لا لتدمير ليبيا ولا لحكم القذافي

جميل السلحوت

[email protected]

بالرغم من الحكم غير الرشيد للعقيد معمر القذافي والذي استمر لاثنين وأربعين عاما، إلا أن الاستقواء بدول التحالف الغربي لتدمير ليبيا أمر مرفوض وغير مقبول، وقد أخطأت الجامعة العربية عندما أعطت الضوء الأخضر بذلك، فلن يقتصر أمر التدخل الغربي على الحظر الجوي على قوات القذافي، بل ستتعداه الى تدمير ليبيا، وربما الى احتلالها أو تقسيمها مستقبلا، تماما مثلما جرى في العراق، ففي يناير 1991هاجم التحالف الثلاثيني العراق بحجة تحرير الكويت، لكنه لم يتوقف بعد خروج القوات العراقية من الكويت، واستمر في قصف العراق ومحاصرته بحجة منعه من امتلاك أسلحة غير تقليدية، الى أن وصلت الأمور مداها في آذار-مارس-2003 حيث تم تدمير العراق واحتلاله وقتل شعبه تحت شعار"التحرير"الزائف.

وبالتأكيد فان تحالف الدول الغربية ليست معنية بحماية المدنيين الليبيين ولا غيرهم، بمقدار ما هي معنية باحتواء ثورة الشعب الليبي، ولو كانت أمريكا وحلفاؤها معنية بحماية المدنيين حقا لما شاركوا ولا يزالون في حصار قطاع غزة على سبيل المثال- المستمر منذ ما يقارب الخمس سنوات، وما ينتج عنه من تجويع وقتل مليون ونصف المليون فلسطيني، ولما زودت أمريكا اسرائيل في حربها على قطاع غزة في آواخر العام 2008 بالقنابل الفسفورية لحرق القطاع  ومواطنيه، ولما استعملت أمريكا الفيتو يوم 18شباط الماضي في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة.

لكن ذلك لا يعني عدم مطالبة القذافي بالتنحي عن الحكم، فالرجل أوقف عجلة الحياة في ليبيا منذ تسلمه الحكم في بداية سبتمبر 1969، ودمر الاقتصاد الليبي، وبعثر موارد ليبيا من البترول، وجيرها لأسرته، وسجن وعذب وقتل الكثيرين من أبناء شعبه، وحاول الضحك على شعبه وعلى العالم عندما اعتبر نفسه قائدا ثوريا وفيلسوفا أمميا، وملكا لملوك افريقيا، ودمر ليبيا الدولة بما سماه"حكم الجماهير" وأعتبر ليبيا دولة عظمى، مع أنه أعادها الى الوراء عشرات السنين، والتنمية فيها لم تواكب التنمية حتى في الدول النامية الفقيرة، لكنه أعطى الفرصة-دون أن يدري- لدول عظمى كي تهاجم ليبيا، فالرجل المصاب بجنون العظمة قال في شعبه ما لم يقله أعداؤه فيه، بل لم يكن يرى شعبه إلا في ذاته،"أنا ليبيا...أنا مجد ليبيا" وهدد بملاحقة شعبه" دارا..دارا...شبرا شبرا....زنقة زنقة" وهدد مع ابنه سيف الاسلام بحرب أهلية في ليبيا، واستعمل الأسلحة الثقيلة من طائرات وصواريخ ومدفعية لضرب شعبه، وهدد بجعل منطقة البحر المتوسط والشمال الافريقي ساحة حرب، مع أنه يعلم قبل غيره بأنه غير قادر على حماية حدود بلاده....والرجل المريض يعتبر نفسه قبل ليبيا، ولا ليبيا بدونه، ويلاحظ ذلك في الهتافات التي يلقنها أنصاره لبعض الصبية والأطفال على شاشة التلفزة الليبية مثل"الله...معمر...ليبيا" وكأن الرجل خليفة الله في الأرض، فهل ليبيا هي التي ستحمي القذافي أم أن القذافي سيحمي ليبيا؟ ولو كان الرجل يحب ليبيا وشعبها حقا لاكتفى بحكمها 42 عاما وتنحى عن السلطة تلبية لرغبات شعبه الذي ما عاد قادرا على احتمال حكمه المستبد، لكن نرجسيته وتشبثه بالحكم أبت عليه الا أن يقتل شعبه وأن يدمر وطنه المدمر أصلا من سنوات حكم البغي والاستبداد، ويبدو أن الرجل الذي لا يعنيه في ليبيا سوى كرسي الحكم ونهب الثروات لم يتعلم من أخطائه شيئا، فهو لا يزال يتهم شعبه بتنظيم القاعدة الارهابي كي يجند الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا لمحاربة شعبه، ومن المضحك أنه يعتبر ضربات دول التحالف الغربي لليبيا بـ"العدوان الصليبي" لاستقطاب العالم الاسلامي للوقوف معه، لكنه في نفس الوقت يعتبر حربه على شعبه بأنها حرب ضد الاسلاميين، وهو بهذا لم يكسب"الصليبيين" ولم يكسب"الاسلاميين".

ومع أن القذافي نفسه هو المسؤول عما جرى ويجري في ليبيا، وهو الذي أجبر شعبه على حمل السلاح ضد نظام حكمه، باستعماله القوة المفرطة ضد المتظاهرين المدنيين، مما أجبر وحدات كاملة من الجيش الليبي على الخروج عن طاعته، وأن تعلن انضمامها الى شعبها الثائر ضد حكم الطاغية، وبالتالي لاستعمال سلاحها للدفاع عن نفسها وعن شعبها، الا أن هناك أسبابا أخرى منها أن حكم الاقذافي الذي منع الحريات، ومنع تشكيل الأحزاب هو الذي قاد الى عسكرة الثورة الشعبية، والخوف كل الخوف هو أن يتم تقسيم ليبيا بعد التدخل الأجنبي، عدا عن تدميرها وقتل شعبها، وما التدخل الأجنبي الا محاولة لاحتواء الوضع الجديد في ليبيا وتجييره لصالح القوى التي تهاجم ليبيا....واذا كان القذافي معنيا حقا بحماية شعبه، ووحدة أراضي وطنه، فانه يتوجب عليه أن يتخلى عن الحكم لصالح معارضيه وليس لصالح مهاجمي ليبيا.

نسأل الله أن يحمي ليبيا وأن يحمي شعبها العظيم.