الفرق بين ثوار ارتريا وفلسطين

محمد جمعة أبو الرشيد

[email protected]

لقد ولدتُ في عام النكبة ، وأنا اصلا منكوب ، لأنني ولدت في الكهوف عندما أحرق الجيش الإثيوبي بيتنا ، وفرَ أهل قريتي الجميلة ( وازِنْتَتْ )- الواقعة بالقرب من نهر عنسبا ،وموقعها منه أشبه بموقع الأنف من الفم -  وقد توالت معاناتنا وتتابعت ، وأحرقت قريتنا أكثر من مرة ، وشردنا في كل مكان ، كان الطيران يقذفنا ، والمدافع تنهال علينا ، وكان الجيش الأثيوبي يسمم الآبار لإبادتنا ، وربما كان هدف هذا العدوان الجنوني  صدَنا عن مساندة الثوار ، لأننا سكان الأرياف كنَا نأوي المناضلين في بيوتنا ، ونوفر لهم الطعام ، ونُعلِمُهم بأخبار الجيش الأثيوبي ، ونخفي لهم السلاح ، وكنَا بسبب هذا التعاون نتعرض للتفتيش والمراقبة المتواصلة ، والتحقيقات ، والمعتقلات ، ومصادر الأموال ، وإحراق المزارع والبيوت ، والتشريد والتعذيب ، والقتل . صورة طبق الأصل لما يحدث لإخواننا اليوم في أرض الإسراء ، مع فارق القوة طبعا .

ما أشبه نكبة فلسطين بنكبة ارتريا !!!

عندما أراد الإستعمار البريطاني مغادرة فلسطين ، هيئها وزينها كما تٌزين العروس لزوجها ، فسلمها للصهيونية العالمية ، وفعل نفسُ الشيئ مع ارتريا حيث سلمَها للصليبية العالمية بقيادة الإمبراطور الأثيوبي ( هيلي سلاسي ) الذي كان يفتخر دائما أنه من نسل ( يهوذا ) ، ودخل القطران في محنة طويلة ،فكانت مزاعم نبوءة الإنجيل تتحكم على ارتريا ، ومزاعم نبوءة التوراة تتحكم على فلسطين، وكان الضحية اهل القرآن ، لأنهم عاشوا في ارتريا مع إخوانهم في الوطن في سلام ووئام ، وقد أحسن أهل فلسطين لليهود ، وأكرموهم ، وأعطوهم من الحقوق أكثر مما يستحقون ، وكانت النتيجة للشعبين الغدر والخيانة ، والتهجير والإبادة.                                                                      

في فلسطين تكونت عصابات سرية أرهبت المواطنين ، واقتحمت عليهم بيوتهم في  أنصاص الليالي ، وفي ارتريا انشأت ( قوات كمندوس ) ففعلت نفس الشيئ وأنكى  . في فلسطين ُدعَمْت العصابات بغطاء إعلامي صهيوني ، ويحدث نفس الشيئ في ارتريا  حيث دعَمتْ إثيوبيا إغتصابها للأرض بإعلام خادع ومتوالي ، وقد تم تأليب جميع الدول الأفريقية على الثورة الأرترية بحجة أنهم يريدون قضم ارتريا عن جسمها الأفريقي  ومنحها للدول العربية ، وتم تأليب جميع الدول الغربية على الفلسطينين بحجة أنهم عرب ، ويريدون جعل فلسطين أرض للمسلمين فقط  ، وهكذا نسجت خيوط الأكاذيب ، وكادت بمرور الزمن تصبح الأكاذيب والتلفيقات حقائق مسلم بها .

عقول وسواعد :

عندما بدء الصهاينة يتغلغلون في ارض فلسطين بدء الشعب الفلسطيني مقاومته الباسلة ، وقد كانت عزيمة الثوار لاتفل ، وسواعدهم لا تفتر ، وإنطلقوا يدافعوا عن شعبهم بكل ما يملكوا من المهج والأرواح، دفعوا دماءهم لها مهرا، وجعلوا عرقهم لها ماءا ، اتخذوا أرضها بساطا ، وسماءها كساءا ، وزيتونها وقودا ، وبحارها طموحا.

أبطال فلسطين ورجالها الأشداء ، رجال لا يعرفون المهادنة ، والتنازل، ولا يهابون الموت ، ولا يتطرق إليهم اليأس ، هكذا كان ثوار فلسطين ، وهكذا كان ثوار ارتريا .

ثوار ارتريا رفضوا أي تنازل أما ثوار فلسطين !!!!:

عرض على الثوار الأرتريين الكثير من الحلول ، وكان جُلُها عبارة عن خديعة ومكر ، وإلتفاف على حقوق الشعب ، وإعطائه الفتات من بلده ، ولكن ثوار ارتريا رفضوا أي حل لا يرد لهم أرضهم ، ومع إختلاف الثورة الأرترية وتشظيها الى فصائل عديدة ، لكن لم يتنازل أي تنظيم من تنظيماتها المتعددة عن أي شبر من أرضها ، ولم يتعامل مع أعدائها ، لكن ما نلاحظه اليوم في فصائل الثورة الفلسطينية الكثيرة تنازعها حتي في الأساسيات التي تهدد الوطن ، وتضيع كيانه ، فحركة ( فتح ) التي تصدرت النضال ، وقدمت أرتال الشهداء ، نتعجب اليوم من مواقفها أو مواقف بعض رجالاتها ، فبدل أن كان شعار الحركة قبل سنوات قليلة تحرير أرض فلسطين من البحر الى النهر، قبلت فيما يبدوا بحدود 67 ، ثم خفتَ هذا الشعار ، ونرى رجالاتها الأشداء  منذوا سنوات وهم يهرولون من دولة الى دولة ومن مجلس الى مجلس، ويهددون ويرعدون، وكلما تقدم الزمن تراختْ حدة صوتهم ، وقصرت قاماتهم ، وزادت تجاعيد وجوههم ، وتضخمت حقائبهم ، وإنكمشت كلماتهم ، وإضطربت ثقتهم بأنفسهم .

معقول أن يصيح قائد فلسطيني ويتمعر وجهه غضبا ، لأن إسرائيل رفضت إيقاف المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر ؟ بل الأعجب أن يصف قائد المنظمة والوطن المقاومة بالعبثية !!!!! إنها والله مفارقة غريبة أن يرمي المناضل ببندقيته ، والأغرب منها أن يرمي حتى بقوة كلماته ، فتجده ينتقي العبارات التي لا تغضب عدوه ،و يخفف نبرات صوته حتى لا يؤذي بها قاتل أبيه ، و لا يجرح بها من سلب أرض آبائه وأجداده.

سر النجاح:                                   

إذا أرادت الثورة الفلسطينية بفصائلها المتعددة ، المقاوم والمفاوض ، عليها أن تجدد التوقيع على ميثاق ( الحياة ) ويكون محتواه عبارة عن  جعل الوطن فوق مصالح الجميع ، وأن من أراد أن يقاوم أو يفاوض ، فلا ينبغي أن يتنازل عن أي شبر من أرض الوطن . فإن لمح القارئ في كلامي إنشائيات لا تغني ونظريات لا تفيد ، وعزيمة تجاوزها الزمن ، فاليكن لذلك الإعتقاد نصيب ؛ وحتى أكسوَ كلامي بفهلوة سياسية ، وخبرة نضالية ، فالنفترض أن تحرير دولة فلسطين من البحر الى النهر أصبح كسراب يحسبه الظمآن ماءا ، فمالمانع إذن أن تتفق أوعية العمل السياسي المختلفة على أقل ما يمكن التنازل عنه من وطنها السليب.   فالنفترض إقامة دولة فلسطين في حدود 67 ، إذن فالتتلاحم الأيدي ، وتحترم المواثيق ،وينبغي الاَ يقبلَ من أي جهة إنتظمت للمقامة او ممارسة العمل السياسي ، ان تنحني أقل من السقف المرسوم ، وأن تتجاوز الحد المعلوم ، أما أن يكون الوطن كرة في أيدي الفصائل ، تتفاوض فيه هذه وتعترض فيه هذه ، وتُقمعْ فيه هذه ، وتُشرد فيه هذه ، فهذا هو معول الهدم ، وأسباب الضعف ، وسبب التنازل ، والإنبطاح تحت أقدام العدوا . في الحقيقة لقد أحسنت حكومة قطاع غزة ، عندما اعتبرت نفسها حكومة مقاومة تسعى لإسترداد الأرض ، وأبدت كامل إستعدادها  للمضي في مشروعها التحرري حتى لو فقدت كراسيها ، أو أبنائها ، وأعتقد سوف يكتب الله لها النصر والفتح المبين ، لأن سنن الله في كونه أن يدفع المعتدي بالقوة الممكنة، وأن يقاوم بالعزائم السامقة ، ولم نجد في التاريخ ظالما أو معتديا تردعه عن ظلمه النصائح ، أو تنفع معه إهداء الزهور والروائح ، أو ترده كلمات التهديد بالجوائح .