بعد تونس ومصر!.. سورية إلى أين؟
بعد تونس ومصر!.. سورية إلى أين؟
الطاهر إبراهيم *
لا حاجة بنا للتذكير بأن المراقبين السياسيين أحسوا هذه الأيام أن هناك تأزما في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أكثر من قطر عربي. وعندما يحصل التأزم بأحد هذه القضايا أوكلها فستحاول أن تجد لها متنفسا بأحداث سياسية واحتجاجات عمالية أواعتصامات نقابية، وربما تنفلت الأمور لتصبح ثورة عارمة كما حصل في تونس ومصر.
أكثر المراقبين كانوا يرشحون مصر لتقود لواء التغيير في العالم العربي لأسباب عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: وجود حراك سياسي تمثل في عدة حركات مثل حركة "كفاية"، وحركة "شباب 6 أبريل" وغيرهما. كما أن ضخامة الشارع المصري كان ينبئ بأنه يصعب السيطرة عليه إذا ماانفجرت ثورة في مدن مصرية، كلها أوأكثرها. لعل الذي ساهم في توقع أن يكون التحرك الأول مصريا بامتياز لوجود هامش صغير من الحرية تمثل بصحافة حرة وقضاء نزيه وأحزاب مرخص لها وإن كانت ضعيفة، ووجود نقابات مستقلة إلى حدٍ ما.
لكن الذي فاجأ الجميع غربا وشرقا عربا وعجما أن التحرك الأول بدأ في تونس التي لم تكن مرشحة لتكون أول من يبدأ بالتحرك. فقد كان الرئيس "زين العابدين بن علي" يكتم الأنفاس، فلم يترك متنفسا لأي من الجهات التي ذكرناها في الحالة المصرية.
لا أريد أن أسهب في الحالة التونسية والحالة المصرية. فعلى ما يظهر أن هذين القطرين قد قطعا شوطا متقدما في مرحلة الانتقال نحو الحرية، ووضعا أقدامهما على السكة الصحيحة، بشهادة العالم كله بأن الحراك قد نقلهما من الاستبداد إلى الديمقراطية، ومن القمع إلى الحرية ، وأخذ المراقبون يتطلعون إلى البلد الذي ستبدأ به إرهاصات الأنموذج الثالث.
يؤكد المطلعون على شئون المنطقة أن سورية هي الأكثر قابلية لتكون القطر الثالث المهيأ لبدء حركة الاحتجاجات فيها بعد مصر. لكن هؤلاء يعتقدون أن الرحلة السورية لن تكون بالسهولة نفسها التي تمت بها في تونس ومصر. السوريون لا بد أنهم وَعَوا الدرس أثناء أحداث تونس ومصر، وربما ابتكروا من الوسائل ما لم يخطر ببال النظام السوري.
الأنظمة في كل من سورية وتونس ومصر تميزت بالفساد والاستبداد واحتكار السلطة، التي كانت ممسوكة من الحزب الحاكم، من رئيس الدولة وحتى أمين عام وزارة، (في سورية كل ما هو تحت مسمى مدير يجب أن يكون بعثيا وحتى منصب مدير مدرسة ابتدائية). وبالجملة فإن محفزات الثورة تتشابه في الأنظمة الثلاثة. وتؤكد الدلائل أن المواطن السوري يحمل في داخله بذور الثورة. فما الذي حدا بالرئيس "بشار أسد" أن يقطع بأن التغيير لن يقتحم سورية؟
يعتقد البعض أن سبب اطمئنان الرئيس بشار هو المنظومة الأمنية التي وضع أسسها "حافظ أسد" منذ استولى على السلطة عام 1970. ولا نذيع سرا إذا قلنا أن الرئيس "حافظ أسد"، منذ استولى على السلطة -ورغبة منه بحماية نظامه من أي انقلاب- استعان بضباط ينتمون إلى المنطقة التي يتحدر منها. أما البعثيون من مناطق سورية أخرى، فاقتضت الخطة الأمنية أن يكونوا بعيدين عن المراكز الأمنية الحساسة. إذا فرضت الرتبة رئيسا لجهاز أمني أو فرقة عسكرية، فيعين معه نائب مقرب من الرئيس يشاركه القرار أو يعزله. هذه الخطة الأمنية مكنت حافظ أسد – ومن بعده وريثه بشار- الاستئثار بالسلطة. فإن تبين أن هناك من يحاول منازعته السلطة فإنه يبطش به بقوة، وما أمر "صلاح جديد" منا ببعيد!
لم يختلف الوضع في عهد الرئيس "بشار أسد" كثيرا عنه في عهد الرئيس "حافظ أسد"، إلا بكون الرئيس الأب عمل على استقطاب قيادات عسكرية وأمنية من منطقته قربهم منه بعدما صور لهم في بداية ثمانينات القرن الماضي أن النظام مستهدف من قبل الإخوان المسلمين. هذا الأمر لم يجد الرئيس بشار أنه بحاجة إليه، بعد أن خلت سورية من الإخوان المسلمين، أو كادت. فقد تشتتوا في المنافي خوفا من "ساطور" القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين. كما تخلى الرئيس بشار عن ضباط وقفوا إلى جانب والده ، وذلك لصالح قيادات عائلية أسرية، احتكرت لنفسها النفوذ والمال.
في ظل هذا الجو المحبط، ما كان أحد من السوريين ليجرؤ بالشكوى من احتكار المقربين لمعظم الوظائف الهامة في سورية. ومن كان في وظيفة عليا من البعثيين الآخرين، فليس له من الأمر شيء، وكأنه شاهد زور. هذا الإحباط تعاظم وكبر في نفوس السوريين خصوصا أهل السنة، وهي الطائفة التي تشكل 70% من سكان سورية، وقد فرض عليهم أن يعيشوا على هامش الحياة السياسية والاقتصادية، فكأنهم "لا في العير ولا في النفير".
اطمأن النظام الحاكم للاستقرار الظاهري الذي يبدو على صفحة الحياة في سورية. هناك من يعتقد أن هذا الاطمئنان ظاهري وأن التغيير سوف يأتي من حيث لم يحسب الرئيس الراحل –ومن بعده الرئيس بشار- له حسابا، لكن قيل قديما: "من مأمنه يؤتى الحذر! فكيف ذلك؟
لو رجعنا إلى الوراء قليلا، وقبل يوم من قيام "محمد بوعزيزي" بحرق نفسه، ومن ثم اندلاع الثورة، وسألنا تونسيا ناقما عن الكيفية التي يمكن التخلص بها من النظام؟ فربما رفع حاجبيه تعجبا ولم يحر جوابا. الناظر إلى ما حصل في تونس الآن، يجد الأمر أبسط مما توهم قبل الثورة من عظم الهم الذي كان يضغط على القلوب. والأمر نفسه ينطبق على مصر.
لن تكون سورية استثناء من الأمر وقد عمت الاضطرابات الجزائرَ واليمنَ وليبيا والبحرين، بعد أن أنجز كل من تونس ومصر المهمة. لا بل إن سورية هي أكثر الأقطار جاهزية لكي تطالب بالتغيير والعمل على نيل الحق. من هذا المنطلق، فلا أحد يعرف متى تقصم الشعرةُ في سورية ظهرَ البعير، ولا متى ينتفض ال "بوعزيزي" السوري، ولا في أي مدينة سورية؟ ما يشعر به السوري أن الإناء فاض بما فيه "وبلغ السيل الزبى وتجاوز الحزام الطبيين"، ولم يعد هناك زيادة لمستزيد. وقد جاء تحرير تونس ومصر من احتكار السلطة الاستبداد ليصب زيتا على النار في أكثر من قطر عربي، وفي مقدمتها سورية.
العناصر المجهولة، متى؟ وأين؟ وكيف؟ يعجل في توقيت استحقاقها وصول النفوس لحظة الانفجار. عندها لن تنفع الأجهزة الأمنية، ولا الضباط المقربون من النظام، ولا حتى محاولة التهدئة من قبل رأس النظام، لأنه يكون قد فات الأوان. المعارضة السورية لم تترك فرصة إلا اغتنمتها لتذكر النظام بحقوق السوريين. لكن النظام أصم أذنيه عن سماعها، وأصغى سمعه لمن أخذته العزة بالإثم وزعم أنه قادر على أن يحمي النظام، وأنه يملك من القوة ما فيه الكفاية. السوري البسيط يرد عليه: "ما كان غيرك أشطر".
النشطاء على "الفيس بوك" تداولوا عبرالإنترنت خبرا بأن "حسن نصر الله" جهز عشرة آلاف مقاتل من حزب الله، للتدخل السريع إذا ما انفجر الوضع في سورية! ربما لا يعلم "نصر الله" أن هذا إذا ما حصل فسوف يجعل سورية كرة نار، لأن النفوس مشحونة منذ ذلك اليوم الذي دفع الحزب فيه بميليشياته في شوارع بيروت لإرهاب اللبنانيين في 7 أيار 2008.
القضية في سورية قضية كل السوريين، بمن فيهم أهل السنة والعلويين والمسيحيين والدروز والأكراد. فقد طاول ليل الظلم الجميعَ، بعد أن استبد بالأمر حفنة استولوا على كل شيء في سورية. ليس هذا فحسب، فإن الاعتقال أصبح يجري على الشبهة. أما الأحكام فلم تفرق بين شيخ وفتاة، وكان آخرها الحكم على المدونة "طل الملوحي" ذات التسعة عشرة ربيعا، ومن قبلها حكم على حكيم دمشق المحامي هيثم المالح، ومن قبلهما اعتقل الاقتصادي المشهور "عارف دليلة"، ولم يشفع له أنه علوي، لأنه لا حصانة إلا لأبناء الأسرة الحاكمة.
أخيرا أتجرأ، -وما عاد ينفع إلا الجرأة- فأسأل سيادة الرئيس بشار، مع حفظ المقامات: إلى متى ستبقى تحكم سورية أيها الرئيس؟ أبو حكم سورية على مدى ثلاثين عاما. وأنت شاب في مقتبل العمر وتعرف كيف تداري صحتك. فإذا بلغت ما بلغه والدك من العمر، فيعني أن أمامنا ثلاثين سنة أخرى –لا سمح الله- تكون فيها رئيسا لسورية. فمن أعطاك الحق في أن تحكمنا أربعين سنة، ومن قبلك والدك الراحل حكم ثلاثين سنة؟ لا تقل لي أيها الرئيس أن الشعب السوري هو من أعطاك هذا الحق باستفتاء بلغت نسبة التأييد فيه97%. فقد رأيت –ورأينا- الاستفتاء الذي قيل إن المصريين أيدوا فيه الرئيس المخلوع "حسني مبارك" بنسبة 95%، فهل أغنت عنه هذه النسبة. لقد خرجت المظاهرات المليونية تطالب برحيل مبارك، ولم يستطع أنصاره أن يجيشوا أكثر من ألفين من المؤيدين.
لن تنفع ال 12 ملياراً من الليرات السورية قدمتها حكومتك منذ أيام كرشوة للشعب السوري، ومن قبلها قدمت ثمن بضع لترات من المازوت في تخفيف الاحتقان، فإن الإنسان السوري عنده كرامته أغلى من مليارات العالم كلها.
أيها الرئيس قال الحكماء: من أراد الكل فاته الكل". لقد جرب "حسني مبارك" من قبلك اللعب في الوقت الضائع، حاول فيه أن يبيع الشعب المصري تنازلات "ملغومة" وبالتقسيط، فرفض الشعب التنازلات وأصر على رحيل "مبارك".
أمامك فرصة ثمينة أيها الرئيس كي تبدأ بالتغيير من الآن. فتلغي قانون الطوارئ والقانون 49 لعام 1980، وتحل مجلس الشعب الحالي وتقيل الحكومة الحالية وتشكل حكومة مؤقتة، يكون فيها حزب البعث واحدا من فصائل الشعب السوري وليس وصيا على الشعب السوري كما جاء في المادة "8" من الدستور الذي فصله المنافقون على مقاس الحزب. وأن تدعو إلى انتخابات نيابية حرة وشفافة. وقبل ذلك تعلن أنك لن تبقى في الحكم بعد نهاية المدة المتبقية لك. عندها سوف تجد نفسك رئيسا فعليا لسورية. وعندما تنتهي مدة رئاستك فإنك تستطيع أن تعيش في سورية آمنا بعد أن ترد المظالم إلى أهلها...
يبقى أن أشير إلى مظاهرة قامت في حي "الحريقة" في دمشق يوم الخميس في 17 شباط الجاري عندما اعتدت الشرطة على شاب سوري اسمه "عماد نسب"، فتجمع أكثر من 1500 دمشقي ينصرون الشاب المعتدى عليه وساروا في الشارع يهتفون "سورية مابتنزل.. سورية مابتنزل " واستمرت المظاهرة قرابة ثلاث ساعات. أيثور الشعب السوري لكرامة مواطن واحد ولا يثور لكرامة سورية التي تعرضت كرامتها للامتهان على مدى خمسين عاما؟
سؤال برسم الإجابة من سيادة الرئيس بشار أسد!
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.