5 شباط هو يوم الغضب السوري؟
هل يسجل التاريخ:
الطاهر إبراهيم *
انتفض الأخوة التونسيون ، فجعلوا اسم تونس يتردد على كل شفة ولسان في كل العالم، وقد كان هذا العالم لا يعرف من أهل تونس إلا اسم الطاغية المخلوع "زين العابدين بن علي". ولم يوقف التونسيون انتفاضتهم حتى فرضوا على حكومتهم المؤقتة إبعاد معظم الأسماء التي شاركت في قمع شعب تونس، وأن تضع خطة كي يتسلم شباب تونس شئونهم بأنفسهم.
لم يكد الشعب التونسي ينتهي من ترتيب بيته الداخلي حتى انتفض الشباب المصري المتطلع إلى الانعتاق من حكم الرئيس "حسني مبارك" الذي كان منحازا إلى إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وضد الشعب المصري، وما زالت الأمور في ميدان التحرير في وسط القاهرة بين كر وفر، وقد ظهر الرعب والإعياء في وجه "مبارك" وأنصاره المنتفعين.
أما في سورية فهذا شيخ المناضلين في حلب بل في سورية كلها المهندس غسان النجار الذي جاوز السبعين من العمر، يتحفز لوقفة احتجاج في وجه أحادية السلطة وسلطة الطوارئ، لم يثنه عن عزمه أنه أمضى في المعتقل أكثر من 12 سنة (من 31 آذار حتى خروجه في عام 1992 مع إخوانه أعضاء النقابات المهنية في سورية، وكان فيهم السني والعلوي والمسيحي والشيعي والدرزي).
الأمراض التي تأكل جسمه المنهك وتقدمه في العمر لم يمنعاه أن يقف على قدميه يرسل نداء بأعلى صوته في 31 كانون الثاني المنصرم إلى كل السوريين الذين يعتبرون الحرية خبزهم وماءهم، -وقد حرموا منها قرابة خمسة عقود- أن يوافوا يوم السبت في 5 شباط الحالي إلى ساحة الشهداء في منطقة "عرنوس" في دمشق العاصمة،ليقفوا في ساحة المجلس النيابي وقفة سلمية، احتجاجا على مصادرة الحرية على مدى خمسين عاما، مطالبين بإلغاء العمل بقانون الطوارئ والقانون 49 لعام 1980، الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء إلى الإخوان المسلمين، وبإلغاء المحاكم الاستثنائية وألا يعتقل أحد إلا بمذكرة من القاضي المدني، وهدم المعتقلات بعد إطلاق سراح المعتقلين فيها، وفتح الحدود السورية أمام المنفيين، و.. و.. وأن تكون سورية لكل أبنائها.
لكن لماذا المجلس النيابي؟ إنه المبنى الرمز الذي يختصر تاريخ الحرية في سورية منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين، عندما وجهت فرنسا إنذارا إلى رئيس الجمهورية "شكري القوتلي" وإلى النواب السوريين تطلب الاستسلام. رفض الرئيس الأمر ورفض النواب، حتى مجموعة "الدرك" السوري التي كانت تحرس مبنى المجلس رفضوا الانسحاب من حول مبنى البرلمان. عندها وجه الجيش الفرنسي نيران مدافعه في 29 أيار 1945 إلى المجلس النيابي وقصفوه لعدة ساعات، فاستشهد درك الحماية كلهم إلا الدركي "أبو نبيل الشلاح"، الذي عاش حتى عام 2002، ليروي أسطورة الاستشهاد، لذلك سميت ساحة الشهداء.
وإذ حيل بيننا وبين حضور وقفة الاحتجاج السلمية مع شيخ المناضلين "غسان نجار"، فإننا لندعو الله أن يكلل مسعاه وإخوانه بالنجاح في وقفتهم الاحتجاجية وأن يدفع عنهم الأذى، وأن يذلل لهم الصعب والذلول.
والأخ "غسان" يدرك أن وقفة الاحتجاج دونها عقبات كثيرة، أقلها الاعتقال، ولا يعلم ما يخبأ لهم إلا الله تعالى. وكان "غسان" قد طلب في رسالة قصيرة ثانية من إخوانه في بقاع الأرض أن يدعوا له ولإخوانه بنجاح المسعى، لأنه يعلم أن الطريق صعب والعقبة كؤود. وإنا لندعو الله ألا يسلط عليه وعلى وإخوانه المحتجين الحكامَ والظلامَ وأولاد الحرام.
قد يقول الذين يعيشون خارج سورية: يكفيك يا غسان ما قاسيت من اعتقال في المرة الأولى في عام 1980، ثم مرة ثانية مع أعضاء "إعلان دمشق". إنك لا تحتمل ما ينتاب جسمك من أمراض حتى تضيف إليها مرض الاعتقال. لكن من يعيش داخل سورية ويعرف القهر الذي يتعرض له المواطن السوري -جاره وابن حيه وابن مدينته- في كل ساعة وفي كل يوم، ما عاد يخشى بطش الأجهزة وجبروتها، وإنه يقول لهؤلاء المشفقين في خارج سورية: "من يده في النار ليس كمن يده في الماء".
كلمة أخيرة: أود أن أضم صوتي إلى صوت المهندس "غسان نجار" في رسالته التي يخاطب بها السوريين: "يا شباب دمشق الفيحاء وحمص ابن الوليد وحماة أبي الفداء وحلب سيف الدولة، يا ِشباب كل مدينة وبلدة وقرية في وطننا سورية الحبيبة، لاينبغي السكوت عن الظلم بعد اليوم، والساكت عن الحق شيطان أخرس، لقد طفح الكيل ولا من سامع أو مجيب". ثم وهو مخاطبا الرئيس "بشار أسد" فيقول له: "أيّها الرئيس بشّار: "هبّة الشعوب لا يقف أمامها شيء، لا تعتمد على بطانتك فيكيدوا لك كيدا".
وإني أضيف: –أيه الرئيس- لا يغرنك نصح رؤساء الأجهزة الأمنية، فما عهدناهم ينصحون بخير. ولأن تفتح صدرك إلى الشعب السوري أفضل مليون مرة من أن تفتح لهم المعتقلات. إن ما حصل في تونس وما يحصل في مصر الآن فيه عبرة لكل من يعتبر من الحكام،ويؤكد أن الشعوب لا يمكن سياستها بالقهر. ضع نفسك في صف الشعب ولا تضعها حيث ينصحك رؤساء أجهزة الأمن الذين لا ينحازون إلا إلى مصالحهم الضيقة "وقد خاب من افترى".
![]()
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.