خواطر حالم بالوطن

طارق أبو جابر

كنت أتابع الشريط الإخباري عندما لاحت لي عبارة : الرئيس السوري يصدر عفوا عن الجرائم المرتكبة حتى الآن .. العبارة مثيرة ولافتة لشخص مبعد عن وطنه وأهله منذ نحو ثلاثين عاما ، وليس في حقه حكم قضائي ، ولا ادعاء عليه من أحد من الناس ، ومع ذلك هو في التوصيف الأمني (مجرم) ! أو (هارب) على حد وصف بعض المغرضين .. أسرعت لكي أتصفح الأخبار وأعرف حقيقة هذا العفو ، ودارت في النفس خواطر ..

 ترى ! هل يمكن أن تكون (جريمتي) و(جريمة) أمثالي – كما يصفونها – مشمولة بهذا العفو ؟ وهل سأحزم أمتعتي عند أول إجازة ، وأتجه إلى الوطن معترفا بجريمة لم أرتكبها ، لكي أستفيد من هذا العفو ، وألقى الأهل والأصحاب والديار ..؟ وهل يكون الرئيس الشاب الطبيب الرفيق الرقيق الأنيق .. قد فعلها ، وبدأ أولى الخطوات باتجاه الإصلاح ، والمتمثلة بإطلاق العفو العام ؟ وإن كان فعلها ، فكم ظلمه الناس عندما استعجلوا الحكم عليه ، ولم يصبروا ويمنحوه الفرصة الكافية ، ولم يقدروا الضغوطات الكبيرة التي كان يتعرض لها ، وكانت أقوى منه ؟ وها هو بمجرد أن تغلب عليها ، بفعل الطوفان الجارف للشعوب المنتفضة ضد الظلم والطغيان والاستبداد .. والذي قوى موقفه ، ورجح كفته على كفة الممانعين لأي انفراج ، وزاد من عزيمته العارمة على الإصلاح .. كان عند حسن الظن به ، عندما عين رئيسا ، وتفاءل الناس به ، وتوقع المحللون والخبراء في تحليلاتهم السياسية ، والتي كانت مبنية على منطق الأمور ، وتجارب التاريخ .. ومنها أنه لابد لمثل هذا الرئيس الذي لا مشروعية له ، أن يبحث عن مشروعية لهذا المنصب الذي احتله ، دون أن يمتلك شرطا موضوعيا ومنطقيا وقانونيا واحدا من شروط اعتلائه .. وهذه المشروعية ليست بالتأكيد ، إلا الإصلاح الشامل الكامل ، وعندها سيحمد الناس الأقدار التي تهدي الإنسان أحيانا ، أكثر مما يتوقع، وفوق ما يطمح إليه .. وأنه بلا شك كان لا يهنأ بطعام ، ولا يغمض له جفن باطمئنان، خلال هذه السنوات الطويلة ، لأنه لم يستطع أن يحقق ما يطمح إليه من إقامة العدل، ورفع الظلم ، ومكافحة الفساد ، وإيقاف القمع ، وإنصاف المظلومين ، وإعادة المشردين .. وتحقيق المشروعية في الحكم التي تحفظ ماء الوجه .. وأن حرمه المصون الرقيقة ...هي أيضا ، والتي نشأت في لندن ، وتشبعت بأجواء الديمقراطية والحقوق والحرية .. والتي ما كان لها أن تعيش مع شخص ظالم مستبد .. سلمته رأس السلطة عصابة قمع مهيمنة متوغلة فاسدة .. ليكون أداة طيعة لفسادها واستغلالها وقمعها .. لولا أنها كانت تعرف نواياه الطيبة ، وتعذره لقلة حيلته .. وكانت تعيش معه القلق والهم ذاته ، ولذلك رضيت به زوجا ، وشدت من أزره ، ووقفت بجانبه ، وكانت تتحين معه هذه اللحظة التاريخية .. فهي مظلومة أيضا – مثله – لذلك فإنها تستحق منا - نحن المظلومين – الاعتذار أيضا ، والتعويض عن الظلم ، وسوء الظن الذي فات..

 هذا بعض ما خطر لي ، والذي ما لبث أن تبخر عندما قرأت تفاصيل العفو إياه ، والتي كانت عفوا عن بعض الجنح والمخالفات ، بمناسبة الذكرى التي لا أعرف كم رقمها ، ولا أريد أن أعرف ، لثورة الثامن من آذار ، التي مهدت لقيام الحركة التصحيحية ، التي لا يقل أبدا أبدا ما فعلته بنا نحن أبناء الشعب السوري من مسخ لآدميتنا ، واحتقار لإنسانيتنا ، وهدر لكرامتنا ، وامتهان لأفكارنا ومعتقداتنا ، وتفريق لصفنا ، واستباحة لدمائنا .. عما فعلته ثورة الفاتح من سبتمبر بالشعب الليبي الكريم الأصيل الطيب ..