مأساة حماة .. والنداء الأخير قبل الانفجار

د. منير محمد الغضبان

د. منير محمد الغضبان *

ghadban14@hotmail.com

نستمع لوصف المجزرة مما سمحت الدولة بروايته من خلال كتاب ( الأسد ) لباتريك سيل ، والذي بقي سنوات مسموحا بتداوله في سورية . فهو مقبول لدى النظام السوري : وذلك بمناسبة مرور ثلاثين عاما عليها .

(... وظلت معركة حماة مستمرة ثلاثة أسابيع ملحمة ضارية ، انقضى الأسبوع الأول منها والحكومة تحاول أن تستعيد السيطرة على البلدة ، والأسبوعان الآخران باصطياد المتمردين ، وأرسلت قوات محمولة بالطائرات المروحية لمساعدة الحامية المحلية على إغلاق مداخل المدينة ، قبل الانقضاض القاتل عليها ، وبلغ عدد الذين طوقوا حماة في مجموعهم حوالي 12000 رجل ولكن هذه لم تكن عملية عسكرية عادية ، كانت أميل إلى الحرب الأهلية ..

وعندما أخذ الميزان يميل تدريجيا لصالح الحكومة ، تراجع المتمردون إلى الأحياء القديمة ولا سيما حي البارودية والكيلانية التي كانت معاقل هيؤوها لحصار طويل ، وعلى ضفاف العاصي بدأت منازل الكيلاني القديمة الفخمة تتحطم بنيران القصف ، أو تتهاوى بفعل الألغام التي زرعها مهندسو الجيش ، وكمن الناس العاديون الذين كانوا يعيشون في المناطق القديمة ، في شبكات الدروب والأزقة كانوا هم الضحايا الأساسيين بدون طعام ولا ماء ولا وقود في طقس الشتاء القاصي ، ودفئوا في الغالب تحت ركام بيوتهم ، وبعد القصف الثقيل تحرك رجال الكوماندوس والمسلحون الحزبيون غير النظاميين ، تدعمهم الدبابات لإخضاع فدادين الأكواخ المبنية من الطين وأغصان الشجر ،، وقتل عدد كبير من مدنيات في عمليات قمع بقايا المقاومة ، ومسحت واستوت بالأرض أحياء بكاملها وذكرت تقارير أن أعمالا وحشية متعددة قد ارتكبت وكثير منها بعد أن استعادت الحكومة السيطرة على البلاد ، وهرب بعض المقاتلين إلى قنوات تحت الأرض عندما أغلقت دونهم جميع المخارج ، ولحقت الأضرار وأعمال النهب بعشرات المساجد والكنائس والأماكن الأثرية التذكارية العريقة بما فيها متحف قصر العظم الذي يعود إلى القرن الثامن عشر . وخلال شهر من القتال ، دمر ثلث المدينة التاريخية ، وتعرضت القوات الحكومية أيضا لخسائر فادحة على يد القناصين ، وأصيب الكثير من العربات المدرعة بالقنابل من الشوارع التي تناثر فيها الحطام المتراكم غير أن ثمن التمرد قد دفعته حماة بكاملها . فمات كثيرون أثناء عمليات تعقب المسلحين ، أما العدد الإجمالي بالضبط فيبقى مجالا للحدس والتخمين ، فالمتعاطون مع الحكومة يقدرونه بثلاثة آلاف ، وأما منتقدوها ، فيقولون إن العدد كان عشرين ألفا أو يزيد .. والأقرب إلى الحقيقة رقم بين الخمسة آلاف والعشرة آلاف ، إن أثر المعركة كان كبيرا حقا ) الأسد لباتريك سيل 537 – 541 مقتطفات .

ولست الآن بصدد الحديث عن مجزرة ومأساة مر عليها ثلاثون عاما ، ستسجل من أكبر مآسي التاريخ في العصر الحديث ، ولا يزال المشردون في الأرض من أبناء حماة بعشرات الآلاف شهود عيان على هذه المجزرة .

وهاتان ثورتان من أعظم الثورات في تاريخنا المعاصر ( الثورة التونسية ، والثورة المصرية )

ولم يبلغ ضحايا كل واحدة منها الألف على أكبر تقدير . وقد أطاحت الأولى بطاغية هو زين العابدين ونظامه معه ، والثورة الثانية التي بلغ تعداد أفرادها في مصر ما يقرب من التسعة ملايين على وشك الإطاحة بالطاغية ونظامه .

ولست بصدد المقارنة والتحليل بمقدار ما أعرض في هذا المقال رأيي الشخصي بعد الإعلان الذي سمعت عنه عن يوم الغضب السوري  في يومي الجمعة والسبت ، والتي قد تحصد أرواحا ، وتفجر دماء وتعيد إلى أذهاننا مأساة حماة من جديد أو تعرض البلد لحرب أهلية لا تنتهي إلى بانتهاء نظام البعث ورأسه .

إنه الإنذار الأخير قبل الانفجار .

وموقف الطغاة واحد حفظناه منذ صغرنا ونحفظه اليوم ونكرره لأولادنا ، فالطاغية يرى نفسه الإله الذي لا يقاوم يحي ويميت ، وأحيل إلى مقال كتبته قبل بضعة أيام يصف طبيعة الطغاة من كتاب الله ، وسنن التاريخ ، وأخطر ما في هذه المواصفات أن الطاغية يرى نفسه المنقذ الإله أو الطوفان . وهذا ما نشهده من فرعون مصر الأعظم اليوم ، فهو يضحي بشعبه في سبيل نفسه وبقائه بالحكم ، ويتخذ أزلاما ودمى يحركها يسميها مجلس الشعب ومجلس الوزراء والقيادة القطرية للحزب التي تصلح لقيادة البلاد ، ويتحدث عن المؤسسات والديمقراطية عنده ، وما سقوط الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي في القرن الماضي عنا ببعيد ، فالديمقراطية أساس الحكم فيها ، ولو كان للحزب الواحد أو الفرد الواحد ، ومن أجل هذا شهدنا الرئيس السوري يجتمع مع قادة أجهزة الأمن لوضع الخطط لمواجهة شبح يوم الغضب في سورية ، خاصة وأن الشعب أعزل من السلاح ، تستطيع بطلعة مدفع واحد أن تسقط العشرات قتلى بدمائهم .

كما يرى بشار الأسد أن يختلف عن كل الطغاة قبله وبعده ، فهو عنده جيش عقائدي ينفذ أمره ، وليس جيشا وطنيا لحماية الوطن ، فقد ترك مع أبيه الجولان لتحل بقرار إسرائيل أن نهبها لسورية ، ولا علاقة للجيش باسترداد الأرض المغتصبة ، لكن علاقته بحماية العائلة المغتصبة التي تتحكم في مصير البلاد . وذلك كما تحدث للمجلة الأمريكية قبل بضعة أيام . وأنه ماض في طريق الإصلاح .

لن أمضي كثيرا في إثارة المدفون من الأحقاد ، كما قال الأحنف بن قيس لمعاوية بعد خمس وعشرين عاما من خلافته : إن القلوب التي أبغضناك فيها لا تزال في صدورنا ..وإن السيوف التي قاتلناك فيها لا تزال في أغمادها ) مما اضطر معاوية إلى استرضائه . حتى لا يتحول مائة ألف سيف ضده لا تسأله فيم ذلك . وفيما أعلم أن الشعب قد كسرت سيوفه . وصار أعزلا لا يملك إلا المطالبة بقوت يومه من خلال صدره العاري الذي يملكه . ولا يملك في ذكرى مجزرة حماة أكثر من التذكير فيها .

لكنني مما سمعته من الفضائيات وشبكة الإنترنت كما سمع الكثير من المواطنين عن يوم الغضب السوري الذي يطالب بحرية الشعب قبل قوته ، وبكرامته قبل طعامه ، وأنه سيموت ويقتل لاستعادة هذه الحرية ، وهذه الكرامة .

إني أعلم أن ثلاثين عاما قد أنهت جيلا كاملا وجاءت بجيل جديد ، هو جيل الأسد الذي رباه حافظ وبشار كما يشاؤون ، وبما يؤمنون مثل جيل ابن علي ومبارك ، وبصدره العاري استرد كرامته وقال : لا . للطاغية حتى رحل الطاغية .

نحن الجيل القديم لا نملك إلا الكلمة ، وأذكر بما قاله الشاعر في وصف معالم الثورة العباسية :

أرى خلل الرماد وميض جمر       ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن لم يخبها عقلاء قومي             فإن حصادها قتلى وهام

النداء الأخير قبل الانفجار

الذي لا أدري والله إلى ما يقود ، وكل مصير أشأم من الآخر ، إنما أنا منفعل ولست بفاعل ، فهل لك أيها الرئيس أن تصغي إلى هذه النصيحة قبل الانفجار ، إذ لن تفيد وتجدي بعده ؟

أولا : تصدر مراسم تشريعية بخروج السجناء وعودة المنفيين السياسيين وإلغاء القانون 49 ، وإلغاء العوانين الاستثنائية وتعلن تعديل المادة الثامنة من الدستور ليكون الشعب هو القائد للدولة والمجتمع بدل الحزب

ثانيا : الدعوة لمؤتمر المائة والعشرين ، وأقدم هذا العدد ، وهذا التعدد على سبيل المثال لا الحصر :

1-عشرة : يمثلون الجيش بضباطه الكبار ويمثلون أجهزة الأمن .

2- عشرة يمثلون حزب البعث الاشتراكي بكل قياداته وفروعه .

3- عشرة يمثلون العلويين بكل أطيافهم بما فيهم عمك وجماعة صلاح جديد ، والمبعدون من الطائفة .

4- عشرة يمثلون (طائفة الدروز) بوجهائهم وشحصياتهم .

5- عشرة يمثلون المعارضة في الداخل بكل أطيافها وتشعباتها .

6- عشرة يمثلون العلماء وقادة الأمة وموجهيها من علماء الدين الإسلامي

7- عشرة يمثلون ( طائفة النصارى) بكل أطيافهم وشخصياتهم وخبراتهم

8- عشرة يمثلون المعارضة في الخارج من الإخوان المسلمين

9- عشرة يمثلون أساتذة الجامعات والمثقفين والمفكرين في سورية

10- عشرة يمثلون السوريين في الخارج وفي العالم المنبثين في أنحاء الأرض من الجالية السورية

11- عشرة يمثلون الأكراد في سورية

12- عشرة يمثلون : كبار القضاة في سورية .

ثالثا : تدعو لهذا المؤتمر خلال أسبوع وتعلن عنه في وسائل إعلامك ليسمع العالم به في كل مكان

رابعا : يتم اختيار ممثلي هذه الطوائف والأطياف من داخلهم لا من تعيين الدولة .

خامسا  : يختار هذا البرلمان حكومة مؤقتة لمدة ستة أشهر تشرف على انتخاب لجمعية تأسيسية تضع دستورا عاما للبلاد . ويعمل خلال هذه المرحلة بدستور سورية عام 1950 .

خامسا : يتم على ضوء هذا الدستور اختيار مجلس للشعب ، وتنبثق منه بقية المؤسسات

سادسا : وينسحب الجيش إلى ثكناته ، ويمارس الشعب حقه في السلطة والسيادة ، وتكون صناديق الاقتراع هي مجال المنافسة  .

سابعا : ولا بد أن يشارك الشعب بجميع فئاته في تقرير مصيره ، فسورية ليست لفرد ولا لعائلة ولا لطائفة ولا لحزب ، ومبدأ المواطنة هو الذي يحكم جميع أبناء الشعب بغض النظر عن اختلاف الأطياف والطوائف والاتجاهات .

وأخيرا: أرجح أنك لن تختار هذه النصيحة لأنك ترى من خلال أزلامك ودماك ولا ترى من خلال واقع الأمة ، ومع ذلك فأقول : هذا أو الطوفان .

 (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

                

* باحث إسلامي سوري