يسقط... يسقط... حكم المافيا

يحيى حسن عمر

(1)

السيسي معلقًا على أحداث سيناء: لقد (صفينا) مئات من الإرهابيين هناك خلال الشهور الماضية.

مصادر سيادية في 1 تشرين الثاني/نوفمبر: تصفية إرهابيين من المشتبه في تورطهم في استهداف مدرعة الجيش بالعريش.

المتحدث العسكرى في 28 تشرين الأول/أكتوبر: تصفية إرهابيين والقبض على 13 اخرين فى مداهمات شمال سيناء والاسماعيلية.

الداخلية في14 أيلول/سبتمبر: تصفية 7 إرهابيين كانوا مسؤولين عن جرائم مختلفة ومنها إعتداء الفرافرة.

وهناك العشرات من أمثال تلك البيانات خلال الشهور الماضية تتحث عن (تصفية) (الإرهابيين).

(2)

أرجو أن تقدح زناد فكرك وأن تحاول تذكر أين سمعت مصطلح (تصفية) من قبل، لن تجدك سمعته إلا في تعاملات عصابات المافيا مع العصابات المنافسة كما نراه في الأفلام الأجنبية !!، هؤلاء فقط هم من يستعملون مصطلح (التصفية) !!

أما في الدول، حتى الدكتاتورية منها فإنها لا تتحدث عن (تصفية) أحد، الفارق بين الأنظمة الديموقراطية والديكتاتورية يكمن غالبًا في ضمانات العدالة، وأن الدول الديماقرطية تتمتع ببنيان قضائي مستقل يضمن ضمانات عدالة للمتهم – البريء إلى أن تثبت إدانته بالمناسبة – بينما في الأنظمة الشمولية لا تتوافر ضمانات العدالة ولا القضاء المستقل ولا مراعاة حقوق الإنسان، أما موضوع (التصفية) فحتى معظم الأنظمة الدكتاتورية – العادية – لا تصل إليه إلا عندما تتدنى إلى الدرك الأسفل، وتتحول إلى أداء عصابات المافيا بشكل صريح ووجه مكشوف.

(3)

وعندما يخرج رأس النظام ليقول أننا (صفينا) مئات الإرهابيين في سيناء، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الزهن: هل هؤلاء الإرهابيون الذين (صفيتهم) أي نفذت فيهم حكم الإعدام، هل كان محكومًا عليهم بالإعدام حكمًا نهائيًا ؟!، الإجابة لأ، هل كان محكومًا عليهم بالإعدام أصلا ؟!

الإجابة مازالت بالنفي لمعظمهم، وحتى المحكوم عليهم بالإعدام فلابد أنه كان غيابيًا طالما هم خارج قبضة الأمن، فالأصل القبض عليهم أحياء لإعادة محاكمتهم، وأما الغالبية العظمى من هؤلاء المئات الذين تم (تصفيتهم) فلم يكونوا محكومًا عليهم أصلا بأي شيئ، فعلى أي أساس تم تسميتهم بالإرهابيين ؟، هذه أول جريمة في حقهم، إذ أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فتوقيع الإدانة – ولو لفظيًا – على البريء ولو كان متهمًا هو تجاوز عظيم في حقه، وهو الذي يقود لما يتلوه من التجاوزات، فعندما تدعي على بريء أنه إرهابي، فأنت تتجاوز في حقه بالإهانة والتحقير له ولعائلته وفي مجتمعه الصغير، وأنت في الوقت ذاته تهيئ المناخ المحيط لتقبل كل التجاوزات التالية في حقه والتي تقود في النهاية لسلبه أعظم الحقوق عند الله وعند الناس وهو حق الحياة عن طريق تصفيته وتنفيذ حكم الإعدام فيه دون محاكمة.

(4)

وعندما يقول الحاكم وزبانيته أنهم قاموا بتصفية المئات من الإرهابيين خلال الشهور الماضية – دون محاكمة – ودعواهم الوحيدة أنهم إرهابيون فنقول لهم أصلا شهادتكم عندنا كالعدم، وقد كنتم تقولون نفس القول على المواطنين الذين ذبحتموهم في (الحرس) و(المنصة) و(رابعة)، فإن كنا رأينا أكاذيبكم في حق من نعرفهم في القاهرة، أفنصدقكم في حق إخواننا في سيناء؟

ثم أنتم ثانيًا لستم جهة قضاء حتى تصنفوا الناس إرهابيين وغير إرهابيين، وإلا فماذا تركتم للقضاء ؟!. 

(5)

وثالثًا إن ضوابط إطلاق النار للقوات المهاجمة حددتها مواثيق دولية وقعت عليها مصر، وتحددها حالة الخوف على حياة القوات المهاجمة من إطلاق نار مقابل، هذا فقط، وليس من ضمن هذه الحالات أن يكون المطلوب القبض عليه تحت مسمى (إرهابي)، حتى لو كان هذا المسمى بعد حكم قضائي، ناهيك أن يكون هذا المسمى باطل من عنديات أجهزة الأمن تطلقه دون وجه حق أو سند قانوني على الأبرياء. 

(6)

وعندما يتحدث الحاكم وزبانيته عن (تصفية) مئات من المشتبه فيهم، وهؤلاء من مناطق قبلية معروفة بعدم نسيان الثأر، فما يتوقع أن يكون رد الفعل ؟!، وما هي تأثيراته القريبة على حياة الجنود من الجيش والشرطة ؟!، وما هي تأثيراته البعيدة على إحساس أهالي تلك المناطق بالمواطنة والإنتماء للوطن الذي يشارك جنوده في تصفيتهم، قصفًا بالدبابات وإغارة بالأباتشي ؟. 

(7)

إن ضربات الأباتشي المصرية لأراض مصرية لهي أخطر منها لو كانت ضربات أباتشي إسرائيلية، فإن ضربات العدو وإن إخترقت سيادة الوطن لكنها توحد الشعب مع جيشه، أما أن تأتي الضربات من جيش الوطن وشرطته تجاه الشعب أو فئات منه فهذه هي التي تمزق الوطن وتضع حزازات تدوم لعشرات السنوات.

(8)

إن الإبن الذي يتم (تصفية) أبيه دون محاكمة عادلة وأدلة واضحة لن ينسى، ولا شك أن الكثير منهم سيسعى لعمل (تصفيات مضادة) أخذًا للثأر، وتظل حلقة الدم لسنوات لتكون ثمار بذرة وضعها في الأرض حاكم موتور، ويرويها زبانيته بالدم الحرام، فهل تنتظرون إلا أن يكون طلعها كأنه رؤوس الشياطين ؟.