القذافي صورة مستنسخة عن غراتسياني
محمد فاروق الإمام
[email protected]
رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني في مواقفه المعادية
للشعب الليبي وانحيازه السافر للديكتاتور الأرعن العقيد معمر القذافي، أمام
الانتهاكات الفظيعة والقمع الدموي التي يتعرض لها المحتجون الليبيون المسالمون
المطالبون بالإصلاحات الدستورية والصحة والتعليم وتحسين أوضاعهم المعيشية وإيجاد
فرص العمل لجيش العاطلين عن العمل من الشباب الليبي يقول: (إن الوضع يتطور باستمرار
وإنه لا يريد إزعاج الزعيم الليبي معمر القذافي في هذا الشأن). وأثار هذا الموقف
حفيظة المعارضة الإيطالية التي انتقدت بشدة موقف المتفرج الذي تلتزم به حكومة
برلسكوني إزاء القمع الذي تمارسه السلطات الليبية ضد المتظاهرين، حيث وصف والتر
فلتروني من الحزب الديمقراطي صمت الحكومة بأنه (مروع ومصم للآذان).
كما وصف فرانشيسكو روتيلي من حزب الائتلاف من أجل إيطاليا موقف
برلوسكوني بأنه مذهل، مؤكداً أنه سيسأل وزير الخارجية فرانكو فراتيني عن كون سياسة
(عدم إزعاج القذافي) هي أيضاً السياسة المتبعة في الاتحاد الأوروبي.
كما طالب زعيم الخضر أنجيلو بونيلي الحكومة بـعدم التحول إلى
عكاز يتكئ عليه الزعيم الليبي، مشددا على أن إيطاليا (لا يمكنها الاستمرار في دعم
ديكتاتور يحكم عبر انتهاكه بانتظام حقوق الإنسان وحرمان شعبه من الديمقراطية).
ويوم الأربعاء الماضي شذ رئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني عن
زملائه في الاتحاد الأوروبي الذين أجمعت مواقفهم على إدانة العنف المستخدم في
التعامل مع الاحتجاجات في ليبيا، فقد أعرب عن مخاوفه من احتمال هجرة 300 ألف مهاجر
غير شرعي إلى إيطاليا، قارعاً ناقوس الخطر مما وصفه بـ(الأصولية الإسلامية) وتشكيل
إمارة إسلامية في شرق ليبيا، مشدداً على أنه لا يعرف في ليبيا غير القذافي.
مواقف برلوسكوني السادية العنصرية الحاقدة تذكرنا بسلفه مجرم
الحرب رودلفو غراتسياني وما ارتكبه من جرائم بحق الشعب الليبي، وما رسم من خطط
ونفذها لإبادة الشعب الليبي قتلا وتهجيراً، وقد تفنن هذا المجرم في ابتكار الوسائل
لتحقيق ذلك المخطط الرهيب، فأقام المحكمة الطائرة التي كانت هيئتها تنتقل من مكان
إلى آخر بطائرة خاصة لتحكم بشنق الليبيين على الفور رجالاً ونساء في محاكمات صورية،
كما أنه كان وراء إقامة المعتقلات الجماعية الرهيبة للآلاف من الليبيين، بخاصة سكان
الجبل الأخضر،
وقد حشر فيها أكثر من مئة ألف مواطن جلهم من النساء والشيوخ والأطفال. كما أن أكثر
هؤلاء المعتقلين ماتوا في معتقلاتهم جوعاً ومرضاً وقهراً، أو برصاص الطليان
ومشانقهم، وكان غراتسياني يقول حين يجد من يعارضه على عمليات الاعتقال الوحشية هذه:
(لقد قررت وصممت، ولن أتراجع حتى ولو أدى هذا الإجراء إلى فناء أهالي برقة جميعهم)،
وهو نفس المنطق الذي يتحدث به الديكتاتور الأرعن معمر القذافي اليوم.
لقد أمر المجرم غراستياني بمداهمة نجوع الليبيين، وإجبار سكانها
على ترك أراضيهم وممتلكاتهم وسوقهم في قوافل إلى المعتقلات الجماعية المخصصة لهم
وكان أشد المعتقلات قسوة هو معتقل (العقيلة)
الشهير الذي اعتقل فيه المجاهدين، وكانت أهم القابئل التي دخلت المعتقل قبيلة
(المنفة) وهي قبيلة شيخ الشهداء (عمر
المختار) التي ذاقت أشد أنواع القهر والعذاب. كما
أجبر أفراد قبيلة (العواقير) على السير على الأقدام إلى مسافة تصل إلى 300 كيلومتر
في طرق وعرة أو صحراوية وفي مناخ قاس شديد الحرارة، وكان حين يبطئ كبار السن
والضعفاء في المسير، يعمد حراسهم الإيطاليون إلى أخذهم جانباً، وإعدامهم رميا
بالرصاص، لأن أوامر غراتسياني كانت شديدة، بحيث لا تسمح بأي تأخير للوصول إلى
المواقع المقررة لاعتقالهم، لكن رحلة العذاب والموت هذه لم تكن إلا البداية فالذين
وصلوا أحياء كان ينتظرهم مسلسل آخر للآلام والاهانة القهر.
كما قاد غراتسياني عملية الهجوم على مدينة (الكفرة)
مشرفاً على الفظائع التي ارتكبت فيها من قبل جنود الطليان ضد الليبيين المسالمين،
وكان غراتسياني يأمر طياريه بإلقاء قنابل الغازات السامة مثل غاز (الفسجين) الذي هو
مركب من (الكربون
والكلور)،
وهو من أشد الغازات فتكاً، لأنه أثقل من الهواء ثلاث مرات ونصف، وبالتالي يبقى في
شكل سحابة غاز ملامسة للأرض، كما أنه أكثر سمية من (الكلور 15 مرة)، ويوصف بأنه
قاتل للإنسان الذي يبقى عشر دقائق يتنفس هواء يحتوي على 45مم من هذا الغاز في المتر
المكعب الواحد من الهواء، ويمكن أن يكون مميتا حتى ولو كان تركيزه أضعف من ذلك، كما
استقدم الطيران الإيطالي ليصب حمم قذائفه فوق رؤوس الليبيين التي كانت تحتوي
الغازات السامة، وإلقاء القنابل الحارقة والمتفجرة، ويلاحق الناجين بالرشاشات،
ليحصد الآلاف من الليبيين خنقاً بهذه الغازات المحرمة دولياً.
وهكذا فقد تم على يد هذا السفاح قتل الألوف من الشعب الليبي،
وكان آخرهم الشهيد البطل (عمر
المختار).
برلسكوني اليوم وجد ضالته في العقيد القذافي ليلعب نفس الدور
الإجرامي الذي لعبه غراتسياني قبل ما يقرب من مئة عام، ويتلذذ بمنظر أنهار الدماء
التي تنزف من أجساد الليبيين، ولا يريد ان يزعج القذافي في نشوته بسفك تلك الدماء
التي تروي صحراء ليبيا التي خضبتها دماء أجدادهم على يد غراتسياني، ولم يكتف
برلكسوني بالوقوف إلى جانب القذافي في المحافل الدولية بل أرسل بوارجه الحربية إلى
السواحل الليبية لتقدم للقذافي الدعم، ومحاولة إنقاذه إذا ما اقتربت الجماهير
الليبية الغاضبة منه، كما فعل هتلر بسيده موسوليني وأنقذه من الشعب الإيطالي في
الحرب العالمية الأولى، ونسي برلكسوني الفصل الأخير من مصير موسوليني عندما تمكن
منه الشعب الإيطالي الثائر وأعدمه مشقلباً رأسه إلى الأسفل وقدماه إلى الأعلى
تنفيذاً لوصيته، ولا أعتقد أن نهاية الديكتاتور الأرعن العقيد معمر القذافي الذي
باع نفسه للشيطان ستكون نهايته أفضل من نهاية هتلر أو موسوليني أو نيكولاي
تشاوشيسكو أو سلوبودان ميلوسوفيتش!!