حكامنا لا يتعظون إلا بالرفس على القفى
لماذا يتعظ عقلاء الغرب بالكلمة
محمد فاروق الإمام
[email protected]
تشهد الساحة العربية العجب العجاب من مواقف الحكام العرب الذين
تتعرض أركان حكمهم إلى هزات عنيفة أشبه ما تكون بالإعصار الذي يجرف كل ما يصادفه
دون سابق إنذار، فالجماهير الثائرة على الظلم والطغيان واحتكار السلطة والفساد
أسقطت طاغية تونس زين العابدين بن علي، وتوجهت بوصلة الجماهير الغاضبة نحو طاغية
مصر الذي ظل يكابر بكل صلف وغرور حتى أرغمته الجماهير الثائرة في ميدان التحرير على
أن يخلع نفسه رغم أنفه وأنف كل البلطجية والفاسدين الذين كانوا عماد حكمه، وتوجهت
بوصلة الجماهير نحو ليبيا حيث يقبع في سدة الحكم عميد الحكام العرب (42 سنة) وملك
ملوك أفريقيا وأمين الأمة الديكتاتور المهووس معمر القذافي الذي سحب الشعب الليبي
الثائر البساط من تحته وتركه عارياً في قلعته باب العزيزية يصارع الموت متشبثاً
بالحياة على أشلاء الآلاف من الليبيين الذين سقطوا بنيران مرتزقته في طول البلاد
وعرضها، ولما كان هو صاحب النظرية الثالثة فإنه اضاف نظريات جديدة ستظل الأجيال
تتندر بها بعد سقوطه. النظرية الأولى تقول: إن شعبه يحبه وأنه مستعد أن يقاتل من
أجله حتى الموت، في الوقت الذي كانت فيه الجماهير الغاضبة الثائرة تهتف من شرق
البلاد إلى غربها (الموت للقذافي). النظرية الثانية تقول: إن الشعب الثائر
بالملايين من طبرق حتى طرابلس هم من تنظيم القاعدة الذين أرسلهم بن لادن إلى ليبيا
وأن الذين يتظاهرون في المدن الليبية مخدرون بفعل الحبوب المخدرة التي زودهم بها بن
لادن.
اليمن لم يسلم من هذا الإعصار الذي يجتاحه اليوم من عدن جنوباً
وحتى عمران شمالاً حيث تعتصم الملايين في الساحات العامة والميادين مطالبة الرئيس
اليمني علي عبد الله صالح بالرحيل، ورغم سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى
فإن علي عبد الله صالح يصك أذنيه ولا يصغي لمنطق العقل، بل يتمادى في غيه وصلفه
وتحديه مبتدعاً نظرية لا تقل قرفاً وحزناً عن نظريات القذافي، حيث يتهم الملايين
المعتصمة بالساحات والميادين بأنهم حفنة من المقلدين والمندفعين من قبل الصهاينة
الذين يديرون تسيير هذه الألوف المؤلفة من غرفة عمليات في تل أبيب وبإشراف الولايات
المتحدة.
العراق كان محطة هامة لهذا الإعصار حيث خرج الآلاف في كل المدن
العراقية وفي مقدمتها العاصمة بغداد مطالبين برحيل وزارة الفساد والطائفية التي
يتزعمها المالكي، الذي تصدى بدوره لهذه الجماهير بالرصاص وقنابل الغاز وخراطيم
المياه والاعتقال، وهو مصر على مجابهة الجماهير الغاضبة مهما كانت الخسائر، في
مقابل إصرار الجماهير العراقية في دفع فاتورة الحرية والتغيير مهما غلت التضحيات.
إرهاصات هذا الإعصار دقت أبواب دمشق حيث الشارع السوري المتململ
وجماهيره المحتقنة من النظام الحاكم الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي الشمولي
منذ العام 1963 في ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية وهيمنة السلطة التنفيذية على
السلطتين التشريعية والقضائية واحتكار وسائل الإعلام، وتغول الأمن في كل مناحي
حياة المواطن السوري وأسباب عيشه، ناشراً الرعب في مفاصل المجتمع السوري الذي تعرض
لمجازر ومذابح ما شهدها العالم في العصر الحديث (مجزرة حماة 30 ألف قتيل، مجزرة
تدمر 1000 قتيل، مجزرة حلب 100 قتيل، مجزرة جسر الشغور 200 قتيل، مجزرة صرمدا 70
قتيل، مجزرة بانياس 40 قتيل، مجزرة حمص 100 قتيل، مجزرة اللاذقية 70 قتيل) إضافة
إلى عشرات المجازر التي تمت في جنح الظلام وراح ضحيتها المئات، وسوق عشرات الآلاف
إلى السجون والمعتقلات راح منهم المئات تحت سياط التعذيب، ومن نجى خرج من هذه
المعتقلات والسجون أشباه رجال، فيما لا يزال هناك نحو 20 الف مفقود تأبى سلطات
النظام كشف أسمائهم ومصيرهم منذ العام 1980، وإجبار مئات الآلاف للهرب إلى المنافي
في كل بقاع الأرض، ولا يزال النظام حتى الساعة يسوق نخب الوطن وأعلامه ومفكريه
وقادته وشرفائه ووطنييه إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية وإصدار الأحكام الجائرة
بحقهم، فالعالم كله تناقل أخبار اعتقال شيخ الحقوقيين القاضي هيثم المالح الذي
تجاوز الثمانين من العمر، ويقضي حكماً في السجن في أسوأ معاملة، كذلك سمع العالم
بالطفلة المدونة طل الملوحي ذات التاسعة عشر ربيعاً التي حكمت عليها محكمة أمن
الدولة بخمس سنوات لإبداء بعض الملاحظات على سلوك النظام السوري وفساد رجاله،
وقائمة المعتقلين لا تخلو الصحف اليومية أو الشريط الإخباري في القنوات التلفزيونية
العربية والعالمية من ذكر أسمائهم على مدار الساعة.
صحيح أن إرهاصات إعصار التغيير قد دقت أبواب دمشق على استحياء،
حيث عبر الآلاف في مناسبات متقاربة عن غضبهم تجاه صم النظام أذنيه عن دعوات الإصلاح
والتغيير السلمي، إلا أن ما حدث في سوق الحريقة التجاري وأمام السفارة الليبية في
دمشق، وإضرابات عمال ميناء طر طوس وبعض البلدات الساحلية والشمالية، بدايات كسر
حاجز الخوف، ولابد لكرة الثلج أن تكبر ويتمخض عنها جبل يقف بشموخ أمام النظام
السوري السادي، ويفعل ما فعله شباب تونس وشباب مصر وشباب ليبيا وشباب اليمن وشباب
العراق، وشباب سورية هم الأحق والأجدر بان يكونوا في مقدمة مسيرة الحرية بعد ما
يقرب من نصف قرن من شمولية النظام وساديته وقهره وفساده.
وحتى تكتمل الصورة لابد من أن نتذكر القائد الفرنسي شارل ديجول
بطل تحرير فرنسا من النازية الذي استقال عام 1969 من منصبه كرئيس لفرنسا بعد أن
أمضى به 11 عاماً، وذلك بعد هزيمته في استفتاء شعبي
حول الإصلاحات
الحكومية، وأصدر قصر الإليزيه بياناً رئاسياً موجزاً من
ثلاثة أسطر بعد منتصف
الليل أعلن فيه قرار الاستقالة. وتم تنفيذ القرار بعد ساعة من
إعلانه.
من هنا نتساءل بكل ألم: لماذا لا يملك الحكام العرب الشجاعة
ويتحلون بالنبل وينسحبون بشرف وطواعية من الميدان دون أن يرفسوا على قفاهم، وقد
لفظتهم الجماهير ومجتهم وسارت بالملايين تطالبهم بالرحيل، وهم متمسكون بالكرسي
وكأنه أصبح جزءاً من كيانهم وذاتهم لا يستطيعون الانفكاك عنه، وقد تندر البعض في
ساحة التحرير بالقاهرة وقد حمل أحد الثائرين لوحة رسم عليها الرئيس حسني مبارك
جالساً على كرسي الرئاسة ومتشبثاً بكل قوة به، وكتب تحتها عبارة (نريد عملية جراحية
لفصل هذين التوأمين).