مصر قلعة العروبة

جميل السلحوت

[email protected]

أمر محزن أن تنزل دبابات ومدرعات الجيش المصري الى شوارع القاهرة والمدن المصرية الأخرى بعد اندحار قوات الشرطة والأمن الداخلي يوم أمس أمام حشود الشعب المصري الثائر على الظلم والطغيان، وبعد سقوط  مئات الشهداء وآلاف الجرحى من المواطنين، فيبدو أن الطغاة لا يتعلمون من التاريخ تماما مثل سادتهم المستعمرين، ومحزن أن يشارك ضباط ورجال شرطة بعمليات النهب والسلب للمتلكات العامة والخاصة، وسيكون الأمر أكثر سوءا ان كانت هذه الأعمال ليست تصرفات فردية، وتمت بأوامر عليا لـ"خلق الفوضى الخلاقة" التي رسمتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وهذا ما فعله الأمن الخاص للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ونحن نتمنى أن يستمر الجيش المصري العظيم بهدوئه في التعامل مع أبناء شعبه، مع المخاوف من أن يستعمل الرئيس حسني مبارك هذا الجيش في الوقت الذي يرتئيه مناسبا، خصوصا وأن الرئيس قادم من المؤسسة العسكرية وبنى الجيش للحفاظ على النظام لا للحفاظ على حدود مصر، وعلى الأمن القومي المصري والعربي، فسلاح الدروع الذي نزل لشوارع المدن المصرية، لم يرابط في عهد مبارك على ثغور مصر، أو حماية لأمنها، ونستثني مشاركته في يناير 1991 لقوات حلف الأطلسي في تدمير الجيش العراقي، والرئيس المصري الذي ألقى خطابا في الدقائق الأولى من صباح هذا اليوم ، وأعلن انحيازه لفقراء الشعب، يدرك تماما -وهو المشارك في حكم مصر منذ وصول الرئيس انور السادات للحكم  في مصر بعد وفاة زعيم الأمة جمال عبد الناصر في أواخر سبتمبر 1970،- يدرك أنه لم ينحز للفقراء من أبناء شعبه، وهم الغالبية العظمى، ويدرك أن الفقراء في مصر ازدادوا فقرا، تماما مثلما ازدادت الفئة الحاكمة وزبانيتها غنى على غنى، ويبدو أنه لم يستفد من عبرة ما نقلته وكالات الأنباء بأن زمرة اللصوص من متنفذي الحزب الحاكم قد فروا بأموالهم التي سرقوها من دماء الشعب بطائرات خاصة الى الخارج، مما يؤكد أنه لا تربطهم رابطة بمصر وبشعبها، ويدرك تماما أن النظام الضرائبي الموجود في عهده يخدم سياسة الفساد والنهب والسرقة، وشعب مصر صاحب احدى أقدم الحضارات في التاريخ الانساني لن يسكت الى الأبد، وها هو ينزل الى الشارع محطما قيوده التي لن يخسر غيرها في ثورته المجيدة.

ومصر ذات الموقع المتميز والتأثير الاقليمي والدولي، فهي دوما قلب العروبة النابض، كما كانت في عهد عبد الناصر، أصبحت مطية للطامعين والمستعمرين، فغاب دورها الاقليمي والدولي، وها هي اثيوبيا تهددها بمياه النيل مطمئنة من عدم ردود فعل نظام الرئيس مبارك، ويجري تقسيم السودان على مرأى ومسمع النظام المصري، مع ما يشكله السودان من عمق استراتيجي لمصر في اكثر من صعيد.

واذا كانت الاحصائيات تشير الى أن غالبية الشعب المصري تعيش تحت خط الفقر، وأن الأمية متفشية بين ملايين المصريين، فمن حق المواطن المصري أن يسأل عن دور النظام في ذلك، وأين كان الرئيس مبارك خلال الثلاثين عاما الماضية من حكمه؟ فقد كان مستمرا بسياساته ويمهد لتوريث ابنه الحكم للاستمرار بالحكم في نفس الطريقة، وواضح ان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي انفرد بنتائجها الحزب الوطني الحاكم، كانت مزيفة، وإلا من أين تخرج الملايين الثائرة ان كانت انتخبت الحزب الحاكم؟ 

إننا نتمنى لمصر العظيمة وشعبها العظيم الخير والسلامة، ونظام الحكم الذي يرتضيه الشعب، ونتمنى على جموع الثائرين أن يحافظوا على مؤسسات الدولة والأملاك العامة والخاصة، ولا نرتضي لهم حرق مراكز الشرطة والمؤسسات ونهب الممتلكات، فهكذا أعمال هي اجهاض لمطالبهم العادلة، ولثورتهم وغريبة عن تراثهم الحضاري والانساني، بل عليهم أن يحموها ...ولأهمية مصر اقليميا ودوليا فان الدوائر الأمنية والسياسية في واشنطن ولندن وتل أبيب وبروكسل وغيرها تراقب الأوضاع باهتمام بالغ، وترتب الدسائس والمكائد لأجهاض حركة الشعب المصري، وقد تلجأ الى تغيير عباءة النظام من خلال تغيير بعض الوجوه والحفاظ على نفس السياسة.