قابيل جديد مستنسخ في سورية
محمد فاروق الإمام
[email protected]
لقد
مزق نياط قلبي مشهد لم تألفه عيني من قبل تصدر شاشات الفضائيات العربية والأجنبية،
تمثل بعرض صورة لمجموعة من رجال الأمن السوري وهم ينهالون على جثة أحد الشهداء
الذين سقطوا في درعا الشموخ والإباء ثم جروها إلى جهة مجهولة، لعلها إحدى المقابر
الجماعية التي أقاموها على عجل في براري درعا، ونفس المشهد تكرر مع جريح كان يستغيث
كي يسعفه أحد، فجاءه هؤلاء الساديون لينهالوا عليه بهرواتهم دون تمييز على كامل
جسده من رأسه حتى أخمص قدميه وهو يسترحم هؤلاء القتلة ويستعطفهم حتى فارق الحياة،
ثم سحلوه إلى جهة مجهولة لعلها نفس الحفرة الجماعية التي ضمت جثة الشهيد الذي سبقه،
ومشهد الفتى الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة وقد خرج لتوه من أقبية السلطات الأمنية
بعد اعتقاله لأيام، وقد ظهرت على وجهه وظهره الكدمات من آثار التعذيب الوحشي، حتى
ليخيل إلى البعض انه أُنقذ من مخالب ذئب متوحش أو من أنياب ضبع جائع.
صور
تعرضها الفضائيات العربية والأجنبية لصور قمع النظام السوري للمواطنين السوريين
الذين خرجوا يتظاهرون سلمياً مطالبين بالحرية والكرامة هي أقرب إلى أفلام الرعب
التي يحظر على النساء والأطفال مشاهدتها لبشاعتها.
قد
لا يصدق العقل لأول وهلة أن مثل هذا العنف الدامي يحدث في سورية الوادعة الجميلة،
التي تمكن الإعلام السوري لسنوات من تخدير الشارع العربي وإيهامه بأن سورية جنة
الله في الأرض، وأن سورية واحة الديمقراطية، وأن سورية بلد الصمود والتصدي
والممانعة والتحدي، وأن سورية قلعة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومربط خيولها.
لقد
سقط القناع عن الوجوه الحاقدة وتهاوت ورقة التوت عن عورات البغاة القتلة الذين
تفوقوا على قابيل الذي ندم وحزن بعدما امتدت يداه إلى أخيه هابيل وقتله وراح يبكي
على فعلته الدنيئة القذرة، وقد تمددت جثة أخيه أمامه وهو لا يعرف ماذا يفعل بها إلى
أن بعث الله إليه غراب اقترف نفس الجريمة وراح ينبش الأرض بمخالبه حتى ما إذا صارت
حفرة وارى ذبيحه فيها وهال عليه التراب، فقام قابيل وفعل نفس الشيء ووارى جثة أخيه
الذي أبت يده أن تمتد إليه وكان يقول: (لإن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي
إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).
قابيل ندم وحزن على فعلته وسعى إلى تكفير ذنبه بأن احترم جثة أخيه وواراها التراب،
أما الساديون في بلدي سورية التي يحكمونها بنفس الطريقة منذ 48 سنة، فقد تفوقوا على
قابيل وذهبوا بعيداً في حقدهم وجبروتهم وبغيهم وساديتهم، وقد تحجرت قلوبهم وتلبدت
مشاعرهم وتقلصت أحاسيسهم، فانسلخوا عن إنسانيتهم ليصبحوا أقرب إلى البهائم المتوحشة
التي لا ترعوي عن فعل أي شيء حرصاً على البقاء وهذا أقصى ما ينشدون فالغاية عندهم
تبرر الوسيلة!!
ولم
يتوقف الأمر عند هذه المشاهد المؤلمة والمرعبة بل راح هؤلاء الساديون يشكلون
مجموعات من القتلة بلباس مدني مميز عرفوا عند السوريين بـ(الشبيحة) مزودة بأسلحة
رشاشة، ودفعت بهم إلى الاعتداء بشكل وحشي على المتظاهرين المسالمين وأطلقوا نيران
رشاشاتهم عليهم بهدف القتل العمد، فقد كانت بنادقهم موجهة إلى الرأس والصدر، لتحصد
رصاصاتهم الغادرة العشرات منهم، ثم يمنعون الناس من إنقاذ الجرحى أو تسهيل وصول
سيارات الإسعاف إليهم لنقلهم إلى المستشفيات حتى مفارقتهم الحياة، موهمين الناس بأن
هؤلاء عصابات مندسة جاءت من خارج الحدود لتنفيذ مؤامرة خارجية تديرها الإمبريالية
والصهيونية التي عزَّ عليها وقوف سورية في مواجهتها وتحديها واحتضانها المقاومة، ثم
ما لبثت هذه المجموعات من القتلة أن انبرت لتقتل أفراداً من الشرطة والجيش لزرع
العداوات بين هذه الأجهزة وبين المتظاهرين المسالمين، ثم راحت أبعد من ذلك عندما
أقدمت على قتل بعض الأفراد من طوائف معينة بهدف إثارة النعرات الطائفية، متهمة
المتظاهرين المسالمين بمحاولة زرع الفتنة الطائفية في سورية، ليرقص هؤلاء الشبيحة
على شلالات دماء السوريين.
ثم
طور هؤلاء الساديون مخططاتهم الوحشية حيث دسوا بن أفراد الجيش والشرطة بعض عملائهم
كلفوا بمهمة قتل كل جندي أو رجل شرطة لا ينفذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين،
واتهام هؤلاء المتظاهرين والعصابات المسلحة بأنهم يقتلون أفراد الجيش والشرطة، وقد
وعى الناس هذه الألاعيب الرخيصة، فقد خرجت مدينة تدمر عن بكرة ابيها تشيع ابنها
الجندي الذي قتل على يد بعض هؤلاء العملاء لأنه رفض قتل أخيه المواطن السوري
المتظاهر سلمياً، ورفعوا يافطات كتب عليها (عارفين القاتل.. عارفين القاتل).. (أنت
يا بشار القاتل).
وأخيراً جيّش النظام جيوشه التي سحبها من مواجهة العدو منذ العام 1974 لتحتل المدن
السورية وتقفلها على أهلها وتمنع الماء والكهرباء والاتصالات عنها، وتحرم الأطفال
من الحليب والناس من الغذاء والدواء، وتسوق الفتيان والشباب والقصر إلى الساحات
العامة وتذيقهم مر الإهانة والعذاب، ثم تطلق بعضهم وتذهب بالبعض الآخر إلى جهات غير
معلومة.
هذا
ما يفعله النظام السادي السوري بمواطنيه في ظل تعتيم إعلامي متعمد، وتزييف وخداع
وكذب جيش من الإعلاميين والمسؤولين يدينون لهذا النظام بالولاء الأعمى يقلبون
الحقائق ويجعلون الأبيض أسود والأسود أبيض، حيث يمنع النظام أي وسيلة إعلامية
محايدة من دخول سورية أو ظهور أي شخصية حيادية على شاشات فضائيات النظام أو عبر
وسائل الإعلام التي يسيطر عليها منذ وطئت قدماه هرم السلطة، وقد أجهزت فرق الموت
التي جيشها منذ إعلان الانتفاضة الشعبية في 15 آذار الماضي على أكثر من 300 شهيد
وجرح أكثر من ألف متظاهر في مجمل المناطق والمدن السورية، التي تظاهرت سلمياً
مطالبة بالحرية والكرامة.
أخيراً نقول لقابيل العصر أننا سنظل في تظاهرنا وفي انتفاضتنا سلميين.. سلميين
وسنتصدى لقتلتكم بصدورنا العارية وأكفنا البيضاء الناصعة، ولن نقابل رصاصكم الغادر
إلا بالورود والرياحين والياسمين، ولن نرد على بذاءاتكم إلا بشعارات (الله..
سورية.. حرية وبس.. الله.. سورية.. حرية وبس) حتى تتحقق كل مطالبنا مهما غلت
التضحيات وتفننتم بأساليب التضليل والكذب والخداع والقتل وإراقة الدماء.. وحرمتمونا
من الماء والكهرباء والاتصالات والغذاء والدواء.