فخامة الرئيس ..عذراً
فخامة الرئيس ..عذراً
عامر ممدوح
[email protected]
)
إلى الأبطال الذين يرسمون حاضرهم ومستقبلهم بأيديهم في جميع
أرجاء الوطن العربي الحبيب.. تحية إجلال وإكبار )
سيدي الرئيس ...
عذراً إن كنت قد تطفلت وتجاوزت حدودي فأمسكت بالورقة والقلم لأكتب إليك ، فأنا
أعلم يقيناً مشاغلك ــ أعانك الله على قضائها ــ ومدرك حقيقة مهماتك الجسام
التي تقوم بها منحك الله الصحة والوقت لإنجازها .. ولكن شيئاً ما أزعجني وقض
مضجعي دعني أبوح لك به ، اولست تقول كل حين أنك والد لنا ؟! فمن يسمعني غيرك ؟
وأنا الذي غُذيت منذ صغري حبك وطاعتك ، وفتحت عيني على صورك التي تملأ كل دارنا
، وأنصت أذنيي لخطاباتك المفوهة التي أصبحت بمثابة الطعام والشراب لنا .
واطمئنك ابتداءً إلى إنني إبن مطيع ، أصحو يومياً على أقوالك واكتفى بتأمل صورك
التي تملأ ساحات وميادين بلدي أكثر من إشارات المرور لأجد نفسي قد عزفت عن الطعام
.. لأنني شبعت طبعاً !! بل لا تصدق سيادتك إن قلت لك بأن إبني الصغير ظل يبكي ليلة
أمس ليس طلباً للحليب وإنما لأنه افتقدك ، فقد تعوّد عليك تطل يومياً بخطابك ذي
الساعات السبع تنسيه آلامه وجوعه وعطشه ( وبالمناسبة هناك سؤال يحيرني ، أنا وعلى
الرغم من السنين الطويلة التي تابعت فيها خطاباتك لم استطع أن أفك شفرتها ، وعلى
الرغم من ذلك ظللت اتابعها بسرور لأن عسر الفهم ربما كون خطاباتك تعبر عن عمق
نضالك الثوري وبالتالي ليس كل من يسمعها أو يقرأها يفهمما وليس بسبب أنها متناقضة
أو من دون قيمة .. العفو .. )
إن
المسألة التي نويت مصارحتك بها خطيرة ، فالحديث ــ يا سيادة الرئيس ــ يكثر كل حين
عن حقوق الشعب ، وحرياته ، وضرورة التغيير ، فعن أي شيء يتحدث هؤلاء ؟ وماذا يريد
الشعب أكثر مما أعطيت ؟!! ليحمدوا ربهم أنهم ما زالوا على قيد الحياة وأنك منحتهم
حق التمتع بالشهيق والزفير ..
إنهم يتحدثون عن الحريات ، يريدون صحفاً ومجلات وقنوات ليس لها هم سوى إثارة
المشاكل والنعرات الإثنية والفئوية الكريهة ، والإعادة والتكرار في أمور لا فائدة
منها البتة ، ونحن بأمس الحاجة إلى الهدوء .. والاستقرار لنتفرغ لقضايا الأمة
المصيرية التي لم تحل منذ عقود ، لا تأبه لهم يا سيادة الرئيس ، فصحيفة ومجلة وقناة
واحدة كافية ، بل واحدة من هذه الثلاث تكفي ، فلا حاجة لها ما دامت تتحدث بذات
الأخبار والأقوال والتصريحات !! .
ثم
يزعجوننا ليل نهار بكلامهم عن الديمقراطية ، والحكم الرشيد ، ومنح الحقوق ،
والعدالة الاجتماعية ، والأمة مصدر السلطات ، وأسماء لا أحفظها منها مونتسكيو
وفولتير وشعبان عبد الرحيم وغيرهم ممن يريدون تعكير صفو أمننا القومي .. وعلاجهم
بأن تقبض عليهم فوراً حتى لا يسمموا أفكار شعبنا ، إرسل تحرياتك وعيونك ليبحثوا
عنهم وهم أصحاب خبرة وتفوق في هذا المجال ، لتقبض عليهم وتريهم كيف تكون حقوق
الإنسان مصونة في عهدك .. ولا تركن لهم فهم جزء من مؤامرة امبريالية شوفينية
راديكالية ( مع إني لم أدرك إلى الآن كيف اجتمعت هذه المتضادات ) ؟!!
سيدي الرئيس ... اطال الله بقاءك حتى تمل الكرسي الذي تجلس عليه ، بل وتمل العيش في
هذه الدنيا وهما أمنيتان من الصعب تحقيقهما أعلم ذلك ، ليس لأن الموت علينا حق ولكن
لاستحالة حدوث هذا الملل المعجز من الدنيا !! إن مرحلتنا الدقيقة التي نعيش
تفاصيلها تتطلب منك التركيز وبذل الجهد .
فلأجل وطننا العزيز .. نحتاج إلى أن تنظر إلى أولادك من الآن فترى أيهم أولى
بخلافتك ، لا تخف من أقوال القائلين فهؤلاء هم حسادك ، فمن أفضل لوطننا غير واحد من
عائلتك يحسسنا بأنك مخلد بيننا لا تموت ، ومن الطبيعي أن الإعداد والتأهيل يتطلب
ضمان مستقبلهم .. أنا أرى أن تركز على الاستثمار في الريف الانكليزي ، يقولون أن
الفرص هناك متاحة للربح الوفير ، لا تهتم لمن يقول إن مستوى الفقر لدينا كبير ،
فماذا تفعل للرعية ، لقد كتب الله عليهم الفقر ، ونحن أمة تؤمن بطبيعة الحال
بالقضاء والقدر !! .
لا
تفهم أن طوابير الناس على المخابز والأفران هي بسبب عدم وجود الخبز ، أبداً ، إن
خبراً انتشر بتوزيع أرغفة مغلفة بصورك وأنت تبتسم ، فتهافت الناس لازاحة همومهم
بالشراء ، وذلك طبيعي ، فمن الواجب أن يصحح الناس مفاهيمهم : (فالشعب ، والشرطة ،
والجيش ، والوطن كله .. في خدمة الرئيس ) .
كما
لا تهتم سيادتك لصحيفة معارضة تصدر في خارج الوطن تزعم إنك تهرب أموالنا وتنهبها
وتستولي عليها ، فأفضل رد على هؤلاء إنك تفعل ذلك خوفاً من الحسد ، ولا يحزنك ما
ينشره موقع ويكيليكس عن فساد حاشيتك ، فصاحب الموقع أيضاً هو يحسدك ، ولذلك فنصيحتي
لمواجهة هؤلاء أن تضع لك صورة كبيرة في ساحة عامة مطرزة بالآية الكريمة ( ومن شر
حاسد إذا حسد ) .
أما
موضوع الحريات الذي لا يفتأ هؤلاء بتكرارها ليل نهار ، فلا يشوبها مئات المعتقلات
المملوءة بالنزلاء ، فهم الذين أدخلوا انفسهم خلف قضبانها طواعية وهرباً من أزمة
السكن الخانقة ، وما يقال عن التعذيب وامتهان الكرامات كذب محض ، فالأمر لم يتعد
حالات وفاة عدة داخل السجون ليس بسبب شدة التعذيب وإنما بسبب صعف بنية اولئك
المساجين ، الذنب ليس ذنبك .. كما إن الحديث عن الكرامة مبالغ فيه فليس بين العائلة
الواحدة مثل هذه التعابير .. الذنب ليس ذنبك .. اقمع واضرب بيد من حديد أو أي معدن
آخر أشد وطأة وقوة ..
................................................
................................................
.................................................
سيدي الرئيس .. هل أفرحك كلامي ؟!! أكيد .
هل
اقتنعت به ؟!! ...... ربما يكون الجواب نعم أو لا ، فليس هناك فرق ما دمت على كرسيك
ثابتاً ؟ولكني اسالك سؤالاً واحداً لا زال يحيرني : كم قفلاً تضع على أبواب غرفتك
؟! وهل لك مكان محدد تنام فيه ؟! أم إنك تجوب الفيافي والقفار ليل نهار ، وكم مرة
تزورك الكوابيس لتقض مضجعك ؟ بل كم حارساً يحرسك ؟! وهل تأمن يوماً أن تجول في أزقة
وطنك العزيز من دون جيش يحميك ؟!
إن
الحاكم الرشيد ــ يا سيادة الرئيس ــ هو من يحميه شعبه بعيونهم وأرواحهم وليس من
يعيش مقتاتاً على الحراس المأجورين .. ولا يغرنك ثبوت كرسيك ظاهرياً ، فربما كانت
أرجله أضعف من أن تواصل الصبر على حِملك المثقل بجراحات ودماء وأموال مواطنيك
ليتهاوى في أيام قليلة وتكون بعدها فخامة الرئيس ( المخلوع ) .
فيا
سيدي :هل أنت بعد هذا كله حاكم رشيد ؟!! اترك الاجابة لك ومع نفسك ...