آذار يا آذار... يا ذكرى عزتنا وشؤمنا

إبراهيم درويش

الناطق باسم وحدة العمل الوطني لكرد سورية، المشرف على موقع

syriakurds.com

[email protected]

 لعل كثيرين لا يعرفون أن المؤتمر السوري العام ـ الذي كان يمثل مختلف مناطق بلاد الشام ـ قد أعلن في الثامن من هذا الشهر ( آذار ) عام 1920م استقلال سورية والمناداة بفيصل بن الحسين ملكاً عليها. ليشعر السوريون ـ بمسلميهم ومسيحييهم وعربهم وكردهم وسائر الفئات الأخرى من المواطنين ـ لأول مرة منذ قرون أن عهداً جديداً بدأ يطلّ بتباشيره، لولا أن الحلفاء كانوا يبيتون شراً ومكراً وسوء طوية.

 إن الثامن من آذار بهذا المعنى يعدّ رمزاً لعزة السوريين وفخارهم في العصر الحديث،لأنه بداية عهد من الآمال الكبيرة والطموحات العظيمة والأحلام الوردية التي راودت مخيلتهم.

 وإذا كان الفرنسيون والبريطانيون قد حالوا مدة ربع قرن بين السوريين وجني ثمار جهدهم وجهادهم فإن الأصلاء الغيارى من أبناء الوطن لم يستكينوا للذل ولم يستسلموا للاستعمار ومشاريعه،بل هبوا يدافعون عن كرامتهم وتراب وطنهم بما أوتوا من طاقة وقوة. ولا يزال الناس يذكرون بالإكبار والاعتزاز جهاد الشيخ كامل القصاب ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو وعزالدين القسام وعمر البيطار وأحمد مريود والشيخ بدرالدين الحسني وحسن الخراط وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وشكيب أرسلان ود.عبدالرحمن الشهبندر وإحسان الجابري وشكري القوتلي وفارس الخوري ود.عبدالرحمن كيالي وهاشم الأتاسي وغيرهم وغيرهم من أبناء الوطن البررة رموز الجهاد والوطنية، الذين جعلوا من هدف استقلال سورية وخروج المستعمر الفرنسي همّهم الأول، ليحيا أبناء الوطن أحراراً موفوري الكرامة.

 لكنّ لصوصاً موتورين ذوي تربية غريبة وانتماءات بعيدة عن روح الأمة ورحمها تسلّقوا على كراسي الحكم في ليل الثامن من آذار عام 1963م البهيم، وسمّوا حركتهم الانقلابية المشبوهة ثورة ورفعوا شعارات براقة خدّاعة، إمعاناً منهم في تزوير تاريخ الوطن وتقبيح كل جميل فيه، في مسعى حقير منهم لمحو ذاكرة الشعب وغسل دماغ أجياله الصاعدة، ظانّين جهلاً منهم وغباء أنّ انتفاش باطلهم وسراب وعودهم يمكن أن يغطي على جرائمهم وعهرهم السياسي وفساد طويتهم، ففرّغوا الاستقلال من محتواه، وأثبتوا أنهم بئس الإنتاج لفرنسا التي رحلت، فأصبح الثامن من هذا الشهر مناسبة لتذكّرِ الشؤم الذي حلّ بالشعب والوطن في سورية وما زال. لقد بلغ العهر بالرفاق الذين قادوا انقلاب الثامن من آذار أن يسمّوا هزيمة الخامس من حزيران عام 1967م انتصاراً، وكوفيء من أصدر أمر الانسحاب الكيفي من الجولان والقنيطرة قبل وصول العدوّ الصهيوني إليهما بأن عُيّن رئيساً للجمهورية!!

 وبلغت الوقاحة بهؤلاء حدّ الغثيان في تزوير إرادة الشعب والاستهتار بها عبر انتخابات تشريعية أشبه بالتهريج والتلفيق منها إلى الانتخابات، في ظل قانون الطوارىء والأحكام العرفية والمادة الثامنة التي تجعل من حزب البعث قائداً للمجتمع والدولة، وفي ظل القانون الانتخابي الذي يتاجر باسم العمال والفلاحين فيخصّص نصف مقاعد مجلس الشعب لأزلام النظام ومحاسيبه تحت هذا المسمّى، وكل العمال والفلاحين في سورية يعلمون أن أوضاعهم في ظل مبادىء البعث(الوحدة والحرية والاشتراكية) تزداد سوءاً،كما يعلمون أن هؤلاء المهرجين المصفقين لكل ناعق لا يمثلونهم ولا يشعرون بهمومهم ومشكلاتهم .

 وفي الثامن من آذار عام 1980 قال الشعب السوري كلمته عبر المظاهرات والمسيرات والأعمال الاحتجاجية التي عمّت معظم مناطق سورية،احتجاجاً على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس في ظل "الوحدة والحرية والاشتراكية"هذه الشعارات التي فسّرها الرفاق المتسلطون على رقاب الناس بالحديد والنار والعنف الثوري المتناهي في القسوة والوحشية...فسّروها بإفقار الشعب ونهب ثروات الوطن وإيداعها بأسمائهم في بنوك أجنبية، وخلق طبقة من الطفيليين أو الحيتان، همّها السلب والنهب والابتزاز وإفساد الذمم والأخلاق والنفوس، وإحياء مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة" و" جوّعْ كلبك يتبعك"، لأن نفوسهم الملأى بالحقد والضغينة على كل جميل وشريف أبت عليهم إلا أن ينجزوا ما عجز الفرنسيون عن إنجازه، من إذلال وإفقار للشعب السوري، وتوسّع في المعتقلات، وتخريب للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وتدمير الوحدة الوطنية، باتباع سياسات تقوم على الطائفية والعنصرية.

 لقد ردّ الرفاق على الثورة الشعبية في الثامن من آذار عام 1980م بعنفهم الثوري المعهود والمتوقع، وأنزلوا الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع للسيطرة على الأوضاع بارتكاب المجازر وسائر الموبقات التي كان الفرنسيون على ما كانوا عليه يتورعون عنها، وجعلوا من جماعة الإخوان المسلمين كبش فداء فسنّوا القانون المرقم 49 في السنة نفسها، الذي يحكم بالإعدام على كل متهم بالانتساب لهذه الجماعة، ثم توسّعوا في تطبيق هذا القانون فأعدموا بموجبه أعداداً كبيرة من المواطنين لا علاقة تنظيمية لهم بالإخوان المسلمين، وإنما كانوا مجرد مسلمين متديّنين يؤدون شعائر الدين، الأمر الذي يؤكد أن هدف السلطة كان ضرب الإسلام وأهله وليس فئة معينة. فخفتَ صوتُ الوطن والمواطن إلى حين، وصار الناس يربطون بين الثامن من آذار ووحشية السلطات الحاكمة في دمشق والمجازر التي أقامتها للأحرار والاعتداء على الحرمات وانتهاك الأعراض.

 وفي مثل هذا الشهر من عام 2004م هبّ المواطنون الكرد السوريون هبّة رجل واحد، احتجاجاً على سوء أوضاعهم وسياسة التمييز العنصري ضدهم من جانب هؤلاء الرفاق الذين دمّروا الوحدة الوطنية ـ كما قلنا ـ وجرّدوا عشرات الآلاف من الكرد السوريين من جنسيتهم لمجرد أنهم أكراد، مع ما ترتّب على هذا الإجراء الإجرامي من مصادرة أملاك هؤلاء المجردين وحرمانهم من حقوق المواطن السوري في التملك والتوظيف والتعلم والانتقال والسفر والعلاج في المستشفيات الحكومية وغيرها من الإجراءات التعسفية التي يندى لها جبين كل منتم للجنس البشري!

 لقد انتفض هؤلاء المواطنون الكرد وتحدّوا بصدورهم العارية رصاص السلطات المجرمة وقنابلها، فسقط عدد كبير منهم بين شهيد وجريح، كما كان الاعتقال التعسفي من نصيب أعداد كبيرة منهم، وبخاصة الأطفال الأحداث، الذين قضوا سنوات في سجون النظام دون محاكمة، حتى إذا بلغوا السنّ القانونية قُدّموا للمحاكمة أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى أبسط معايير العدالة، حتى لا يقال إنها حاكمت أحداثاً دون السن القانونية! أرأيتم خسة ودناءة أشدّ من هذه؟

 ولا ننسى أن الثامن من آذار يصادف يوم المرأة العالمي، وبهذه المناسبة فإننا نتوجه إلى المرأة الكردية بخاصة، والمرأة السورية والعربية والمسلمة وإلى نساء العالم أجمع بعامة بأحر التهاني وأطيب الأمنيات، في أن تحظى بحقوقها وكرامتها كاملة، وأن يكون غدها أفضل من يومها. وإن ننس فلن ننسى الفتيات والطالبات والنساء السوريات، كرديات وعربيات، في السجون السورية، اللواتي يتعرضن لأبشع معاملة وتوجه لهن أحط التهم، في أجواء مفتقرة لأبسط معاني العدالة والشهامة والنخوة. يا للعار!!!

 لقد حوّل هؤلاء الرفاق الأغراب اللصوص الدمويون هذا الشهر الذي يحمل السوريون تجاهه أجمل الذكريات إلى شهر للشؤم والنحس وتذكّر المآسي والنكبات، بل لقد ربط السوريون بين هذا الشهر والعنف الثوري للاشتراكيين الجدد، الذين يحملون تفسيرات ومفاهيم جديدة للوحدة والحرية والاشتراكية بعيدة عن قيمنا وأعرافنا وروح ديننا!!

 إن السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم مدعوون لتصحيح المسيرة التي انحرفت على يد هذه الفئة الضالة، ولجعل شهر آذار شهر الاستقلال الحقيقي، شهر إعادة المظالم لأصحابها، ورفع الحيف والظلم عن المواطنين، وإعادة رسم البِشر والبسمة على وجوه أبناء الوطن، فهل ترانا نحلم أم نطلب المستحيل ؟ وهل تراهم يفعلون؟

                

 * كتب هذا المقال ونشر في الموقع يوم16 December 2007، مع بعض التعديل في هذه النسخة، ولكن لأن الوضع في سورية لم يتغير وكأنه لحظة كتابة المقال فقد ارتأينا نشره