القصاص من قتلة الشعوب.. حياة

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

E.mail:[email protected]

يخرج المرء ملوحا بيديه، رافعا صوته، تعبيرا مستحقاً عما يجول في نفسه، فيعود مرفوعاً علي الأعناق.. لقد بلغ السيل الزبي.. يجب القصاص من هؤلاء القتلة لأناس عزل، فقدوا أثمن وأهم، بل كل ما لديهم.. حياتهم. بالأمس القريب قتل نحو مائة الشهداء في تونس الحرة، واليوم خمسة في مصر.

يخرج المرء يريد البوح بما اعتمل في نفسه.. من مشاعر غضب، وشعور بالظلم والقهر والعوز فيعود، غير ممتلئ الوجدان والبطن، بل ممتلئاُ بجروح يد البغي. جروح وإصابات قد تقعده بقيه عمره معاقا.. القصاص من هؤلاء البغاة.

نراهم، يرهبون الناس بكل الوسائل، ضربا وتعذيبا وسحلاً وقتلاً، ولا نشاهدهم في قفص العدالة.. يـُغض الطرف علي ما يفعلون، ليس من أجل الحفاظ علي أمن الناس وهذه مهمتهم، بل من أجل حفظ أمن أفراد النظام القائم.

يقول الله تعالي:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (المائدة: 32). فما حجم القصاص ممن يبيد شعوباً إبادة جماعية، ويتسبب بجرائم بحق الإنسانية كما فعلت النازية والفاشستية والإمبريالية الأنجلو أمريكية في حروبهم "العالمية".. الأولي والثانية، والثالثة والرابعة وهلم جرا؟.

- "لماذا يقتلوننا؟".. يولد المرء علي ثري وطنه الطاهر الحبيب، يريد أن يعيش ويحيا ويعمر، فتغتاله عصابات الإجرام/ الإستخراب الصهيوأمريكية الآثمة.. قديمها كعصابات" شتيرن"، و"الهاجاناة" وغيرهما، وحديثها "كالموساد والشين بيت، والسي أي إيه، والبلاك وتر وغيرها". عصابات تنظم إبادة جماعية وتهجيراً وتشريداً للشعب الفلسطيني، والعراقي، واليمني، والصومالي، والأفغاني، والكشميري، والتركستاني، والشيشاني..الخ. آن أوان القصاص.. قصاص يردعهم عن الفخر بسجل اغتيالاتهم الإجرامي، وما أمر شهداء أسطول الحرية منا ببعيد.

- ليتهم يخرسون ويصمتون.. لسنا بحاجة إلي تصريحاتهم تلك التي تكيل بكل مكيال، والتي يحاولون أن يداروا بها عوراتهم المكشوفة تحت ستار من "حقوق الإنسان، وحرية التعبير". إن أنظمة الحكم في الغرب هو السبب الأساس في كل هذه المشاكل والمشكلات بدعمهم المستمر لأنظمة القمع والاستبداد والقهر التي تدعم وتيسر مطامعهم في أوطاننا.

- لمَ إكراه الناس في عقائدهم، واغتصاب عقولهم وأموالهم، وقتل نسلهم، وسلب أوطانهم؟؟. يجب القصاص من هؤلاء الذين يكرسون "حياة" لا تُحق الحقوق لأصحابها، ولا ينعم الناس فيها بما وهبهم الله تعالي من حيوات ونِعم وثروات.

- الحرية والكرامة استحقاق:"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء: 70). الذين يعذبون الناس في مخافر الشرطة، ويقتلونهم دون محاكمات (لعل أشهرهم في مصر: خالد سعيد، وسيد بلال)، مجرمون آثمون ينتهجون "شرعة الغاب" بحاجة لقصاص عادل. لكن الجرم أكبر، والقصاص آكد وأشد للذين يقتلون كل الشعب ويصفعونه، ويذلونه، ويهينونه، ويركلونه بالأحذية .. ليل نهار.

"يلقون علينا قنابل غاز (أمريكية الصنع) تستخدم في التحكم في الخنازير..ولسنا خنازير".. شكي بها (26/1/2011) أحد المعلمين التونسيين المعتصمين لأجل رحيل كل رموز النظام البائد الذي فعل بهم ما فعل.

- يقول تعالي: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة:38-39). لعل بعضهم يصمت مشفقاً ـ لعموم البلوي ـ من كثرة الأياديٍ المقطوعة ـ بشروطها ـ في "ربع دينار". فأين سرقات الأوطان ونهب ثروات العباد؟. أين تطبيق قوله تعالي، الرادع الزاجر للنفوس الخبيثة، الحافظ للحقوق والأموال، العامة والخاصة علي السواء. إن يدا واحدة تُقطع لكفيلة بردع كل هؤلاء المفسدين السارقين الناهبين أموال الشعوب.

ما العمل بمن يسرق شعبا بل شعوباً؟. كان قد نشر خبر (إعدام الصين لمن استولي علي 18 مليون دولار..)، يعلق مذيع الخبر بقناة الجزيرة ـ ساخرًا يُنفّس عن المستمعين ـ "مبلغ صغير جدا إذا ما قورن بغيره من السرقات". الأمس واليوم وغدا نري "عصابات السراق" في العديد من الدول، سرقت ما سرقت، ونهبت ما نهبت،من أقوات الشعوب المطحونة المقهورة.

- "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم:41). الفساد طامة كبري، والسرقة جريمة، والرشوة ملعونة.. والجريمة الأكبر، التي تؤذن بالهلاك، كما هلك الذين من قبلنا:"كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". كما جاء في صحيح مسلم:" أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وفي حديث بن رمح إنما هلك الذين من قبلكم" .

- لابد من القصاص من المحتكرين. الاحتكار جريمة، وتبقي الجريمة أكثر فداحة عندما تحتكر السلع الأساسية وأقوات الشعوب، وتمتص دمائهم.. غلاء للأسعار وبؤساً وفقراً ومرضاً، وتشردا دون مأوي، وبطالة وتبطلاً، وعنوسة وعزوبة دون أسرة، وقلقا تململاً دون استقرار. كل ذلك وغيره لحساب قله مما تسمي "برجال الأعمال" والرأسماليين الجشعين السائرين وفق منظومة أخطبوطية بشعة من سياسيات "العولمة الاقتصادية" الوجه المستحدث من الإمبريالية العالمية .. القاهرة للشعوب، المتحكمين فيها من أجل تحقيق مطامعهم.

- الكذب جريمة، والتزوير خيانة.. لكن عظم هاتين الجريمتين هائل يزداد بين أن يُكذب علي شخص، وتزور إرادته وبين من يُجرم، ذات الجرمين، بحق شعب. من حيث المفترض أن يصدقوهم القول، وأن يكونوا أمناءً علي إرادتهم، ومؤتمنين علي مصالحهم.. تراهم يكذبون ويزورون. إن في القصاص من هؤلاء.. حياة، وأي حياة؟!. 

- أين موقف حملة مباخر النظم وأبواقه ووعاظه من العمل بقوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 178-179). لمَ السكوت عن الحق مع معرفته، وعدم إبراز الحقائق عارية مجردة، لا مزيفة مُجِاملة، ولم إخفاء الآيات والبينات والهدي بعيدا عن سمع الناس وحسهم، لغرض من أغراض الدنيا الزائلة؟؟. لم لا يتم القصاص العادل ويكتفي برفع شعارات، وإنشاء منظمات "الشفافية والمساءلة" .. حيث لا شفافية ولا مساءلة حقيقة. أليس من المُضحك/ المبكي الذي يدلل علي ما نقول: إنشاء رجل أعمال سوداني لجائزة بخمسة ملايين دولار لمن يثبت أنه حكم حكماً رشيداً في أفريقيا، ولم تعط إلا لأثنين فقط مع كونها أعلنت منذ سنوات عدة.

جملة القول: ينبغي ويجب ويتحتم القصاص من كل من تورط في قتل وسرقة وإهانة وإذلال وإفقار الشعوب. القائمة طويلة، وقائمة الجرائم التي تحتاج للقصاص أطول.. المطالبات كثيرة بقصاص عادل، وبمحاكمات قانونية لهؤلاء وأولئك، لكن التحايل عليها أكبر والدائرة مفرغة خبيثة، لكن فيها الحياة كل الحياة للآخرين: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179)