وعلينا أن نفكر بالممكن من التوافق

عقاب يحيى

التوافق لا يعني طمس، أو إزالة التناقضات والاختلافات بيننا، فكثير منها حصيلة انتماءاتنا الفكرية والسياسية وتركيبتنا، ووعينا، وخلفياتنا، ونظرتنا للأمور.. وهنا يجب أن نتفحّص موقع الذاتي فيها بحيث لا يصبح هو المسيّر، والمحدد، وهو السكين الذي يبتر العلاقات، والمشترك ...كما لا يعني التحالف الاندماج، أو إمّحاء الفروق .

ـ التوافق المنشود هو المحورة حول الأهداف الكبرى التي جمعتنا، وهي هنا الثورة السورية التي لولاها لكنا جميعاً ـ بلا استثناء ـ بعض الهباء الذي يمضغ الذكريات والمرار والتحسّرات.. أو بعض السائد من تركيبة التعايش والاهتمام بالشخصي ..

ـ الأهداف هي الثورة والنصر فيها، وهي البلد ـ الوطن ـ الذي يتعرّض إلى مخاطر جدّية تضع عديد السكاكين على رقبة وحدته الوطنية والجغرافية.. وقد تمزقه إلى أشكال غرائبية من الكانتونات والإمارات والدويلات المتحاربة إلى زمن طويل . وهي الاهتمام بالمركزي من المهام والمسؤوليات التي وضعتنا ظروف ليست طبيعية، وبعيداً عن خيارات شعبنا في موقع المُسهم فيها.. للارتباط بالناس : شريان الثورة واستنادها، وعامل ديمومتها ونجاحها.. وصولاً إلى تأسيس البديل الديمقراطي التعددي الذي يَفترض استيعاب الجميع من شتى الألوان والأطياف في إطار المساواة في الحقوق والواجبات، وبعيداً عن الأحادية، والاستئصال، والشطب، والسيطرة .. حين تقرر صناديق الانتخاب النتائج ..

ـ التوافق الذي ننشد لا يتضارب والتحالفات، والتكتلات التي تقوم على أكثر من خلفية، والتي قد تقتصر على المؤقت، أو على حالة بعينها انتخابية أو ما شابه، بينما يمكن أن يكون بعضها استراتيجياً وفق رؤى مستقبلية، وبرامج سياسية واضحة لما هو قادم ..

ـ وحين نجيء إلى حال المعارضة السورية التي كان من المأمول أن تكون في سفينة الثورة الواحدة حتى لو اختلفت الأشكال والوسائل.. نجد أن نهج التذرية والاحتراب هو الأقوى، وهو ما رتّب نتائج سلبية كبيرة اتسعت مع مرور السنوات وترك آثاره : ضعفاً، وتشتتاً على الجميع، وتقديم مبررات، ولو شكلية، للمجتمع الدولي كي يصنع من هذه الوضعية دريئة، وذريعة للتملّص من واجباته في دعم الشعب السوري بما تنصّ عليه الوثائق الأممية، وحقوق الإنسان .

                                               *****

حين أسس الإئتلاف كانت النيّة لدى صاحب المبادرة، ومن أسهم في بلوراته، أن يكون معبّراً بمروحة أوسع عن شتى أطياف المعارضة، وبعدد صغير يسمح بالفاعلية، وسرعة اتخاذ القرار، وأن يحاول تلافي الأخطاء التي وقع فيها المجلس الوطني، أو تراكبت عليه، لكن عديد الدول الإقليمية، وتحت أشكال" حبيّة"، ووعود أسطورية عن الاعتراف والدعم، وقرب الانتصار، وضعت اليد على بعض مفاصله للدخول في نفق محاولات الإصلاح، واستعادة القرار الوطني الغائب، و الضائع، أو المنقوص، أو المحمول ـ لدى البعض ـ على هوادج الدعم الشقيق.

وحين تعددت الهوادج، وهي المختلفة حول الدور والسياسات، وحول مستوى النفوذ ومساحته، والموقف من الاتجاهات السياسية، ومن تطورات الوضع العسكري، ودعم أطراف عسكرية بعينها دون الآخرين...

وحين بدأ الإئتلاف يفقد بريقه بتراكب العاملين : الذاتي الذي يرجع إلى سوية وعي أعضائه، وممارساتهم وخلفياتهم التي تحرّكهم، وعجزهم عن المأسسة، وترسيخ العمل الجماعي، والعامل الخارجي الذي طعن جميع المراهنات والتوقعات على منسوب الدعم وسقوفه، وعلى وجود قرار واضح بشأن" المسألة السورية"... تموضعت داخل الإئتلاف الحرتقات الذاتية، والتكويش والاستفراد والسيطرة باستخدام الوسائل المتاحة : المشروعة وغير المشروعة، بما فيها شراء الولاءات، والتلفيق، وعقد تحالفات آنية انتخابية منخورة المحتوى، وتهميش وإبعاد الآخرين الذين لا يستجيبون ولا يوافقون، وكل ما يحكى عن الرشا، والمال السياسي، وفساد البعض بشراء الذمم والأصوات داخل الإئتلاف وفي المجلس العسكري وميادين مختلفة...

ـ لقد تفشّى هذا المناخ طكوج قوي يأخذ في طريقه العديدين، بينما يتلوى البعض الحانق، والغاضب.. فتعلو الأصوات المطالبة بالمراجعة، ومناقشة أوضاع الإئتلاف دون أن تجد طريقاً إلى التجسيد، وكأنها صراخ في واد سحيق كان الإئتلاف ينسحب إليه : طائعا، ومن حيث النتيجة . هذه الآلية التي سرت تواصلت بأشكال عديدة.. وأدّت في الأشهر الأخيرة إلى انقسامات كبيرة، وإلى محاولات البعض الردّ عليها من خلفيات متعددة أيضاً.. فكان الصراع الحالي الذي يظهر على السطح وكأنه يقتصر على" مندوبي كتلة الأركان" في حين أنه يحمل في جنباته مفردات مختلفة.. مزودة بشحن ممتلئ يبعد أعداداً مهمة عن رؤية الرئيس، ويمحورهم حول ما يمكن تسميته معركة كسر عظم ملتبسة النوايا والأبعاد.

ـ لن أخل هنا في تفاصيل الاحتراب، والخلاف، ثم الغرق في تفاصيل التفاصيل، ولا في مسؤولية من أوصل الأمور إلى هذا المستوى..حرصاً على بقية باقية من تفاؤل بإمكانية تغليب العقل، والمصلحة العامة.. الابتعاد عن هذا العقل الكيدي، والذاتي.. وفتح مجال للمصالحة المبنية على توافقات تؤسس لمرحلة جديدة تتجه نحو الاتفاق على رؤية سياسية، وبرنامج للمهمات، وعلى بنود عملية لإصلاح الإئتلاف ومأسسته، ودوره في شتى المجالات خاصة فيما يتعلق بالوضع العسكري، والميداني والحكومة، والداخل، وعلى الصعيد العام السياسي، وباتجاه السعي المؤمن بأهمية توفير شروط انعقاد مؤتمر وطني جامع للمعارضة بشتى أطيافها وتوزعاتها ..

إن الالتفات إلى المشتركات واجب وطني للمؤمنين ببقاء الإئتلاف ودوره، وتوفير مقومات نهوضه مما هو فيه..