افتحوا الأبواب لنسيم الحرية
بدر محمد بدر
ما كل هذا الفساد والإفساد في الأرض الذي تصدمنا به أنهار الصحف الرسمية هذه الأيام؟! ما كل هذه الملايين بل المليارات التي جرى نهبها والسطو عليها بانتظام من أموال هذا الشعب المسكين دون حسيب أو رقيب؟! لماذا سكتت الأجهزة الرقابية المسئولة كل هذا الوقت حتى استشرى واستفحل هذا الوباء؟! حتى لا يكاد المرء يرى من بين أزلام السلطة وأعوان السلطان، والمتصدرين في ذلك العهد البائد، من هو طاهر اليد، أو يقظ الضمير، أو لديه شعور وطني صادق، أو حتى نخوة وشهامة ورجولة، إلا من رحم ربي؟!
إن هذا الفساد الذي يزكم الأنوف، ويثير الغثيان، ويملأ النفس بالمرارة، يؤكد أن هذا الوطن الغالي كانت تحكمه عصابة غاشمة، تدربت على النهب والسرقة والابتزاز والبطش والتنكيل، وعاثت في الأرض فسادا، حتى أهلكت الحرث والنسل.
وأسأل نفسي: كيف هان عليهم ملايين الجوعى والمرضى؟ وكيف هان عليهم ملايين العاطلين من الشباب، ومعظمهم من شباب الجامعات، وآلاف الهاربين إلى المجهول عبر البحار بحثا عن لقمة العيش؟ وكيف لم ترق قلوبهم لضحايا العبارة والقطارات من بسطاء الناس، أو للذين يقدمون على الانتحار، بعد فشلهم في توفير حياة كريمة لأسرهم وأبنائهم؟
لماذا استفحل واستشرى كل هذا الفساد والطغيان والجبروت؟ لماذا تطاولت وتزايدت كل هذه القسوة والأنانية والجحود؟ أليست هذه جريمة منكرة في حق الدين والوطن والإنسانية؟ لماذا غاب الوازع الديني والضمير الشخصي، بل والحس الوطني والإنساني؟!
أعتقد أن أحد أهم أسباب هذا الفساد والإجرام الأخلاقي، يرجع إلى قيام الأجهزة السياسية والأمنية بتجفيف منابع الدين والتدين، عن طريق السيطرة على المساجد والمنابر الدعوية، والصرامة في تقييد حركتها، والتحكم الكامل فيمن يعتلي منابرها، بل ومنع كل نشاط فيها يربي الوجدان الإيماني، ويفتح القلوب للتدين الواعي، ويحبب الناس في دينهم وقرآنهم، ويفتح الباب أمام الخوف من الله ومراقبته وحب الوطن والتفاني في خدمته.
أيضا حرمان كل من تتهمه الأجهزة الأمنية، بالحق أو بالباطل، بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو أن أحد أقربائه أو أصدقائه منهم، من تولي أي وظيفة رسمية، أو التعيين في الجامعة، أو العمل في أي مؤسسة إعلامية، أو حتى الظهور فيها، أو افتتاح دار نشر، أو.. أو.. وهكذا، فماذا كانت النتيجة؟
إن ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أسقطت الاستبداد في أعلى صوره، فتحت الباب واسعا أمام عودة المساجد والمنابر الدعوية إلى دورها الطبيعي والأصيل، في تربية الإيمان الصحيح في وجدان الأمة، وغرس التدين الوسطي الواعي في نفوس شبابنا الحر، فلا وصاية لأي سلطة سياسية أو أمنية أيا كانت، على ما يقدم للناس في المساجد، أو ماذا يقول خطباؤنا وشيوخنا وعلماؤناالأجلاء، وماذا يمتنعون عنه، كما يجب أن تحظى المؤسسة الدينية (الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء) ولها كل الاحترام والإجلال بالاستقلال المالي والسياسي والإداري الكامل، بعيدا عن هيمنة السلطة والأجهزة الأمنية.
وبعد ثورة التحرير لابد من صيانة واحترام حرية الرأي والفكر، فلا يضار أي إنسان أيا كان موقعه، في رزقه أو عمله، أو في حقوقه كمواطن بسبب أفكاره أو آرائه طالما أنها تلتزم بالقانون والدستور، وعندما يأمن الناس على أنفسهم وحريتهم وأرزاقهم، سوف تعود مصر إلى مقعد القيادة والريادة من جديد، وسوف تختفي هذه النماذج الفاسدة الشوهاء، التي نمت وترعرعت في أجواء الفساد والاستبداد.
آن الآوان أن نفتح الأبواب، كي يتنفس الشعب المصري كله، هواء الحرية النقي.