يوميات الثورة السورية الكبرى 2011م 19
يوميات الثورة السورية الكبرى 2011م
-19-
مفردات غائبة في الخطاب الرئاسي الثاني
د.محمد شمس الياسمين
يوماً بعد يوم يزداد يقيننا أن العطار لا يصلح ما أفسده البعث, فكيف إذا كان العطار هو رأس البعث وقائده وزبانيته؟ يتحدث البعض عن الإصلاح المزعوم والحاجة إلى مزيد من الوقت – أزمات أربعين عاماً لا تحل بطرفة عين – قال أحد الرويبضات ويتناسى المتحدث أو يتحاشى الإجابة عن سؤال واحد فقط: من خلق خلال أربعين عاماً هذه الأزمات ومن أوصل البلاد إلى حالة يحتاج فيها الإصلاح إلى سنوات وسنوات؟! وعلام إذن هلل الإعلام ومهرجو النظام وطبالوه ومزمروه أربعين عاماً لإنجازات الثورة والحزب والقائد وحركاته التصحيحية منها والتحديثية؟! تقول القاعدة الشعبية إن الهدم أسهل من البناء فكم ستحتاج سورية لبناء ما دمره البعث في ثمان وأربعين عاماً؟!
لم يكن غريباً أن تختار مجلة غريبة شهيرة للأطفال إسم" فهمان" لشخصية كرتونية تلعب دور المحقق الناجح في كشف الجريمة والقبض على المجرمين, رغم أن المحقق فهمان كان محدود الذكاء إلا أن إرادته وحماسه كانا يقودانه إلى النجاح في مهمته,,, في بلادنا وحين يحوز طبيب ما على رضا مراجعيه ومرضاه , يصف المرضى الطبيب بـ" فهمان" كلمة يجتهد الأطباء لسماعها وترسيخها كصفة ملاصقة لعملهم وإضافة إلى الفهم يوصف الطبيب في سورية تحديداً بـ" الحكمة" ولذا غالباً ما نطلق على الطبيب لفظ" الحكيم",,مفردات " الفهم والحكمة" تنشأ من براعة الطبيب في أحد أمرين أو كليهما: الأول: براعته وإتقانه لمهنته بحيث يتقن فهم تشخيص الداء ووصف الدواء والثاني : براعته في فهم نفسية المرضى ومتطلباتهم المعنوية قبل العضوية وإرضاءها أو إشباعها! لكن طبيب سورية اليوم لا يتمتع بفهم المهنة ولا تفهم نفسية الشعب الذي اثخنه حزب الطبيب القائد بالأمراض والعلل والاسقام ولا حتى بالإرادة التي يمكن أن تقوده للفهم على نحو ما – من هنا جاء الخطاب الثاني لرئيس النظام في السادس عشر من إبريل 2011م أمام حكومته الجديدة مهاماً الغابرة قِدماً في الإهتراء فكراً وإجراماً وفساداً ليضيف لألام الناس وأحزانها ألاماً وأحزاناً - قال الاسد كثيراً وكثير الأسد قليل إلا حين يترجم بعد ساعات فقط – كعادة رئاسية سورية- إلى مجازر ومذابح على أرض الواقع ولما يرتجع صدى الكلمات أو يجف حبر الخطاب!
في خطاب الأسد تكريس لتشخيصنا الذي اسلفناه عن طبيب العيون الذي لا يسمع ولا يرى ولا يعقل ولا يفعل ناهيك عن أن يستحي أو يخجل, فالرئيس لم يسمع من خطابات الناس وشعاراتها ومن صور الجنائز والحداد والمأتم مطالبات الرحيل والمحاسبة وتعديل الدستور وتحديد الفترة الرئاسية وإلغاء حكم الحزب الواحد وتبييض السجون وإطلاق سراح المعتقلين ومحاكمة القتلة والمجرمين والفاسدين وعودة المهجريين والمنفيين قسراً وإنهاء مسألة مصير المفقودين منذ عشرات السنين والإعتراف بشرعية الثوار وشهداء الثورة من مدنيين وعسكريين والإعتراف بمسؤولية الأجهزة الأمنية عن هذه الجرائم وحل هذه الأجهزة القمعية... إلى اخر هذه القائمة الطويلة من المطالب والحقوق ,, الرئيس " الحكيم الفهمان" وبعد شهر من الثورة لم ير إلا " تقصير جهاز الشرطة في التعامل مع المظاهرات لأنها لم تعد لمثل هذه الأمور" وضرورة " مدهاّ بالعناصر والمعدات اللازمة لذلك" دون أن يفسر لنا كيف تعاملت الشرطة خلال 40 عاماً من حكمه وحكم أبيه مع المظاهرات المليونية العفوية المؤيدة لهما دون تسجيل أي شهيد أو جريح أو معتقل أو مفقود ! ولماذا فقدت الشرطة فجأة هذه الأهلية في التعامل! ولم يجب بالتأكيد عما إذا كان البديل هو الإستعاضة عن الشرطة بأجهزة المخابرات التي يبدو الأسد راضياً عن " أهليتها وتأهيلها" لمواجهة المظاهرات بالطريقة المناسبة التي تروق للرئيس! وبالطبع لم يشرح لنا الرئيس طبيعة المعدات التي تحتاجها الشرطة للتعامل مع مظاهرات مدنية سلمية !! وبالطبع غاب عن ذهن الرئيس وبداهته أن هذه الكلمات تعني إعترافاً وبشكل واضح بحقيقة أنه ووالده قادا بقوة القمع والإرهاب والإجرام سورية ولمدة أربعين عاماً دون السماح بمظاهرة أو معارضة !
في مدرسة الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن قدم الثوار لنا نظرية أن الثورة تقود إلى إرباك النظام ثم إهتزازه وسقوطه, في مدرسة الثورة السورية قدم الثوار شرحاً واضحاً وتفسيراً وتبريراً مثبتاً بالأدلة لكيفية حدوث ذلك. النظرية السورية في الثورة تقول: عندما يهدد شعب ما نظامه القمعي بالثورة ويبدأ في تنفيذها فإن هذه الثورة وقبل اي شيء مستحدث تؤدي لإصابة النظام من رأسه وحتى أخمص قدميه بمتلازمة متكاملة معقدة من عدة عناصر أبرزها الإصابة بالرعب وفقدان التركيز والتحكم والسيطرة وحالة عميقة من البلاهة والغباء يقود إلى حالة خطيرة من الصمم والعمى وفقدان القدرة على تحكيم العقل تسّرع في إصابة النظام بحالة شلل عام وصولاً إلى حالة الوفاة بالموت أو الوفاة بالرحيل – قال الثوار أو هكذا يفعلون!