هل هناك حرب جديدة على غزة
محمد داود *
صفقات أسلحة تمر بذكاء وبغطاء "شرعي"، طائرات حربية وقنابل أشد فتكاً بالمدنيين حصل عليها الكيان الصهيوني من الولايات المتحدة، منها الذكية وصواريخ تموز الجديدة، تمارين لجيش العدوان الصهيوني على طول وعرض البلاد تجري على مدار الساعة أخذت نماذج وشكل الأحياء الفلسطينية، طائرات استطلاع تجوب وتُراقب عن كثب وتُلبي إشارات العملاء والخونة، أثنى عليهما جهاز الاستخبارات الصهيوني، استعدادات وتمارين لدى الجبهة الداخلية الإسرائيلية كل حين، رافقها إطلاق لصفارات الإنذار على نطاق واسع، وتوزيع كمامات واقية، وأكياس نايلون مخصصة للموتى، والحديث عن مئات القتلى الإسرائيليين، قصف للعمق الإسرائيلي ومنشآت استراتيجية في مرمى الصواريخ، أكثر من ألف وخمسمائة صاروخ موجه صوب المدن الإسرائيلية ومدينة تل أبيب على وجه التحديد، التي ستتحول إلى جبهة وجحيم، في إشارة إلى إمكانية تعرضها لوابل كبير من الصواريخ والقذائف، قد يصل عددها في اليوم الأول إلى 800 صاروخ ثم تنخفض تدريجياً بفعل الرد العسكري الإسرائيلي لها، ويُعلل قادة الحرب الإسرائيليون، ذلك بالقول: أن المواجهـة أصبحت حتميـة وقريبـة وأن الهدوء هـش وسـرعان ما تنقلب وتتدهور الأوضاع أو كما يقول (أشـكنازي) لجيشـه أن الجولـة الثانيـة سـتكون كبيرة ولا بد من أن تنتهي بانتصار.فمن الواضح أن العدوان بدأ يحصد غطاء "قانوني وشرعي"، تسعى الحملة الدعائية والإعلامية الصهيونية إلى تحقيقه، إذ سارعت إلى تقديم الشكاوى لمجلس الأمن والأمم المتحدة، بحجة أن قذائف فلسطينية محلية سقطت على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وتضخيم الحجة أن من ضمن القذائف التي أُطلقت تحمل رؤوس فسفورية، وأن خبراء من إيران وسوريا وصلوا غزة لتحسين قدرة الفصائل العسكرية، وبرهنت ذلك بتعاظم قدرات قوى المقاومة الفلسطينية، وامتلاكها "ترسانة" وصواريخ مضادة للطائرات وأخرى يصل مداها 70 كيلومتراً، وأن إصابة دبابة من نوع "ميركافا" بصاروخ "كورنيت" المطور والمضاد للدروع على الحدود مع القطاع، نقلة نوعية في الصراع، أثار غضب قادة الاحتلال في دقة وفاعلية الصواريخ، مما استدعى نشر كتيبة دبابات على الحدود مع قطاع غزة مزودة بمنظومة "معطف الريح" والتي يعتبرها جيش الاحتلال قادرة على التصدي للصواريخ المضادة للدروع. وهكذا دول عربية وأخرى مقربة من الكيان الصهيوني لم تعفِ نفسها من المسؤولية فنقلت رسائل تهديد لحركة "حماس"... والحقيقة أن جيش العدوان الصهيوني لم يتوقف عن ممارسة عدوانه منذ حربه الأخيرة على غزة قبل عامين والتي خلَّفت أكثر من ثمانية الآف شهيد وجريح وتدمير قطاع غزة على نطاق واسع، فما يزال القصف وسقوط الشهداء والجرحى مستمراً، لكنها (إسرائيل) وجدت فرصتها وحجتها في تصفية تنظيم "جيش الإسلام" ـ الجماعات السلفية ـ المنبوذة محلياً وإقليمياً، فهل تلك المجريات التي تتدحرج مثل كرة الثلج بمثابة التمهيد للعدوان الجديد أو لعملية الرصاص المصبوب2، أو كما أعلن عنها مجرمي الحرب في تل أبيب قبل عام بـ "بكاء الرجال" والبدء في استهداف رموز حركة "حماس" والفصائل الأخرى!؟
إن المرحلـة تُنذر بمواجهـة جديدة من القتل والتصعيد قد تندلع ضد أبناء قطاع غزة بهدف تسـخين السـاحـة وخلط الأوراق، حتى تغطى (إسـرائيل) على أزمتها الحقيقيـة الداخليـة والخارجيـة بتعنتها أمام العالم والمؤسـسـات المطالبـة لحكومـة الاحتلال بوقف الاسـتيطان وإنهاء العدوان ورفع الحصار بشـكل تام... فمن المؤكد أن العقليـة الإسـرائيليـة تضع خيار الحرب على سُـلم أولوياتها لعدة أسـباب أبرزها:-
ـ الهاجس الإسرائيلي المعروف بحجة المحافظة على "أمنها القومي"؛ لذلك لن تسمح بأن تمتلك فصائل المقاومة السلاح والعتاد وأن تتعاظم قوتها لا سيما بعد إفصاح قادة الفصائل عن قدراتهم العسكرية.
ـ إسقاط نظام "حماس" في قطاع غزة، المؤيد لتعاظم التنظيمات المتشددة والمسلحة.
ـ وقف صواريخ المقاومة التي دخلت مرحلة التطور في النوع والكم والدقة، إضافة إلى الكم الكبير من تهريب السلاح النوعي الذي يخشى منه الاحتلال، ذو الدلالة الإيرانية وتضخيمه بوصفه أنه قد يُغير قواعد اللعبة في المرحلة المقبلة.
ـ تحريك ملف (شاليط) المتعثر بأقل الخسائر وبطرق جديدة؛ "الضغط العسكري الشرس".
ـ خلق واقع جغرافي وديموغرافي إنساني جديد على الحدود الجنوبية "عملية السور الواقي 2"، بهدف بعثرة أوراق العملية السياسية وإعادة عجلة المفاوضات عدة خطوات إلى الوراء لتكون مجالاً للتفاوض لإرهاق المفاوض الفلسطيني، لأن مواصلـة واسـتمرار العدوان هو مسـلسـل ناجع يُؤجل ويُعرقل المسـيرة السـياسـيـة السـلميـة، ويقطع الطريق أمام أي إنجاز سـياسـي أو الخوض في القضايا المصيريـة "الحل النهائي"، كون (إسـرائيل) دولـة وظيفيـة قائمـة على العدوان والتوسـع.ـ اختبار قدرات الجبهة الداخلية الإسرائيلية والقبة الحديدية وقياس مدى استعدادها لأي مواجهة محتملة وكبرى مع دول إقليمية.
ـ إرضاء مطالب المستوطنين واليمين المتطرف مقابل تجميد الاستيطان المؤقت وإزالة النقاط الاستيطانية العشوائية أو إسناد مناطق أمنية للسلطة أو انسحاب أحادي من مدن في الضفة.ـ تهديد اليمين المتطرف (لنتنياهو)، إذا أقدم الأخير على مشـروع التجميد أو التسـويـة السـياسـيـة، وهو أمر وارد كشـف عنه الرئيـس عباس، خاصـة وأن اليمين المتطرف قام بقتل (إسـحاق رابين)، عندما أقدم على توقيع اتفاق مصيري وتنفيذه مع الفلسـطينيين.ـ (إسـرائيل) دولـة عنصريـة قائمـة على العدوان والعنف، وهذا سـر بقائها وتوحدها، حتى تُحافظ على كيانها الداخلي كنواة صلبـة أمام الطوائف والأصول العرقيـة والثقافات غير المتجانسـة نوعاً وكماً.ـ تأجيل مشروع أعمار قطاع غزة، وفتح المعابر أمام المواد الخام التي تدخل في البناء إلى ما بعد العمل العسكري الواسع.
ـ فشل جهود المصالحة الفلسطينية واستمرار حالة الإنقسام و"التشرذم في القرار الفلسطيني" يُعطي المبرر بأن تواصل (إسرائيل) عدوانها على الضفة والقطاع، أي أنها تستغل وتلعب على التناقضات الفلسطينية الداخلية.
ـ تقديم حكومة الاحتلال شكوى إلى مجلس الأمن في أعقاب استمرار إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة، وهو تحريض لتفوز مباركة وضوء أخضر من مجلس الأمن لشن العدوان.
ـ ضعف النظام الإقليمي العربي الذي يُعاني من أزمة الإنقسام وسياسة المحاور والذي أثبت فشله من مسألة لبنان والعراق.
ـ استخلاص العبر من حرب تموز 2006م ونتائج تقرير (فينوغراد) و(غولدستين) بالتالي لا تسمح (إسرائيل) بتكرار التجربة بأن تُهدد في المدى القريب بحرب تأكل الأخضر واليابس بالنسبة لها، ويكون أمنها القومي في مرمى الصواريخ الفلسطينية واللبنانية أو الإيرانية.
ـ لا يمكن فصل التدريبات العسكرية الواسعة والتصريحات التي يُلوح بها قادة الاحتلال بشن عدوان كبير على غزة، والحديث الجديد أن (إسرائيل) دولة قوية جداً، وهذا أمر غني عن التعريف، لكن الدلالة تكمن بممارسة طبيعية لهذا الأمر من جديد، بالقيام بحرب إستباقية، وتسديد ضربة قاسية وموجعة "للعدو"، ثم التحول إلى حالة دفاع، وحرب وقائية لحماية حدودها ومقدراتها ومواردها المختلفة.
ـ الخشية الكبيرة تكمن اليوم في (إسرائيل) التي تتعرض للتفتت الداخلي والخطر الخارجي الداهم المهدد لوجودها بشكل جدي، ولأول مرة تبدو عاجزة استراتيجياً وعسكرياً وسياسياً ودولياً عن التحرك في المنطقة خلافاً لما كان عليه حالها طوال العقود الماضية، حيث تلقت ضربات إستراتيجية لبنانية وفلسطينية تسببت بإضعاف قدراتها المختلفة، وهنا تكمن المغامرة بضرب قطاع غزة وحزب الله وربما إيران.
ـ (إسرائيل) دولة مخادعة كما الحرب خدعة، بالتالي (إسرائيل) سوف تستغل حالة الهدوء كغطاء لمواصلة عدوانها في أقرب خرق لقطع شعرة معاوية قبل التصعيد المرتقب الذي تتحدث عنه، كما حدث في أول يوم من حرب غزة "الرصاص المصبوب".
ـ عدم الاكتراث لتقرير (غولدستون) وغياب المحاسبة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني شجَّع سلطات الاحتلال بممارسة مزيداً من الانتهاكات بحق السكان المدنيين الفلسطينيين.
ـ الشارع الفلسطيني أصبح مهيئاً لقبول فكرة الحرب من ذي قبل، وقد أخذت الحرب النفسية وسياسة التهديد وتشويه الآخر مناحي حتى أصبح حديث الساعة لكل مواطن، وهناك إقبال على سلع معينة خشية من إندلاع الحرب خاصة وأن القطاع يُعاني من ظروف قهرية وحصار وإغلاق ووضع أمني متردي، وغياب أي أُفق سياسي مستقبلي مطمئن قد يلوح في الأفق القريب.
ـ استباق رد الرئيس الفلسطيني في حال فشل المفاوضات من الخيارات السبعة التي هدد باستخدامها والتي بدأ أولى خطواتها "الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على أراضي عام 1967".
ـ رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي تتطلع إليه الولايات المتحدة وشريكها في المنطقة (إسرائيل)، والتي تحدثت عنه (رايس) و(ليفني) إبان حرب تموز 2006 والشراكة في "الحرب على الإرهاب" لفرض "السلام" الإسرائيلي الذي فشلت الولايات المتحدة في تحقيقه.
ـ استغلال فرصة إنشغال العالم، خاصة العربي، في وثائق (ويكيلس) التي لم تُدن حتى اللحظة (إسرائيل) أو تُسبب لها الحرج.
وفي إطار الحملـة الدعائيـة والتحضيرات التي يجري الإعداد لها على نارٍ هادئـة في الهيئات والأروقـة الدوليـة التي سـتترك مأسـاة إنسـانيـة وفق الرؤيـة الإسـرائيليـة لها. والخشـيـة أن تُعلن (إسـرائيل) عن مئات القتلى في صفوفها "لشـرعنـة" العدوان والانتقام من "هول وفظاعـة الجريمـة" بتوسـيع نطاقها من حيث الكم والحجم، بعد أن اتخذت من حربي تموز والهجوم على غزة.
بالتالي يتضح أن هناك جملة من المتغيرات تحدث على لوحة الشطرنج، تجعل المرء يتساءل عن قرب العدوان أو طريقته، لإحداث تغيير مفاجئ، وغالباً ما تتم تلك الأحداث والمفاجآت بأحداث أي تقدم على المسار السياسي الفلسطيني، باعتباره عقدة الحل في المنطقة، بجانب المسألة اللبنانية التي تُعاني حتى اللحظة من معضلة كشف ملابسات إغتيال الحريري وتعاظم قدرة حزب الله، وجميعها مرتبط بالتهديد الإيراني، فما يجري على أرض غزة ربما يُعيق مشروع السلام الأمريكي ـ عفواً الإسرائيلي ـ في المنطقة.
* كاتب وباحث