعارضة، مدخل كبير الأثر في تذويب ما يلجأ إليه المتسلطون من رغبة في ممارسة العنف ضد الجماهير، وهو إذا لم يحدث التغيير، يستمر حرباً باردة ضد المجتمع وفئاته وأحزابه، لا تلبث أن تستحيل إلى حرب ساخنة مدمرة، وأولى الخطوات الصحيحة في طريق منع التسلط والاستبداد والجنوح الفكري والعنف، تهيئة المناخ الحر للحوار المخلص المثمر، وكفالة الحقوق والحريات الأصلية، في إبداء الرأي، والاجتماع، وتكوين الجماعات بمقتضى القانون.

إن التقدير السياسي شيء، والتقدير الأفقي شيء آخر، وإذا لم يكن من الإنصاف أن نحمل أجهزة الأمن فوق ما تحتمل، وأن ننتظر منها الحل الشامل الكامل لهذه المشكلة، فإنه ليس من الأنصاف كذلك أن تتصدى أجهزة الأمن لعمليات التشخيص السياسي، واقتراح الحلول. وليس من الحكمة في شيء أن يعول على تقديراتها ورؤيتها وحدها في هذه الأمور.